السيمر / فيينا / الاربعاء 19 . 08 . 2020
سليم الحسني
أحسن الأستاذ غالب الشابندر كثيراً عندما نحت مصطلح (السيستانية) في توصيف مواقف واتجاهات المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في طريقة تعامله مع الأحداث المعقدة في العراق.
وبحسب اطلاعي فان الشابندر هو الوحيد من بين الذين كتبوا عن المرجع الأعلى، من جهة دخوله الى أعماق المواقف، فاستخرجها من ركام الظواهر السطحية والعاطفية التي طبعت القسم الأكبر للكتابات الأخرى.
وقد كان المؤمل أن يتوسع الشابندر في دراسة الظاهرة السيستانية ليتناول المخاطر التي تتهددها، وهي نقطة مهمة تحتاج الى وقفات مركّزة لكي تتحول الظاهرة الى مسار. فلم يتطرق الى المعوقات أو العقبات أو عناصر الحصار التي أعاقت اتساع الظاهرة السيستانية، ومن داخل البيت نفسه، وهي النقطة المهمة التي عانت منها الكثير من المرجعيات الشيعية عبر التاريخ، وحرمت الشيعة والأمة من عطاءات ومواقف واتجاهات كبيرة كانت ستظهر في الساحة لو لا هذه العوائق العائلية.
إن السيد السيستاني كان بحاجة الى جماعة شيعية عالية الإخلاص والثقافة، تعمل على كسر الحواجز المضروبة حوله، وأن تخلق حالة شيعية عامة تدعو الى أن يأخذ السيد السيستاني المكانة الحقيقية التي يمثلها، وهي بالتأكيد أوسع وأكبر وأقوى مما هي عليه. لكن من سوء حظ العراق والشيعة، وجود عناصر الحصار الذكية والفاعلة التي استطاعت أن تمنع انطلاق الظاهرة السيستانية على المساحة الأوسع.
كانت قوى الحصار أقوى تأثيراً من حركة الظاهرة، وهذه مسألة طبيعية ومنطقية في ظل غلبة الأجواء العاطفية والبسيطة على الساحة الشيعية. وهذا ما استغلته عناصر الحصار، فقد نشطت بما تملكه من إمكانات ونفوذ الى تحجيم الظاهرة، بل والعمل على تفريغها من محتوى الظاهرة، وإعادتها الى الصفة الشخصية التقليدية.
لقد أدركت عناصر الحصار، بحكم التجارب الميدانية والتاريخ الطويل للمرجعيات، أن خروج المرجع من حالة الفرد الى جو المؤسسة، يعني نهاية مصالحها المالية والاجتماعية، وضياع مقومات نفوذها المهيمن على عالم الشيعة. إنه صراع مستمر ومصيري بين رغبة الحواشي الجامحة الى امتلاك النفوذ وبين توجهات النخبة الشيعية الى دعم المرجعية وزيادة قوتها. وعادة ينتهي الصراع لصالح طبقة الأبناء والحواشي على حساب مصلحة الشيعة.
إن من الأسباب المهمة في نجاح الأبناء بمسعاهم في تحجيم دور المرجعية الحقيقي، وجود طبقة المعتاشين فهم يجدون في الأبناء مصدر وجودهم. فالابن كثيراً ما يكون مستعداً للبذل وشراء الذمم بعناوين دينية طبعا، مقابل حصوله على ولائهم. ويعرف المعتاشون أن العمل على الخدمة الحقيقية لمسار المرجعية سيخرجهم من دائرة الانتفاع، وسينتهون الى الهامش. لذلك فان هذه الطبقة تخوض معركة وجود تمارس فيها شتى وسائل الخداع للأمة لمنع الوعي عنها، والاستعانة بالعاطفة والتضليل لتحشيد البسطاء وخداعهم بتقديس الأبناء، من خلال ضخ ثقافة التضليل بأن الابن هو نفسه الأب من حيث المنزلة والمكانة، وأن توجيه النقد لأخطاء الابن هو مقدمة لضرب المرجع الأب ومن ثم ضرب المرجعية والتشيع والإسلام والعقيدة، ولا يستطيع البسطاء أن يحللوا الدوافع، ليتوصلوا الى أن هؤلاء المعتاشين، يريدون الأبناء ولا يهمهم أمر المراجع ولا المرجعية.
هذه القضية تحتاج الى تسليط المزيد من الأضواء، لكي لا نكرر الخسارة التي تعرض لها الشيعة بتحجيم الظاهرة السيستانية من قبل عناصر الحصار، وقد كان بالإمكان ان يحصل الشيعة على الكثير من المكاسب فيما لو أخذت السيستانية مدياتها الحقيقية.
١٩ أغسطس ٢٠٢٠
الجريدة لا علاقة لها بكل ما طرح من آراء بالمقال .