السيمر / فيينا / السبت 10 . 10 . 2020 —-بعد إعلان الحكومة العراقية إطلاق رواتب الموظفين لشهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ثارت تساؤلات عدة حول كيفية توفير تلك الأموال، خصوصاً بعد ربط وزارة المالية العراقية في وقت سابق، إطلاق الرواتب بتصويت البرلمان على قانون الاقتراض، نظراً للشح المالي الذي تمر به الدولة.
في الموازاة، تبدو مؤشرات الإفلاس واضحة في العراق كما يشير مراقبون، خصوصاً مع استمرار انهيار أسواق النفط، وحجم الرواتب الكبير الذي يصل إلى نحو 5 مليارات دولار شهرياً، بينما بلغت قيمة واردات النفط في سبتمبر الماضي نحو 3.1 مليار دولار، ما يعني أن الأزمة مستمرة بالتراكم مع مؤشرات تؤكد عدم تحسن وضع الأسواق النفطية.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن عدد مستحقي الرواتب من خزينة الدولة يبلغ نحو 8 ملايين شخص، بين موظف مدني وعسكري ومتقاعدين وخاضعين لصندوق الرعاية الاجتماعية وغيرهم.
مخاوف من الإفلاس
وعلى الرغم من تأكيدات وزارة المالية مطلع الشهر الحالي، عدم قدرتها على سداد رواتب الموظفين من دون موافقة البرلمان على قانون الاقتراض، إلا أنها باشرت تسديد الرواتب بناءً على توجيهات من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
وذكر مكتب الوزير في بيان، أن “وزارة المالية تؤكد أن المدفوعات المتأخرة لرواتب القطاع العام عن شهر سبتمبر سيبدأ تسديدها بالكامل، بناءً على توجيهات رئيس مجلس الوزراء”. وأضاف البيان أن “الوزارة تشير إلى أنها ملزمة الإيفاء بالتزاماتها القانونية، على الرغم من النقص الحاد في الإيرادات الذي يواجه البلد، وتتطلع إلى التعاون مع مجلس النواب والجهات ذات الصلة من أجل وضع الحلول السريعة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية”.
ونبهت وزارة المالية إلى أن “الضغط المالي في البلاد سيستمر في المستقبل المنظور، حيث أن مصدر الدخل الرئيس للبلاد من صادرات النفط سوف يتأثر باستمرار بانخفاض الطلب عالمياً والتفشي الهائل لجائحة كورونا”.
وبشأن ورقة الإصلاح الاقتصادي أكد البيان، أن “فرقة العمل التي تقودها الوزارة أنجزت الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي، والوزارة بصدد وضع الصيغة النهائية لموازنة 2021-2022”.
وأظهر حديث وزارة المالية حجم الإشكالية الاقتصادية التي يمر بها العراق، ودعم مخاوف مراقبين من كون البلاد متجهة نحو “الإفلاس” والضغط على الاقتصاد بديون إضافية.
استجواب وزير المالية
أثار تأخر الرواتب موجة استياء حادة في أوساط موظفي الدولة، وفي حين كانت الوزارة تبرر عدم إطلاق الرواتب لحاجتها إلى إمرار قانون الاقتراض في البرلمان العراقي، اعتبر نواب في اللجنة المالية البرلمانية، في وقت سابق، أن الحكومة تتعمد رمي الكرة في ملعب البرلمان، لإجباره على التصويت على قانون الاقتراض من دون تقديم ورقة إصلاحات اقتصادية.
وعبر عضو اللجنة المالية البرلمانية النائب شيروان ميرزا، عن استغرابه من إمكانية توفير وزارة المالية السيولة النقدية لإطلاق رواتب الموظفين من دون قانون الاقتراض، مبيناً أن “الوزارة أصرت في وقت سابق على عدم قدرتها على سداد الرواتب دون إمرار قانون الاقتراض”.
وأشار ميرزا إلى أن ما يدفع النواب إلى التحفظ على التصويت على قانون الاقتراض الثاني هو “محاولة معرفة حجم الإيرادات والنفقات، وكيفية صرف الاقتراض السابق، فضلاً عن كيفية مواجهة الأزمة الاقتصادية”. وأضاف في حديث لـ”اندبندنت عربية”، “لا زلنا بانتظار ورقة الإصلاح الاقتصادي التي لم تصل حتى الآن، فضلاً عن قانون موازنة 2020 الذي لم يُرسل للبرلمان”، متسائلاً، “لا نعرف هل سيستمر لجوء وزارة المالية إلى الاقتراض في مواجهة الأزمة المالية أم أن لديها خطة أو برنامجاً لمواجهة الأزمة”.
وكشف ميرزا عن تحركات بين نواب البرلمان لاستجواب وزير المالية، مؤكداً أنه “سيتم سؤال الوزير حول كيفية توفير تلك الأموال، فضلاً عن تساؤلات عدة حول أرصدة الوزارة وحجم الواردات والعملة الصعبة فيها”.
وعلى الرغم من حديث اللجنة المالية في البرلمان، حول محاولة الوزارة الضغط على البرلمان لتمرير الاقتراض من دون تقديم ورقة إصلاح مالية، إلا أن مراقبين يرون أن الوزارة مجبرة على الاقتراض، خصوصاً مع كون واردات النفط الشهرية لا تغطي الأموال المترتبة على الحكومة لسداد رواتب موظفيها، مع استمرار انخفاض أسعار النفط نتيجة جائحة كورونا وانكماش الطلب العالمي.
تقويض التنمية الاقتصادية
لعل المخاوف الاقتصادية تتعدى إمكانية توفير الحكومة العراقية رواتب الموظفين، حيث يشير خبراء اقتصاديون إلى أن الاستمرار في الاقتراض وإغراق البلاد في ديون كبيرة سيقوض التنمية الاقتصادية، ويجعل من موازنات السنوات المقبلة مجرد أدوات لخدمة الدين وتوفير الرواتب.
في السياق، قال مدير العمليات المالية السابق في البنك المركزي العراقي، محمود داغر إن “ازدياد الدين بخاصة قصير الأجل، يجعل مدفوعات الدين (فوائداً وأقساطاً) كبيرة، ما يمنع إقامة مشاريع الاستثمار لاحقاً”، مبيناً أن “هذا مأزق يبقي العراق ريعياً بامتياز”.
وكشف داغر لـ”اندبندنت عربية”، أن “خدمة الدين في عام 2019 بلغت نحو 9 تريليون دينار (حوالي 7.5 مليار دولار)، وقد تصل إلى حدود 20 تريليون دينار (حوالي 17 مليار دولار) العام المقبل”، مشيراً إلى أن ذلك “سيمنع تفعيل أي مشاريع استثمارية في العراق”.
وتابع “الموازنة العامة هي سلاح السياسة المالية الأمضى في تحقيق النمو وتنويع الاقتصاد العراقي وإخراجه من مآزق أحادية الجانب، من خلال الشق الاستثماري فيها”.
ويعتمد الاقتصاد العراقي بشكل شبه تام على النفط في رفد وارداته المالية، في ظل غياب الاستثمارات الاقتصادية، وتدهور قطاعي الصناعة والزراعة المحليين وعدم قدرتهما على دعم الموازنة العامة للبلاد، في حين تشير التقديرات السنوية إلى أن حجم تدخل القطاعات الاقتصادية خارج النفط، لا يتجاوز في أفضل الأحوال حدود 9 في المئة من موازنة البلاد.
تطبيق برنامج البنك الدولي
فيما تتزايد المخاوف من استمرار الأزمة المالية، وعدم توفر حلول مجدية لها، كشف متخصصون في الاقتصاد عن احتمال أن يؤدي استمرار الاقتراض الداخلي إلى انهيار اقتصادي في نهاية عام 2021، وانخفاض كبير جداً في احتياطي البنك المركزي العراقي.
وصرح استاذ الاقتصاد السياسي عبد الرحمن المشهداني، أن “البنك الدولي يتوقع ارتفاع الدين الداخلي للعراق من 43 تريليون دينار عام 2019، إلى 93 تريليون في نهاية عام 2021″، متوقعاً أن يؤدي هذا الارتفاع في الدين الداخلي إلى “انخفاض احتياطيات البنك المركزي من 67.5 مليار دولار إلى 3.5 مليار دولار نهاية العام المقبل”. وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، أن “وزير المالية يحاول الضغط على البرلمان لتخويله الحصول على اقتراض مفتوح من دون تقديم خطة إصلاح أو إرسال موازنة لما تبقى من العام الحالي”.
ولفت المشهداني إلى أن “وزير المالية يحاول تطبيق برنامج البنك الدولي للإصلاح، وغايته تتلخص في رفع سعر صرف الدولار أمام الدينار، ورفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية، واللجوء إلى الاقتراض الداخلي، وغيرها من البنود”.
المصدر / انديبيندت عربي