السيمر / فيينا / الاربعاء 18 . 11 . 2020
➖ تتوزع السلطة الدينية عندنا في مستويين:-
١) السلطة الروحية
تتجسد بالزعامات العلمية الكبيرة المتصدية للمراكز العليا.. الذين تتعلق بهم أرواح المؤمنين ويبذلون لهم الولاء.. وهم الملاذ الأخير للأمة في الشدائد والملمات.
٢) وسلطة تنفيذية
تمثلها إدارات المراكز تلك، وهي تمتاز بإمتلاكها توكيلات عالية الصلاحية من قبل أكبر الرموز الروحية.
-تعكس الصلاحيات الممنوحة لها حجمَ الثقة بحيازتها رجاحةَ العقلِ والعلمَ والاتزانَ والذكاءَ والكياسةَ وحسنَ الإدارةِ والتدبيرِ.
➖ عملياً ينقسم هذا المستوى إلى جناحين:
أ) جناح تنفيذي منضبط:
هو إمتداد طبيعي للزعامات الروحية، يعكس صورة مشرقة عن عموم السلطة الدينية، ويحرص على الإلتزام الدقيق بروحية التوجيهات الصادرة عن زعماءها –بشخوصهم
– يتحاشى القرارات الشخصية، مراعيا قداسة الرموز الذين يحظى بشرف تمثيلهم، وخطورة تجاوزه الأطر والثوابت – لما في ذلك من تهديد لمكانة الزعامة في الأمة، وخطر ذلك على إيمان الناس، وتمسكهم بالملاذات الروحية وثقتهم بقدسيتها.
-هذه الفئة المنضبطة تتعالى عن المصالح الشخصية والفئوية وتقدم مصالح الأمة والملة.
ب) جناح فوق الضوابط:
– يمثل حالة ممتدة عبر التأريخ
– يتخطى حدود دوره الموكل إليه
– ساعياً إلى توسيع مساحة نفوذه
– متداخلا مع السلطات الأخرى (السياسية وغيرها) لخدمة غايات لا تنسجم بالضرورة مع المصالح العليا.
– بدوافع شتى- إبتدأ هذا الجناح تأثيره على العملية السياسية في وقت مبكر بعد ٢٠٠٣
– بعض حراكه السياسي جاء منضبطا تحت مظلة المرجعيات الدينية التي تدخلت بشكل محدودٍ منطلقة من حرصها على مصالح الشعب وحقوق الشيعة التي أُهدِرت لقرون طويلة.
– لكن جزءا آخر من حراكه كان خفيّاً وبعيدا عن التوجه المعلن.
– حاول الجناح دوما فرض رؤيته الخاصة متخطيا أحيانا رؤية الزعامات
– سعى لدعم أطراف سياسية وإضعافِ أخرى بدوافع متباينة- وبصورة لا تنسجم مع الدور الأبوي الموكل إليه
– مبتعداً عن المواقف المعلنة للزعامات، وعن خطها الثابت في الإكتفاء بالنصيحة والإرشاد، وإيكال التفاصيل لذوي الشأن والإختصاص.
➖ هذا الجناح هو الذي سنطلق عليه (السلطة الثيوقراطية) والنقد سيتناوله تحديدا.
– حيث أسهمت تدخلاته في إنتاج نظام سياسي هجين توافقت على صياغته القوى الكبيرة مانحةً إياه قالبَ الحكم المدني – لكنه كان يخفي في داخله سلطةً دينيةً قويةً، ليس لها عنوان رسمي، لم يوضع ما يدل على وجودها في النصوص التشريعية للنظام.
– وُضِعت خيوط تلك القوة بأيدي الجناح الثيوقراطي، الذي بقي مصرّا على فرضِ رؤاه وإراداتِه في العملية السياسية، مستغلا -في جانب- ضعفَ الأحزاب وفساد السياسيين الذي أبقاهم في حالِ خوفٍ وتصاغرٍ أمام هيبة السلطة الدينية تلك وقدرتها على سحقِهم بجملة واحدة في بيان مقتضب..
..وفي جانب آخر- نجح في إستثمار الرهان الدولي على قدرته في إستعمال سلطته الدينية لأجل ضبط الشارع العراقي -وجزءٍ من الشارع الشيعي بالمنطقة- ضمن نهجٍ سلميّ يتحاشى التصادم مع إرادة الدول العظمى ومخططاتها الإقليمية، والبقاء على الحياد في صراعها مع المحور الشيعي المقاوم.
– لقد نجح هذا الإستثمار في بناء موقع مهم للسلطة الثيوقراطية تلك في ساحةِ التفاهماتِ بين القوى الأشد فاعلية، ومكّنها من حجز مقعدٍ لها في نادي الكبار.
➖ رغم حرصه البالغ على إخفاء دوره، فقد دفعته عوامل متعددة لإقتحام عمق الساحة السياسية الناشئة حديثا ، والتدخل في أدق تفصيلاتها.
– تصاعد هذا التوجه ليصل لاحقا إلى رغبةٍ طاغية للتحكم بإدارة البلد وسلطاته السياسية، مع إستمرار حرصِ الجناحِ على اخفاء ذلك الدور المؤثر وإبقاءِه بعيدا عن الأضواء وحمايته من المؤاخذات.
➖ العزل التنظيري بين مستويات السلطة تلك – قد أصبح اليوم ضروريا بعد إنعزال مواقف الجناحين على أرض الواقع -خصوصا في السنين الأخيرة.
– لقد أثّر هذا الإنعزال العمليّ على صوابِ فهم الناس لوظيفة المنظومة الدينية ودورها المؤثر في حياتهم، وأنتج إرباكاً واضحا في تقييماتِهم وآراءهم .
➖ السنة الأخيرة وحوادثها والمواقف المثيرة للجدل (وتلك التي لا تقبل الجدل) أنتجت حالةً من النقد المتنامي للمنظومة الدينية بأسرها ، وتم تحميلها جزءاً كبيرا من مسؤولية التدهور الذي حصل -خصوصا بعد إنتخابات ٢٠١٨ – والتدخل الواضح في إختيار رئيس الوزراء – ثم في إذكاء التظاهرات التي إستحالت إلى تمرد مسلح سالت فيه الدماء وأُزهِقت الأرواح وأدخل البلد في فوضى عارمة – ثم دورها في إسقاط رئيس الوزراء نفسه، وما تلا ذلك من أحداث.
– هذا التحميل ضاعف الحاجة لتنظير ذلك العزل بغيةَ تنزيه الرموز الروحية من الأخطاء التنفيذية للإدارات.
– فكرة العزل ليست جديدة ، لكن الجديد هو التأطير النظري لها ثم إرجاع المواقف والاحداث الى وجهتها الصحيحة.
—–وللحديث صلة
١٨ -١١ -٢٠٢٠
المعمار
تحليلات في الشأن العراقي- الشيعي