السيمر / فيينا / الخميس 24 . 12 . 2020
سليم الحسني
في منتصف شعبان ١٣٣٧ / ١٩٢٠، اجتمع رؤساء العشائر من الوسط والجنوب بالمرجع الأعلى المرزا محمد تقي الشيرازي في كربلاء، وعرضوا عليه رؤيتهم للسياسة البريطانية في العراق، فلا أمل بتحقيق الاستقلال إلا بالثورة، لقد سلكوا الطرق السلمية فوجدوها مغلقة، ولم يعد أمامهم سوى العمل المسلح.
في ذلك الاجتماع التاريخي، قرر المرزا الشيرازي إصدار فتواه الشهيرة التي اشعلت ثورة العشرين في ٣٠ حزيران ١٩٢٠، وأجبرت سلطات الاحتلال على تشكيل الحكومة العراقية في تشرين الثاني من نفس السنة.
في فتاوى الجهاد يأتي الرأي من رجال الميدان، وحين يجد مراجع الشيعة صوابه، فانهم يصدرون فتاواهم التي تكون بمثابة مفاصل تاريخية في مسار الأحداث.
وعلى نفس المسار كانت فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الأعلى السيد السيستاني، لكن الذي ميّزها أن القائد الشهيد كان هو ضمير الشيعة ولسانهم والمبادر في الدفاع عنهم ضد مشروع الإرهاب الدولي الذي يستهدف وجودهم.
صدرتْ فتوى الجهاد الكفائي بطلب من القائد الشهيد قاسم سليماني في زيارة قام بها الى بيت المرجع الأعلى السيد السيستاني، عرض فيها خطورة الوضع الميداني، وأن الحل الوحيد هو إصدار فتوى الجهاد.
بذل الحاج سليماني جهوده لتصدر الفتوى في نفس اليوم الذي اجتمع فيه مع المرجع الأعلى السيد السيستاني. وبذل مساعيه المكثفة في مواجهة الرأي الذي كان يدعو الى التريث ليوم آخر.
كان القائد سليماني بخبرته الطويلة في إدارة الأزمات الساخنة، يعرف أن خروجه من بيت السيستاني من غير الفتوى، قد يبقي الأمور على حالها، فيتمدد اليوم الى أيام من التريث، بينما الموقف العسكري كان يتحرك بالساعات وأجزائها. وقد اقتنع المرجع الأعلى برأي الشهيد فأصدر الفتوى في نفس اليوم، تقديراً منه بخطورة الوضع، وان الزمن له حكمه في هذه المواقف الحساسة.
بصناعته لفتوى الجهاد يكون القائد سليماني قد صنع زمن الانتصار. إنها لحظات سريعة تمر على الشعوب، تحتاج الى قرار قاطع، الى رؤية دقيقة، والى خطوة فاصلة، فتنعكس الاتجاهات، وتنقلب الموازين. وهذا ما فعله الجنرال سليماني.
سيكون عملاً منصفاً عندما يكتب الباحثون والكتّاب عن الخطوة العظيمة للسيد السيستاني في إنقاذ العراق من خطر داعش، عندما يسجّلون اللحظة التاريخية بجزئها الأساسي، وهو الجزء المتمثل بموقف القائد سليماني بوصفه صانع الفتوى.
التاريخ الصادق نصب للشهيد منارةً عالية كتب عليها: (مشكور حجي قاسم ما قصّرت ويانه).
٢١ كانون الأول ٢٠٢٠