السيمر / الخميس 18 . 03 . 2021
د. ماجد احمد الزاملي
أن محل الإثبات الحقيقي دائماً وأبداً هو الواقعة القانونية التي أنشأت الحق, أو المركز القانوني المتعلق به النزاع, وذلك على أساس أن الإثبات لا يتصور أن يرد على القاعدة القانونية التي تقرر وجود هذا الحق أو المركز القانوني الذي لا يرد عليه الإثبات أيضاً، لأن الحق أو المركز القانوني لا يعتبر إلا أثراً يترتب على واقعة قانونية معينة, وهى التي تصلح لأن تكون محلاً للإثبات(1). عادة ما يتطلب القاضي الذي ينظر النزاع شروطاً معينة في الواقعة محل الإثبات مثل أن تكون موضع منازعة، وأن تكون منتجة في الدعوى, وأن تكون مقبولة، وهو ما يقتضى الحديث أولاً عن القاعدة العامة التي تحكم الواقعة محل الإثبات، ثم نعقبه بالحديث عن القانون الواجب التطبيق على الشروط الخاصة التي يتطلبها القاضي في المنازعة. ويدخل في اختصاص القانون الواجب التطبيق على محل الإثبات تحديد الواقعة القانونية التي يتولد عنها ذلك المحل، وتنقسم الوقائع القانونية إلى وقائع مادية وتصرفات قانونية، وتنقسم الوقائع المادية إلى وقائع طبيعية مثل الوفاة وأفعال مادية مثل الفعل الضار الموجب لحق المضرور في التعويض، وتنقسم التصرفات القانونية إلى تصرفات تلتقي فيها إرادتان مثل العقد أو تصرفات تصدر عن إرادة واحدة مثل الوصية وما شابهها(2). من خلال التبصر بآراء بعض الفقهاء ممن يستندون في نظرياتهم على فكرة السيادة في تنازع القوانين، ومنهم الأستاذان الفرنسيان بيليه وبارتان، يتبين لنا ان هذا الاتجاه في فقه القانون الدولي الخاص من شأنه ان يضفي على وظيفة قواعد الإسناد صبغة سياسية تبتعد بهذه القواعد عن دورها الحقيقي الذي تمارسه في تنظيم العلاقات الخاصة الدولية(3). فَهُم يرون أن العلاقات ذات العنصر الأجنبي، وخلافاً للعلاقات الوطنية الخالية من ذلك العنصر، يكون بشأنها إدعاء من قبل قانون أكثر من دولة الاختصاص بتنظيم هذه العلاقات، وهو ما يؤدي إلى حصول تماس بين الاختصاصات التشريعية للدول التي على صلة بالعلاقة المعنية، ولذلك فان تنازع الاختصاصات التشريعية، أو تنازع القوانين، لا يكون إلا نوعاً من التنازع بين سيادات الدول صاحبة تلك الاختصاصات. ومتى حدد القاضي بالطبيعة القانونية للنزاع وفق القانون ، فإن عليه أن يطبق قواعد الإسناد التي يأمر بها القانون ، وعلى ضوء ذلك يتحدد القانون الواجب التطبيق، وما على القاضي إلا أن يقوم بتطبيق هذا القانون، وهذا التوجه ينسجم مع ما تبناه نص المادة (10 ) مصري، والمادة (11) أردني، ووفقاً للمادة رقم (14) لمشروع القانون المدني الفلسطيني رقم 4 لسنة 2012م حيث تقول أن “ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻁﻴﻨﻲ ﻫﻭ ﺍﻟﻤﺭﺠﻊ ﻓﻲ ﺘﻜﻴﻴﻑ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻌﻨﺼﺭ ﺍﻷﺠﻨﺒﻲ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﺘﺘﻨﺎﺯﻉ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﻟﻤﻌﺭﻓﺔ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻭﺍﺠﺏ ﺘﻁﺒﻴﻘﻪ”، فعند زيادة عبارة “لمعرفة القانون الواجب التطبيق” أصبح المقصود هنا “التكييف الأولي أو السابق” على معرفة القانون الواجب التطبيق، فكأنما المشرع الفلسطيني أخذ بنظرية (بارتان) ونطاق نظرية (بارتان) وقال أن التكييف الأولي أو السابق يتبع للقانون الفلسطيني أما التكييف الثانوي أو اللاحق يتبع للقانون الأجنبي أي للقانون الواجب التطبيق. السبب وراء أهمية استقلال القضاء هو أن المجتمع الحر يظل موجودا طالما أنه محكوم بحكم القانون… الحكم الذي يلزم الحكام والمحكومين، مطبقا بحيادية ومعاملا بمساواة كل الذين يلجأون لتعويضاته أو الذين يحرمون من تعويضاته. ورغم الغموض الذي قد يحيط بمفهومه، ورغم إمكانية عدم وضوح الفكرة. وهذا التطلع يعتمد في إتمامه على كفاءة و حيادية تطبيق القضاة للقانون. وللقيام بتلك المسئولية، فمن اللازم أن يكون القضاة مستقلين وأن ينظر إليهم على أنهم كذلك. لقد تعودنا على فكرة أن استقلال القضاء تشمل الاستقلال عن أوامر الحكومة التنفيذية… لكن القرارات الحديثة شديدة التنوع والأهمية لدرجة أن الاستقلالية يجِب ألا تكون محمِّلة بأي تأثير من شأنه الإفضاء إلى التحيز في اتخاذ القرار. إن استقلال الحكومة التنفيذية جوهري في هذا الصدد، لكنه لم يعد الإستقلال الوحيد الذي يتعلق به الأمر.
الاستقلال القضائي يفترض مسبقاً الحيادية التامة من جهة القاضي. عند الفصل بين أطراف النزاع، يجِب على القاضي أن يكون بعيداً عن أي صلة، أو ميل أو تحيز من شأنه التأثير ـ أو قد ينظر إليه على أنه ذو تأثيرٍ ـ في مقدرته أو مقدرتها على الحكم باستقلالية. وفي هذا الصدد، تعد الاستقلالية القضائية شرحاً للمبدأ الأساسي القائل بأن “ما من شخص يحق له أن يكون قاضياً في دعواه الخاصة.” ولهذا المبدأ أيضا دلالة تتعدى التأثير على أحزاب معينة في أي نزاع بما أن المجتمع ككل يجِب أن يكون قادرا على الثقة في السلطة القضائية.
تُعد نظرية الفصل بين السلطات هي جوهر استقلال القضاء، وهي تقول بأن السلطة القضائية التي تعد أحد ثلاثة أضلاع أساسية ومتساوية في الأهمية داخل حكومة ديمقراطية حديثة يجِب أن تقوم بوظائفها بشكل مستقل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. والعلاقة بين الأفرع الثلاثة للحكومة يجِب أن تقوم على الاحترام المتبادل، وذلِك بأن يحترم كل منها الآخر، ويعترف بالدور الخاص بالآخرين. هذا بالطبع أمر ضروري لأن السلطة القضائية لها دور ووظائف هامة بالنسبة للفرعين الآخرين فهي تضمن مسئولية الحكومة والإدارة التامة عن أفعالهما. وفيما يخص السلطة التشريعية فإنها مسئولة عن ضمان تفعيل القوانين الموضوعة كما ينبغي، كما أنها مسؤلة إلى حد كبير عن ضمان تطابقها مع الدستور الوطني، ومع المعاهدات الإقليمية والدولية التي تُمثل جزءاً من القانون الوطني، حيث يصلح ذلك. ولأداء دورها على أكمل وجه في هذا الصدد، ولضمان تطبيق غير مقيد وتام الحرية لحكمها القانوني المستقل، يجِب على السلطة القضائية أن تتحرر من أي اتصالات غير مناسبة، وأية مؤثرات من قبل فروع الحكومة الأخرى، فهكذا تكون الاستقلالية ضماناً للحيادية.
من المهم أن ينظر إلى السلطة القضائية على أنها مستقلة، وأن يتضمن اختبار الاستقلالية تلك النظرة وذلك الإدراك. وهو إدراك لما إذا كانت محكمة ما تحظى بالشروط الموضوعية الأساسية أو بضمانات الاستقلال القضائي، وهو ليس إدراك لكيفية آدائها الفعلي لوظائفها، بصرف النظر عما إذا كانت تحظى بمثل هذه الشروط أوالضمانات، فإذا رغب شخص في الطعن في استقلالية محكمة ما، فيجب عليه أن يثبت قصور فعلي في الاستقلالية، على الرغم من أنه إذا ثَبت ذلك فإنه سيكون أمراً حاسماً للطعن. وفي المقابل، فإن الاختبار الذي يُجرى لهذا الغرض هو نفس الاختبار الذي يُجرى لتحديد ما إذا كان متخذ القرار متحيزاً. والسؤال هنا هو عما إذا كان المراقب المعتدل سينظر إلى (أو في بعض الولايات القضائية “قد ينظر إلى”) المحكمة باعتبارها مستقلة. فرغم أن استقلال القضاء هو وضع أو علاقة تقوم على شروط موضوعية أو ضمانات، بالإضافة إلى كونه حالة ذهنية أو موقفاً يتَّخذ في إطار التطبيق الفعلي للوظائف القضائية، فإن اختبار الاستقلالية يتحدد على أساس الإدراك المعتدل لاستقلال المحكمة من عدمه. و المحكمة هي مكان يسوده الجدية، والرزانة والاحترام. فهو ليس مكاناً للتصرفات الغير معتدلة ، والأحاديث المطولة والسلوكيات السيئة. وذلك ينطبق أيضا على المتنازعين والشهود وأي شخص آخر حاضر بالمحكمة. وعند جلوس القاضي بمقعده، يجِب أن يكون لائق المظهر، وأن يكون في كامل الاستعداد لسماع القضية التي ستعرض أمامه، وأن يضع في الاعتبار كل الأدلة التي ستقدم له. لا يجِب أن يكون القاضي في حالة غضب، ولا يجِب أن يكون في حاجة إلى الراحة أو أن يكون متعباً للغاية. فكل هذه الأشياء يمكنها تهديد حالته الذهنية وقدرته على التقييم المناسب لشهادة المتنازعين. وللحفاظ على مظهر الاستقلال القضائي، لا تسمح الشريعة الإسلامية للسلطة السياسية بإقالة قاضٍ من منصبه إلا إذا تَطَلَّب الصالح العام ذلك. وقد يكون هدف تهدئة قطاع كبير من الشعب سببا شرعيا للإقالة، أو إقالته لتعيين شخص آخر أكثر أهلية للمنصب إذا عزل القاضي بدون سبب شرعي، يظل منصبه قائما, النظام القضائي في الإسلام، مشروع اكتشف الإسلام، يجب أن تُفتح محاكم الاستماع للعامة. ولكن، إذا رأى القاضي أن إقصاء العامة سيكون في صالح الأشخاص المعنيين، يمكنه القيام بذلك، وحتى إن تَطَّلب الأمر أن إقصاء موظفي المحكمة، فلا يبقى أمامه سوى المتنازعين أنفسهم. ويسمح بذلك في حالات الدعاوى التي يُفضَّل فيها الحفاظ على سرية الموضوع، مثل التصرفات الفضائحية بين الرجال والنساء. ويسمح به أيضا في الدعاوى اللا-منطقية التي قد تدفع العامة للضحك أثناء المحاكمة(4). إن سلوك القاضي أساسي للحفاظ على حياديته لأنه الشيء الوحيد الـذي يـراه الآخرون. وقد يضعف السلوك غير اللائق الإجراء القضائي بنقله انطباعاً بـالتحيز أو عدم الاكتراث. ويؤدي عدم احترام القاضي للمتنازع للإخلال بحقه في الاستماع، كمـا يهدد هيبة ووقار المحكمة. ويؤثر أيضاً انعدام اللياقة على مدى رضا المتنـازع عـن تناول الدعوى مما يعطي انطباعاً سيئاً عن المحاكم بصفة عامة. وفي حالة ما إذا قبِلَ القاضي ـ أثناء فترة أجازة طويلة ـ وظيفة بدوام كامل في منصبٍ عالٍ له صلة باتخاذ القرار في إحدى السلتطين التشريعية أو التنفيذية (كمستشار خاص بشأن أمور تتعلق بإصلاح إدارة القضاء)، فإن ذلك لا يتوافق مع مبدأ استقلال القضاء. والتحرك فيما بين المناصب العليا بالسلطتين التنفيذية والتشريعية والسلطة القضائية يشجع فكرة اختلاط الوظائف نفسها التي يسعى مبدأ فصل السلطات إلى تجنبها. وهذا الاختلاط من شأنه التأثير على وجهة نظر القاضي، ووجهات نظر المسئولين الذين يعمل معهم القاضي بشأن الدور المستقل للقاضي. وحتى إذا لم يحدث ذلك، فإن مثل هذا المنصب سيؤثر بشكل سلبي على نظرة الناس لاستقلال المحاكم عن فرعي الحكومة التنفيذي والتشريعي. مثل هذا المنصب يختلف بين قاضٍ يخدم بالفرع التنفيذي أو التشريعي قبل أن يصبح قاضياً، وبين خدمته فيهما بعد تركه للمنصب القضائي. في تلك الحالات، تمثل إجراءات التعيين والاستقالة حدا فاصلا للتمييز بالنسبة للقاضي، ولمراقبي النظام القضائي، بين الخدمة في فرع ما والخدمة في فرع آخر(5).
———————————
1-د. أحمد عبدالكريم سلامة, ص346.
2-د. أحمد عبدالكريم سلامة: المرجع السابق، ص347.
3-د. احمد عبد الكريم سلامة. السياحة والعقود الدولية الجديدة ,عقد المشاركة الزمنية او اقتسام الوقت في القانون الدولي الخاص, مجلة الحقوق. كلية الحقوق. جامعة البحرين. المجلد الثالث. العدد الثاني. 2006. فقرة 25. ص32-33
النظام القضائي في الإسلام، مشروع اكتشف الإسلام، com.islamtoday.www4-
محمد إبراھيم ھـ. إ. سورتي، “القانون الأخلاقي والإجراءات المنظمة بالمحاكم الأولى للشريعة الإسلامية، بالإشارة إلى أدب القاضي للخساف” في طبعات محمد عبد الحليم، وعادل عمر شريف، وكيت دانيالز، العدالة الجنائية في الإسلام، إ.ب. توريس آند كو ليميتيد، لندن ونيويورك، ٢٠٠٣ ،ص149-166.
أنظر لجنة ماساشوسيتس بشأن أخلاقيات القضاء، رأي رقم ٢٠٠٠-١٥.5-