السيمر / فيينا / السبت 15 . 05 . 2021 — منذ أن بدأت الصواريخ تتساقط بالقرب من منزل عائلتها في قطاع غزة هذا الأسبوع، ونجوى شيخ أحمد تخشى النوم.
نجوى، أم لخمسة أطفال، تقول إن “الليالي مخيفة جدا بالنسبة لنا – بالنسبة لأطفالنا. ففي أي لحظة قد يصبح منزلك قبرك”.
تسمع نجوى طوال اليوم هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تحلق فوق رؤوسهم، كما تسمع أصوات انفجارات الصواريخ والقصف الجوي. وتقول: “كل شيء يهتز حولنا. كما أننا نرتعد لأننا خائفون جدا”.
ونجوى واحدة من بين كثير من سكان إسرائيل وغزة الذين يسيطر عليهم الخوف أثناء تبادل إطلاق النار بين مسلحين فلسطينيين والقوات الإسرائيلية، وأثناء العنف الذي اندلع في الشوارع بين يهود وجموع من الفلسطينيين الحاصلين على جنسيات إسرائيلية في عدد من البلدات الإسرائيلية.
وقتل 83 شخصا على الأقل في غزة، وسبعة في إسرائيل.
حدثت بي بي سي إلى اثنين من الأمهات؛ إحداهما فلسطينية والثانية يهودية إسرائيلية تعيشان أسوأ قتال شهدته المنطقة منذ سنوات.
ليس من السهل إخفاء خوفك
عندما ضربت مئات الصواريخ الإسرائيلية غزة ليل الأربعاء، تجمعت عائلة نجوى شيخ أحمد في منتصف منزلهم الكائن في الطابق الأول للاحتماء معا.
وتقول نجوى إنها تعجز عن التعبير عن مدى الخوف من سقوط القنبلة التالية على منزلهم.
“قد تجد نفسك في أية لحظة عالقا وسط القصف، وبيتك أو حيّك مستهدفا. قد يحوّل هذا القصف المكان، الذي من المفترض أن تكون بمأمن فيه، إلى قبر لك ولأطفالك ولأحلامك ولذكرياتك ولكل شيء”.
تعيش نجوى مع زوجها وأطفالها الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و22 عاما، على محيط مخيم للاجئين وسط قطاع غزة – وهو مساحة صغيرة مزدحمة تطل على البحر الأبيض المتوسط حيث يعيش 1.8 مليون شخص.
وقالت السلطات في غزة إن عشرات المدنيين، بينهم 17 طفلا، قد قتلوا جرّاء الغارات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت حركة حماس.
وتقول إسرائيل إن عشرات القتلى في غزة هم من المسلحين وإن بعض الوفيات نجمت عن صواريخ خاطئة من غزة.
تزايدت مخاوف نجوى عند الحديث عن هجوم بري إسرائيلي محتمل على غزة. وتقول “لا يمكنك أن تكون آمنا. هذا أمر مرعب للغاية بالنسبة لي كأم؛ إنه مرهق للغاية نفسيا، ومرهق لي إنسانيا”.
وتقول نجوى إنها لم تحسم قرارها بعد حول ما الذي ستقوله لأطفالها عن العنف الذي يدور حولهم. “توقفت عن قول أي شيء لهم. [لكن] ليس من السهل إخفاء المخاوف عنهم. لأنك لا تعرف ما إذا كان هذا المكان آمنا أم لا”.
لكن رغم جهودها لحماية أطفالها من الحديث عن القتال، تعرف نجوى أنه لا مهرب من هذا الحديث.
وتقول: “إنهم يتابعون الأخبار طوال اليوم، حتى لو طلبت منهم ألا يفعلوا. (فأخبار ما يحدث) انتشرت على إنستغرام والسوشال ميديا. كلها عن الدمار”.
وتخشى نجوى على أطفالها من الأثر النفسي لجولات الصراع المتكررة التي حدثت في غزة خلال السنوات الأخيرة. فابنها الأصغر، محمد، الذي يقترب من عامه الثاني عشر، عاش بالفعل حرب عامي 2008-2009 وأيضا حرب عام 2014، التي أودت بحياة آلاف المدنيين.
وتقول “لا أستطيع تخيل الذكريات التي سيحكيها لأطفاله عندما يكبر”.
ومع استمرار الغارات الجوية، تدرك نجوى تأثير ذلك عليها أيضا، وتقول: “لا يمكنك التعود على كل هذا الرعب، ولا يمكنك التعود على سماع أصوات صراخ وبكاء الأطفال”.
________________________________________________
“خائفون جدا من البقاء”
عندما وصل حشد عنيف من الفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية إلى الشارع الذي تقطن فيه في بلدة اللد ليلة الاثنين، علمت توفا ليفي أن الوقت قد حان كي تهرب مع عائلتها الإسرائيلية اليهودية.
وكانت توفا طيلة المساء تقرأ أخبارا مقلقة عبر مجموعة واتساب تخص حيّها. إذ أرسل أصدقاء رسائل تحذيرية تقول إن “حشدا” قد غادر أحد المساجد المحلية، وقام بأعمال شغب واسعة النطاق في أنحاء المدينة التي تضم خليطا من العرب واليهود الإسرائيليين، والتي تقع على بعد 15 كيلومترا جنوب شرق تل أبيب.
وتقول إنهم كانوا على مقربة من منزلها، حيث تعيش مع زوجها وطفليها الصغيرين. “بدأوا بحرق الأشياء. [كان الأمر] صادما حقا… شعرت بالرعب. قلت لنفسي، ما الذي يمنعهم من الصعود وتحطيم باب منزلي؟”
حزمت الأسرة بسرعة بعض الأشياء وهربت باتجاه الجنوب إلى بيت صهر توفا قرب بئر السبع. وتقول: “غادرنا لأننا كنا خائفين جدا من البقاء”.
وبعد مغادرتهم لبيتهم اندلع قتال في شوارع اللد.
وتحولت احتجاجات الفلسطينيين الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية في البلدة إلى أعمال شغب واسعة النطاق مساء الثلاثاء. واشتبك المتظاهرون مع الشرطة وأضرموا النار في السيارات والمباني، بعد يوم على جنازة رجل يزعم بأنه قتل برصاص سكان يهود.
وصرح رئيس البلدية بأن “حربا أهلية اندلعت في اللد”.
طلبت توفا من أحد جيرانها إزالة الميزوزاه من على باب دراهم، والميزوزاه هي مخطوطة منقوش عليها صلاة يهودية (شيما) تثبتها عديد من العائلات اليهودية على أعمدة أبواب منازلهم للتذكير بحضور الله. وتقول: “أخشى كثيرا أن يقتحم الحشد منزلنا”.
وتعبر توفا عن قلقها بشأن ما سيبقى من منزلهم عند عودتهم إليه. “لا نعرف ما إذا كان سيبقى لدينا منزل نعود إليه. لا أعرف ما إذا كان منزلنا سيفجر عندما نعود إليه”.
ومنذ أن غادرت عائلتها اللد، تعرضت البلدة لهجوم صاروخي. وقتل اثنان من الفلسطينيين الحاصلين على جنسية إسرائيلية عندما أصاب صاروخ أطلق من غزة سيارتهما يوم الأربعاء.
ومع انطلاق صفارات الإنذار طوال الليل، احتمى آلاف الأشخاص في الملاجئ، ومن بينهم كثير من جيران توفا اليهود الذين بقوا في اللد. واضطروا إلى تقاسم الملاجئ مع جيرانهم العرب، الذين يعتقدون أنهم ربما شاركوا في أعمال الشغب، فازدادت مخاوفهم.
وتقول توفا “قررت عائلات أخرى عدم الذهاب إلى القبو. نزل بعضهم لفترة قصيرة ثم غادروا بسرعة”.
ومع تصاعد التوتر، لا تعرف توفا كيف سيشرح ما يحدث لابنها البالغ من العمر أربعة أعوام ونصف. “إنه يعلم أن هناك انفجارات بسبب أشخاص سيئين. ما زلت أشعر أنني لا أستطيع أن أخبره أن العرب هم من يفعل ذلك بنا. أريده أن يكون قادرا على العيش بسلام مع جيرانه. لا أريده أن يكبر ولديه هذا الخوف من العرب”.
وتشعر توفا بالقلق من أن عائلتها ستبقى عالقة في هذا الصراع المتفاقم. “كلنا مدنيون ونحن نقاتل بعضنا البعض. إنه أمر مخيف، أمر مخيف جدا”.
المصدر / بي بي سي