السيمر / فيينا / الجمعة 09 . 07 . 2021
اسعد عبدالله عبدعلي
يعتبر كتاب الف ليلة وليلة من اهم ما بقي من الارث الادبي لزمن الدولة العباسية, والذي اعتمد المزج ما بين الخرافة والواقع وعالم السحر والجن, فأتى محملا: بالنصوص الادبية, والفتاوي الدينية, وقصص السلف, وعالم الجن العجيب, وخرافات عميقة الحبك, لينتج عمل ادبي كبير ومهم, وقد ذاعت شهرته في كل المعمورة, وادخل ضمن مناهج الدراسية في الكثير من الجامعات العالمية, وحتى تحولت بعض قصصه لأفلام عالمية, لكن الملاحظ عملية الربط بين القصص والجنس! مع انها رواية منبثقة من مجتمع الخلافة الاسلامية, فكان غريبا حجم الانغماس بالصور الجنسية.
ومن منا لا يعرف بطل قصص “ألف ليلة وليلة”ً وهو شهريار ملك من ملوك ساسان، الذي حكم البلاد بالعدل وبالرحمة، فيما كان أخوه “شاه زمان” ملكاً لسمرقند, وبعد مرور عدة أعوام اشتاق شهريار لرؤية أخيه, وبعد عودته من زيارة أخيه وجد باب قصره ينفتح وشاهد زوجته تخونه مع رجل أسود, فقتلها وقتله، وسيطرت عليه كآبة وحقد وكراهية, ولم يجد أمامه من سبيل إلا الهروب المادي والسفر مع أخيه إلى بلاد بعيدة.
خطاب الجنس في حكايات الف ليلة وليلة، وهو خطاب يقوم على فكرة أن المرأة هي أساس الخيانة والمكر، وهي ناقصة عقل ودين، وحياتها تقوم على الجنس الذي لا يعرف الحياد أو المراوغة أو التستر, وقد أرادت شهرزاد من خلال إقحام الجنس في خطابها السيطرة على عواطف شهريار، وتحويله إلى رجل قادر على أن يسمو على جراحه, لذلك كانت تقص عليه حكايات متساهلة مع الأخلاق، لتنقله من حالة الشقاء التي يعيشها إلى صاحب سلطة، رد إليه اعتباره, ولأن الجنس كان مفتاح علاج شهريار، مثلما كان مأساته، فقد أرادت شهرزاد استعراض جميع أنواع النساء على مسامعه، لتتمكن من السيطرة على عواطفه، وتنشيط تخيلاته، وتحويل تفكيره إلى رغبات جنسية، واقناعه بأن النساء ليس كلهن مثل امرأته الخائنة.
وقد قررت ان اكتب عن هذا المنجز المهم, لكن في جانب واحد منه وهو كثرة اهتمامه بالجنس مع انه وليد بيئة محافظة.
عندما ندخل عوالم الف ليلة وليلة نجد انها ربطت بعمق بين الجنس والسلطة، فأبرزت دور الجواري (المرأة) ضمن سياقات جنسية, مسلطة الضوء على فكرة ان المرأة ادوارها تتمحور حول الجنس, وفي نمو السرد وتشعبه، وانتقاله من فضاء إلى فضاء، إضفاء مكونات السحر والتخيل والأسطورة من خلال جماليات جسدها, الذي يبدو هو الآخر أكثر سحرا وأكثر جاذبية، وأكثر حضورا في بنية الحكاية سردا ووصفا وحوارا.
· ابراز دور الانثى
عندما تدخل عوالم الف ليلة وليلة ستكتشف الحضور الطاغي للمرأة بكل أصنافها، الجواري والاميرات, العفيفة والعاهرة, المؤمنة والراقصة، فإن نساء الليالي هن من كل الأزمنة والعصور، وحلقات التاريخ التي سبقت القصص أو تزامنت معه، وعلى المستوى الطبقي تتعرض ليالي ألف ليلة وليلة لشرائح اجتماعية نسويّة متباينة ومتباعدة تارة، ومتقاربة تارة أخرى، وباختلاف طبقاتهن الاجتماعية، فهناك الجارية والوصيفة والسيدة والملكة والأميرة، والأرستقراطيّة الحسناء التي يتقاطر الرجال ورواءها، والفقيرة المعدمة، والقوّادة والقهرمانة، والمحتالة الماكرة، والداهية, والجميلة والقبيحة، والسوداء والبيضاء والشقراء، والفاجرة والداعرة والمتعففة ، ولا نغالي إذا قلنا إنّ المرأة هي البنية شبه الكليّة لمكونات السرد والقص.
لكن يمكن عده اساءة لمجتمع ذلك الزمان وخصوصا للأنثى حيث يعمم تلك الصور القبيحة للمرأة وهذا ملا يمكن تخيله لمجتمع الخلافة السلامية بحيث تكون الحياة بنوع من الانحلال الخلقي, نعم هنالك حالات لكن ليست عامة, كما حال مجتمعنا اليوم فيه الكثير من القبح والانحلال لكن لا يمكن ان نعمم بانه مجتمع منحل خلقيا. وقد يكون للكتاب دوافع قومية ضد اساس مجتمع الخلافة وهم العرب بحيث يسيئون للعرب عبر اشاعة مثال المرأة المخادعة العاهرة القوادة, خصوصا ان كتاب الليالي ليسوا من العرب.
· المرأة والسياسة والجنس
خطاب الجنس كان مرتفع جدا في تحديد الكثير من معالم الرؤية السياسيّة لحكام ألف ليلة وليلة، وعلاقاتهم بشعوبهم، وإلى أي مدى تؤثّر المرأة الجارية أو السيدة، أو غيرها من النساء على قراراتهم وأحكامهم، وعلاقاتهم التجاريّة والاقتصاديّة ، كما يتبين للقارئ مدى علاقة المرأة بالفضاء الزماني والمكاني، فالفضاء الزماني المشبع بخطاب الحب والجنس وإن بدا طويلا، إلا أنه يبقى محدودا بالمساحة السرديّة الزمنيّة الممتدة عبر الليالي، والتي تتحدد في كون شهرزاد بين أحضان شهريار على مستوى الواقع بجسدها، وعلى مستوى التخيل من خلال أجساد النساء اللواتي تسرد عنهن، وتروي،
والفضاء المكاني هو فضاء شمولي، ينمو ويمتدّ من قصر شهريار, إلى قصور سلاطين وأمراء ألف ليلة وليلة وملوكها.
درس احد الكتاب العرب حكاية من أطول حكايات ألف ليلة وليلة، وهي حكاية: “علاء الدين أبو الشامات والتاجر محمود البلخي”، وسفرهما من مصر إلى بغداد ثمّ إلى حلب، وما جرى لهما بيّن دور الجنس والرغبة الجنسية في بناء الحكاية، وتشعبها ومسار أحداثها الكثيرة, وعرّج المؤلف، وبشيء من الإفاضة، أثناء تحليله لهذه الحكاية على دور الغناء والموسيقا والخمور، في تحفيز خطاب الجنس، وتحفيز الرغبة الجنسية وتأجيجها لدى شخوص الليالي، وبخاصة الشخوص الذين ينتمون إلى الطبقة الحاكمة والمالكة اقتصاديا، وبالتالي تحفيز الحكاية وتشعبها إلى حكايات فرعيّة تلد مزيدا من النساء والجواري.
وقد اظهر الكاتب في تحليله للحكايات الكثير من مظاهر الايروتيكية العربية ونصوصها وأدبياتها.
· الميول الجنسية والعقد النفسية لشهريار
اولا: بعد خيانة زوجة شهريار لزوجها قام بذبحها وتسببت له بعقدة نفسية شديدة جدا, لا تشفيها سوى الدماء، فانطلق بحملة للانتقام من كل النساء, فأخذ يتزوج فتاة عذراء كل يوم وبعد حفلة العرس وإكمال مراسيم الزواج, كان يقتل تلك العروس بالسيف! أي ان القصص تتحدث عن قاتل متسلسل ومجرم يرتاح لرائحة الدم, اكثر من انه عاشق رومانسي.
ثانيا: لم يكسر القاعدة القتل المتسلسل إلا مع قدوم ابنة الوزير وهي “شهرزاد”, التي استطاعت أن تغري الملك بحديثها وقصصها لتتركه يمنحها يوماً آخراً كل مرة لإكمال الحكاية دون قتلها، وكانت كلما تنه حكاية تبدأ بأخرى وتستمر بذلك لحين مرور ألف ليلة وليلة, ليقرر بعدها شهريار العفو عن رقبتها وأن يعيش معها قصة حب جديدة. وبذلك أصبحت هذه القصة رمزاً لذكاء وفطنة المرأة, وتذكيرا بهمجية الرجل الذي قد تطوعه النساء وتغيّر طباعه وتفكيره.
ثالثا: قيل إن التحليل النفسي لشخصية شهريار يثبت انه يعاني الشك المرضي والإجرام، وتشير الاعراض الظاهرة من سلوكه, من انه تعرض للإساءة الجنسية من شخص قيادي في العائلة كالأب، وخصوصاً أن المثلية الجنسية كانت مقبولة في تلك الإمارات الفارسية والرومانية، والجنس مع الأطفال كان أمراً مقبولاً أيضاً, ومن هنا يترجم سبب ممارسته الجنس مع فتاة عذراء تحديداً كل ليلة ومن ثم قتلها, عبر فصل رأسها الذي يمثل الوجه طفولي، بما أنها عذراء، عن جسدها الذي يعكس الملامح الجنسية.
رابعا: السادية بأبشع صورها: قال محللون إن شهرزاد كانت على علم بوحشية شهريار وممارساته الجنسية السادية, والتي تعني الحاق الاذى الجسدي والذل عند الممارسة الجنسية مع المرأة, وكانت علاقتهما الجنسية تنتهي بجملة “سكتت عن الكلام المباح” بحسب الرواية، وهي نفس الكلمة التي تقال عند ممارسة الجنس السادي, والتي تعني انتهاء العملية الجنسية والعودة الى العلاقة الطبيعية دون عنف, وبهذا استطاعت شهرزاد السادية أن تكون مركز القوة في غرفة النوم, واستطاعت ترويض الرجل الذي يعاني من الطفولة والهمجية والوحشية.