الرئيسية / مقالات / مكتب السيستاني صانع الأزمات

مكتب السيستاني صانع الأزمات

السيمر / فيينا / الاثنين 19 . 07 . 2021 

سليم الحسني

في أوج التظاهرات التشرينية أواخر عام ٢٠١٩ طرح مكتب السيد السيستاني مطلبين معقدين في وقت واحد:
الأول: إقالة عادل عبد المهدي واختيار رئيس وزراء جديد.
الثاني: إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
مثّل هذا القرار من مكتب السيستاني الدرجة الأعلى من عدم استيعاب المسارات السياسية، كما أنه كشف بوضوح بأن إلمام المكتب بأزمات العراق ضعيف ومحدود وضيق.
إن تقديم موعد الانتخابات يتم عادة على يد الحكومة القائمة، فهذا الإجراء يعني إقالتها خلال فترة زمنية محددة قبل استكمال مدتها الدستورية. وهو إجراء تلجأ اليه الدول في حال الأزمات وتصاعد حدة المعارضة الى مستويات الإضطراب والخوف على استقرار البلد.
لكن الذي حدث أن مكتب السيستاني طرح مطلباً غريباً عندما أراد اختيار رئيس وزراء جديد تكون مهمته إجراء الانتخابات المبكرة.
في جو محتقن كالذي كان سائداً أيام التظاهرات، وفي ساحة تحكمها التوافقات والمحاصصة والتسابق على القوة مثل العراق، فان هذا المطلب يكون وقوداً عالي الاشتعال للأزمة التي تعيشها البلاد.
إن أي مواطن عراقي يعرف صعوبة الاتفاق على رئيس وزراء. وأن اختياره يستغرق عدة أشهر في كل دورة برلمانية، مع أن الظروف تكون طبيعية من حيث الإجراءات الدستورية وفتراتها الزمنية. وعلى هذا فان اختياره في ظروف الأزمة التشرينية وتحديد مهمته باجراء انتخابات مبكرة، كان يعني صناعة أزمة أكبر من السابق وذلك لسببين أساسيين:
الأول: تحفيز القوى البرلمانية على الإسراع في استحصال المزيد من المكاسب من الرئيس الجديد المكبّل بشرط الانتخابات ـ أياً كان اسمه وهويته ـ فهذه الكتل ستجد نفسها أمام فرصة ثمينة لإبتزاز رئيس الوزراء ومحاصرته بعنوان: (مهمة الحكومة الانتخابات المبكرة). وقد ظهرت ملامح ذلك واضحة عند اختيار محمد توفيق علاوي، فلقد واجه عمليات ابتزاز هائلة، بحيث اضطر الى الاعتذار عن تشكيل الحكومة.
الثاني: إن رئيس الوزراء الجديد ـ سواء أكان الكاظمي أم غيره ـ سيجد نفسه مقيداً بمهمة لا تتناسب مع التوقعات الجماهيرية والسياسية ومع الضرورات التي يجب على الحكومة القيام بها. فهو من جانب يدير دولة وعليه أن يكون بمستوى المهمة المقعدة، وهو في الوقت نفسه رئيس مؤقت المطلوب منه تحديد موعد مبكر للانتخابات. وهذا القيد وحده يجعل من أي رئيس وزراء بحاجة الى الاحتماء بالقوى السياسية لكي يستطيع ان يُنجز مهمته.
كان من تداعيات السببين السابقين، أن الكتل السياسية التي دعمت الكاظمي في تولي رئاسة الوزراء، أصبحت تجد نفسها هي صاحبة السلطة الحقيقية، ومن (حقها) أن تحصل على أكبر قدر من المكاسب والمناصب والمسؤوليات، وهذا ما زاد من ضعف الدولة وتأزم الأوضاع.
لم يُحسن مكتب السيستاني اتخاذ القرار في التعامل مع الأزمة التشرينية، فلقد دعم التظاهرات وأراد إرضاءها، ثم جاءت الترضية بصناعة أزمة متفجرة تهدد العراق وتُعرّض الساحة الشيعية للإقتتال الداخلي ولمزيد من التشتت. مع أن المكتب تلقى نصائح متكررة بأن تتولى حكومة عادل عبد المهدي إجراء الانتخابات المبكرة، لكن المكتب رفض المقترحات والنصائح بشدة.
ويبدو أن مكتب السيستاني أدرك الخطأ الإضافي الذي ارتكبه، فآثر ان يحتجب عن مواجهة الشعب، مستغلاً كارثة كورونا لصمت طويل يحميه من الكلام.

١٨ تموز ٢٠٢١

اترك تعليقاً