السيمر / فيينا / الثلاثاء 24 . 08 . 2021
سليم الحسني
يحرص المرجع الأعلى السيد السيستاني على إجراء الانتخابات المبكرة، فهو الذي دعا اليها ضمن توجيهاته بإقالة حكومة عادل عبد المهدي واختيار حكومة بديلة تتولى إجراء انتخابات خلال فترة قصيرة لإنقاذ البلاد من أزماتها بعد تظاهرات تشرين.
وقد استغل مكتب السيد السيستاني هذا التوجه، في التأثير على المسار الانتخابي ـ بشكل لا ينسجم مع المنهج الذي اعتمده المرجع الأعلى ـ فأوكل ملف الانتخابات الى اثنين من مسؤولي المكتب هما السيد محمد آل يحيى والشيخ طارق البغدادي (الخفاجي). وتدخّل المكتب في تعديل قانون الانتخابات الى الصيغة الجديدة، مع أنها تتسبب في ضياع ما يقارب من عشرين مقعداً من الشيعة لصالح السنة والكرد. كما تبنى بعد ذلك قائمة (إشراقة كانون).
المكتب هنا خرَق القاعدة المعروفة عن السيد السيستاني والمنحوتة في ذاكرة العراقيين بأن (المرجعية تقف على مساحة واحدة من جميع القوائم).
ومع أن المكتب حاول إحاطة خطوته بالسرية، إلا أن ذلك لم ينجح، فبعض الأحاديث التي أجراها الشيخ طارق البغدادي والسيد آل يحيى وغيرهما، كشفت أيضاً رغبة المكتب في تأجيل الانتخابات، بعد أن وجد أن الترويج لقائمة (إشراقة كانون) لم يحدث بالشكل المطلوب، وأن إمكانية حصولها على عدد مؤثر من المقاعد البرلمانية مسألة مشكوك فيها.
وهذا خرق صميمي لمشروع الحل الذي تبناه السيد السيستاني بتشكيل حكومة جديدة تتولى مهمة الانتخابات المبكرة.
إن تبني مكتب المرجعية لقائمة (إشراقة كانون) هو تكرار لتجربة الائتلاف الوطني في انتخابات ٢٠٠٦، مع إضافات سلبية تنال من منزلة المرجع الأعلى ومكانته الأبوية، فالكثير من بسطاء الشيعة لا يميزون بين المرجع وبين مكتبه، وعندما ينكشف الخبر وتشيع تفصيلاته، فسيظن بسطاء الشيعة بمرجعهم الظنون، ويرونه يعمل خلاف ما يقول، فهو صامت في العلن ومتكلم في السرّ. وهي خدشة موجعة للإنسان الشيعي قبل أن تكون للمرجع الأعلى، لأنها تتصل بسّر القوة عند الشيعة. وكان على المكتب أن يمسك الحكمة بقوة الزاهد، حرصاً على مكانة المرجع ومقام المرجعية. لكن المكتب لم يتخلص مما وقع فيه أبناء الكثير من المراجع عندما يتقدم بهم العمر، فيعمل الأبناء على ضمان طموحاتهم المستقبلية لما بعد رحيل الآباء.
ليس الاعتراض على تبني مكتب المرجع لقائمة انتخابية، إنما على المنهج الذي يمر في طرق معتمة وأزقة ملتوية، فهو سير باتجاه معاكس لتوجهات المرجع الأعلى للشيعة الذي أعلن عدم تبنيه لأي قائمة. ولو أن السيد السيستاني قرر دعم قائمة معينة، أو الإشراف على قائمة محددة، فان الأمر سيكون طبيعياً لأنه يجري في العلن وسيكون ذلك عاملاً في وحدة الصف الشيعي.
إننا نقف أمام تطور مزعج يُربك الساحة الشيعية، ويؤثر سلباً على ارتباطها وتمسكها وتقديسها لموقع المرجعية الدينية، خصوصاً وأن ما كتمه المكتب سابقاً بدأت تطل رؤوسه تدريجياً على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فمهما حرصوا على السرّ فانه يُذاع، ومهما كانت الهمسات خافتة فانها مسموعة، خصوصاً وأن حذر مدير المكتب ليس بنفس الدرجة عند مساعديه. كما ان تكرار الأسلوب نفسه الذي اعتمده المكتب على مدى السنوات السابقة، جعل طريقته مكشوفة يقرأها الكثيرون بسهولة من دون تهجئة الحروف.
٢٤ آب ٢٠٢١