السيمر / فيينا / السبت 11 . 12 . 2021
الشاعرة سعاد نعيم في ديوانها ( نصوص على ضفاف السين) تكتب بإسلوب الواثق الراسخ لكثرة ماتعلّمت من الحياة في المنفى الذي أصبح وطن ، وطن الصقيع والبرد والمطرفي باريس ، المطرالذي لانستطيع أن نؤرخ له آخر مطرة نظرا لإستمراره ليس كما في بلداننا . وكلنا نعرف المطر ومايجلبه من حزن عند الصينيين وهنا توقف السياب عند المطر ( أي حزن يبعث المطر) . باريس الذي عشقها نزار قباني وكتب رائعته ( وجوديّةّ) عن إحداهن ( كان إسمها جانين / فرنسية / من قصة شَعرِها الغلامية / في عينيها تبكي سماء باريس الرمادية/ تعرفها من خصلةٍ في الليل / وخصلةٍ لله مرميّة ) . وسط كل هذه الأجواء المخملية والضبابية إستطاعت سعاد نعيم أن تخلق لها متعة أخرى في الكتابة والشعر وخصصت هذا للوطن المثقل بالدمار والتخريب ، و للحب والآيروتيك الذي شغل العالم ولايزال بدءً من الفرنسي دي موسيه كاتب المجون والحب ، الى هربرت ماركوزة ، الى اليوناني اليساري يانيس ريتسوس . في غلاف الديوان الذي قرأته والذي حفزني أن اٌقرأ لها بقية الكتاب لاحقا . في هذه المقدمة تعلن سعاد من أننا لايمكن لنا أن نحب بشغفٍ فقط بل أن نحب بعقل لكي نستطيع أن ننطلق في مراكب السعادة الناجمة من قبلة ، أو ضمة ، أو عناق على الطريق أو مصطبة أو في الغرف الخافتة في ضوئها و المعدة لغرض الرومانس فالحب هو الرومانتيكية الهادرة في أرواحنا وأما الجسد فهو الشكل المرئي منه والذي يريد أن يتغذى قبل أن يعلن ثورته في الجنس والتنهيدات التي تنطلق إجبارا من كثرة النرفانا التي تصعد بنا الى فضاءات إشباع الرغبة اللامتناهية فرغبة الحب والجنس هي المتعة المختلطة من حنان وعضلات موصولة ومرخيّة . سكّيرٌ عاشقٌ ومغرمٌ أفضل بكثير من غازٍ ومحتل ، والقلوب التي لاتشهد التحطيم تحت ضربات الوجد والوله ليست قلوباً على الإطلاق . ولذلك كتبت سعاد في غلاف ديوانها ( آسفة حبيبي / لم أقل أن الحياة بلا نهاية معك ) . الحب يتجدد في كل الفصول ولايمكن له التوقف فهو كالنهر الجارف الذي لايمكن له أن يكون مستنقعا ذات يوم وخصوصا إذا ما تماهى المرء مع كل مفصل منه ، وهذا ينطبق على سعاد وما مدى إنصهارها وذوبانها في كينونة هذا الحب الذي خلقته لنا الطبيعة ومنه تكونّا على حد زعم رائد الفضاء ( كارل ساغان ) الذي يدعو الى ضم الحبيب والشعور به في كل وقت فأنا وهي من عناصر الطبيعة التي تتباهى بنا لكونها قد خلقتنا ونحن منها ، في جسم الإنسان نتروجين في حمضه النووي ، الحديد في دمه ، الكالسيوم في أسنانه ، كل هذا في الطبيعة الأم ، ولذلك يدعو ساغان أن نتناغم مع الطبيعة في حبنا لأوطاننا أو لحبيب أثارنا ذات يوم بعطره أو بجماله ولم يزل على هذا الدرب الجميل . ولذلك حين تقول سعاد (أموت حين ابتعادك ، من أي وجع أتيت ) .. هو قادم من الطبيعة وكلنا كذلك فأي خللٍ فينا وفي نسب الحب سيهلكنا حتما في المكان مثلما قالتها سعاد في ثيمتها أعلاه . ما قرأته من سعاد نعيم جعلني مغتبطا بل أطير فوق بساط الإبداع القادم من إمرأة متحضرة وجميلة روحا وشكلا وهذا يعطيها حظوظ الإنطلاق والإستمرار . وتبقى المرأة حضارة وبها تنطلق الشعوب ولهذا أراد الظلاميون مسك عصا المرأة من المنتصف كي تبقى في حدود التراجع والنكوص وعلى مرآى من مساحاتهم وعقولهم الإصولية المتردية ، لكنهم لم يستطيعوا بوجود إمرأة كما سعاد نعيم وغيرها على طريق هذا الدرب الأدبي الموجع والممتع في ذات الأوان . أنا مغتبط بك عزيزتي سعاد ، كوني عاطرة بما أنت عليه دائما وأبدا ولاتتردي في قول ماهو ينيرنا ويدفع بالمرأة أن تكون بمستويات الحضارة التي وصلت اليها الشعوب بينما نساءنا على حد قول الكاتبة العربية المستنيرة (وردة) والتي إتخذت لها إسما مستعارا لخوفها من البطش فقالت ( أتمنى لو كنت شجرة في بريطانيا على أن أكون إمرأة في بلدي ) . وأخيرا أقول عندما يحب أثنان بعضهما بعمقٍ وإنصهار ومغنطةٍ لامتناهية ، فإنّ أدنى غيابٍ للحنان في العناق والتقبيل ، لايستطيعان إخفاءه .
هاتف بشبوش/شاعر وناقد عراقي
يقولون رايح للعباس وحالف ما يكتب اسمه اول المقالة