السيمر / فيينا / الجمعة 14 . 01 . 2022
معمر حبار / الجزائر
أوّلا: أدب سيّدنا الصّدّيق رضوان الله عليه:
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو في مرضه يأمر سيّدنا الصّديق رحمة الله ورضوان الله عليه أن يصلي بالنّاس ويكون هو الإمام.
وهذه الميزة العظيمة الرّفيعة لم ينلها أحد من أسيادنا الصّحابة رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، وأصرّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أن يكون سيّدنا الصّديق إماما للمسلمين في حياته، رغم أنّ سيّدتنا أمّنا عائشة الصّدّيقة بنت الصّدّيق، وزوج سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم رفضت أن يكون الأب والصّديق إماما للمسلمين.
يشعر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتحسن في حالته الصّحية، فيخرج من حجرته ويدخل المسجد بصعوبة بالغة، ويشعر سيّدنا الصّديق وهو الإمام بدخول الإمام الأعظم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فيرجع للخلف تأدبا مع إمامه، فيردّه إمامه وصديقه: امكث مكانك. فيتأدب الصّديق مع إمامه وصديقه ويرجع للخلف، احتراما وتعظيما للإمامة العظمى وللإمام الأعظم صلى الله عليه وسلّم.
بعد الانتهاء من الصّلاة، يخاطب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صديقه والإمام الجديد سيّدنا الصّديق، بلسان الصّديق المحب: لماذا لم تلتزم مكانك حين طلبت منك أن تواصل إمامة المسلمين؟
يجيب الصّديق صديقه، بلسان الصّديق المحبٌ، وبأدب لايقلّ أدبا عن أدبه الأوّل المتمثّل في تراجعه وعدم مواصلته للإمامة في حضرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حين قال: ماكان لأبي قحافة أن يتقدّم عن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
أقول: الإمامة من العقيدة الرّاسخة، ومن حفظ الدين. وطاعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم من العقيدة الرّاسخة، وطاعته في الإمامة أشدّ وأقوى. وسيّدنا الصّديق كان في قمّة الأدب حين تراجع عن إمامة المسلمين بمجرّد ماسمع أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عاد للمسجد، رغم أنّه عاد ليصلي -هذه المرّة- مأموما وهو الإمام الأعظم، وإمام المسلمين إلى يوم الدين.
قبل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أدب سيّدنا الصّدّيق بالتراجع عن الإمامة وعدم الامتثال بمواصلة الإمامة ولم يعاتبه، ولم يتّهمه بمخالفة أوامر إمامه.
يفهم من هذا أنّ أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتولية الصّدّيق إمامة المسلمين في حياته، باقية إلى مابعد التحاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرّفيق الأعلى، رغم أنّ سيّدنا الصّدّيق تأدب حين تراجع، ولم يمتثل لأمر المكوث بمواصلة الإمامة حين طلب منه إمامه وقائده بمواصلة الإمامة في حياته.
يحقّ لي -الآن- أن أقول: أنّ سيّدنا الصّدّيق نال الإمامة العظمى، وفي حياة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبعد التحاقه بالرّفيق الأعلى بالأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
لم يعرف عن أسيادنا الصحابة رضوان الله عليهم جميعا، أنّهم عاتبوا سيّدنا الصّدّيق حين تراجع عن مواصلة الإمامة ولم يمكث كما طلب منه إمامه الأعظم، بل بالعكس رضوا به خليفة للمسلمين لأسباب عدّة، وأوّلها أنّه نال إمامة المسلمين في حياة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بأدب مع صديقه وإمامه، حين تراجع عن الإمامة تأدبا مع صاحب الإمامة صلى الله عليه وسلّم.
ثانيا: أدب سيّدنا علي بن أبي طالب رضوان الله
في صلح الحديبية، يتمّ الاتّفاق على بنود المعاهدة بين المسلمين بقيادة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وبين قريش بقيادة سهل بن عمرو.
وفي اللّمسات الأخيرة قبيل توقيع المعاهدة، يحتجّ مندوب قريش على عبارة: “من محمّد رسول الله”، قائلا: لو علمناك رسول الله ماحاربناك، وطلب أن يكتب بدلا عنها: “محمّد بن عبد الله”، باعتبارهم يعرفونه، ويعرفون نسبه.
يطلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، باعتبار الحاكم، والقائد الأعلى للقوات المسلّحة، والمفاوض من كاتبه، وأحد قادته سيّدنا علي بن أبي طالب أن يمحو الكلمة التي طلب محوها المفاوض وهي: “رسول الله”، تلبية لرغبة المفاوض القرشي.
يرفض سيّدنا علي بن أبي طالب الامتثال لحاكمه، وقائده في السّلم والحرب والمعاهدات والمفاوضات، ويتأدب بعدم محو اسم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
يتقدّم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليمحو اسمه العظيم “رسول الله”، بيديه الشريفتين.
ويمكن للقارئ أن يتأمّل قائد، وحاكم، ومفاوض يمحو لقبه ومنزلته ومكانته ورفعته بيديه. وهذه لم تحدث يوما في تاريخ البشرية، ولن تحدث أبدا. وأضيفها لمعجزات سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي لم أقرأ، ولم أسمع عنها في حياتي، ولغاية هذه الأسطر.
سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لم يعاتب سيّدنا علي بن أبي طالب لأنّه رفض الامتثال لقائده بتنفيذه ماطلبه منه، حين أمره بمحو كلمة “رسول الله”، ولم يعاقبه على عدم الامتثال، لأنّه يعلم جيّدا أنّ سيّدنا عليه تأدّب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، حين لم يتحمّل محو لقب نبيه، ورسوله، وحاكمه، وقائده، ومفاوضه “رسول الله”، وامتنع تأدبا مع من علّمه ورباه على الأدب والأخلاق.
كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعظم أدبا، وأبلغ في الأدب، وهو الذي أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، حين تكفّل بنفسه الشريفة بمحو لقبه الشريف “محمّد رسول الله”، واستبداله بـ: “محمّد بن عبد الله“.
نحن أمام حالة نادرة من الأدب، لم تحدث، ولن تحدث: سيّدنا علي بن أبي طالب وفي وضع عصيب حرج يتأدب ويرفض أن يمسّ لقب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمحو. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمحو لقبه الشريف بيديه الشريفتين، ويعفو عن سيّدنا علي بن أبي طالب الذي تأدب ورفض محو لقب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
الشلف / الجزائر