السيمر / فيينا / الخميس 19 . 05 . 2022
د.ماجد احمد الزاملي
أية منظمة تكون دولية ، بصفتها شخصاً اعتبارياً خاضعاً للقانون الدولي، ملزمة بالقانون الدولي الذي يحكم أنشطتها وترتكز عليه وثيقتها التأسيسية وأساس وجودها و سلطاتها. إلاّ أن هناك سلسلة كاملة من المعايير العامة في القانون الدولي تطبَّق، في الاعتبار الشخصي ،على الدول وحدها. وأبسط الأمثلة على هذه القواعد هي مبدأ السيادة ومبدأ سلامة الأراضي. وهما مبدءان غير ملزمين لمجلس الأمن لأن الأمم المتحدة تفتقد للأسس الموضوعية لتطبيق هاتين القاعدتين. فمجلس الأمن لا يملك الأراضي ولا السلطة السيادية. وفي المقابل، تُشكِّل سلطات المجلس، بحكم طبيعتها، تقييداً مهماً للقواعد العادية في القانون الدولي العام. إذْ يتمتع المجلس، من هذا المنطلق، بسلطات أقوى من سلطات الدول بموجب السيادة. فهو يملك سلطة التقرير في سلسلة واسعة من الإجراءات ومنها الإجراءات العسكرية وسبل تنفيذها. وله أيضا سلطة منح هذه القرارات قوة إلزامية. وتفترض الإجراءات المتخذة بموجب الفصل السابع في جوهرها الخروج عن كل قواعد القانون العرفي الأكثر أساسية بين الدول ألا وهي مبادئ عدم استخدام القوة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المعترف بها في الفقرة 7 من المادة 2 في الميثاق. ومن خلال الفصل السابع المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة يملك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القدرة على الحكم على قانونية الحرب، ولكن لم تطلب أي دولة عضو في الأمم المتحدة القيام بذلك. لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، لذا فإن إجراء مجلس الأمن أمر غير محتمل إلى حد كبير حتى لو تم طرح المسألة. وعلى الرغم من ذلك، قد تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) من محكمة من محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة ( الفصل الرابع عشر(المادة 92) – إعطاء إما (رأي استشاري) أو (حكم) على شرعية الحرب. في الواقع، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إعطاء (رأي استشاري) بشأن (النتائج القانونية الناشئة عن تشييد الجدار الذي تبنيه إسرائيل), بموجب قرارها A/RES/ES-10/14 في 12 ديسمبر 2003 ؛ على الرغم من معارضة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وحققت ذلك من خلال عقد (الدورة الاستثنائية الطارئة) العاشرة، في إطار قرار “الاتحاد من أجل السلام”رقم377. ميثاق الأمم المتحدة هو أساس القانون الدولي الحديث. وهو معاهدة صادقت عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها الرئيسيون في الائتلاف في غزو العراق عام 2003 ، وهي بالتالي ملزمة قانونًا بشروطها.حيث تحظر المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة بشكل عام استخدام القوة من قبل الدول إلاّ في حالة استيفاء الشروط المحددة بعناية، حيث تنص على:
(يمتنع جميع الأعضاء في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأية دولة، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة).
وقد نتج عن احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 تحوِّل كبير في التوجة الامني الامريكي ويتضح من خلال الاستراتيجية الامنية الامريكية والتي قامت بموجبها بشن حرب عالمية طويلة الامد ضد عدو مجهول وغامض مثمثل في شبح الارهاب الدولي ذلك العدو الذي اخترق الاراضي الامريكية واسقط النظرية الامنية التقليدية للولايات المتحدة ودفعها الي شن حربها علي الارهاب وغيره من الاعتقاد الاستراتيجي الامني وجعل العالم بالنسبة للويات المتحدة بمثابة المجال الحيوي لامنها القومي حتي امتد ذلك المجال الي دول المنطقة العربية احتلال العراق غزو وسيطرة عسكرية شاملة نفذتهما أميركا وبريطانيا في العراق ما بين 20 مارس/آذار 2003 و18 ديسمبر/كانون الأول 2011 بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، مما أدى لإسقاط نظام صدام ، وخسائر بشرية قُدرت بمليون شهيد ومصاب وملايين المشردين، وخسائر مادية للطرفين تقدر بتريليونات الدولارات، وانزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007. وبدأت عملية غزو العراق في 20 مارس 2003، من قبل قوات الائتلاف بقياده الولايات المتحدة الأمريكية وأطلقت عليه تسمية ائتلاف الراغبين وكان هذا الائتلاف يختلف اختلافاً كبيرا عن الائتلاف الذي خاض حرب الخليج الثانية لأنه كان ائتلافاً صعب التشكيل واعتمد على وجود جبهات داخلية في العراق متمثلة في الشيعة في جنوب العراق بزعامة رجال الدين والأكراد في الشمال. وشكلت القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية نسبة %98 من هذا الائتلاف. وفـي أعقـاب احتلال بغداد نهبت المتاحف التاريخية الأثرية وسرقت الوثائق والمخطوطات داخـل متـاحف بغـداد وتعرض ايضا المتحف القومي العراقي في بغداد ضحية هجوم مخطط بعناية فاللصوص الذين أخذوا معظم الآثار القيِّمة وقد نهب المتحف وسرق ١٧٠ ألف قطعة من معروضات الآثار التي تعود إلى آلاف السـنوات يعود تاريخها إلى ٣٥٠٠ عام ق. م وتقدر قيمـة هـذه الآثـار ببلايـين الدولارات كذلك سرقت قطع ذهبية ولوحات ومخطوطات نادرة كما نهبت جامعة الموصل ومتحـف الموصل وجامعة البصرة وغير ذلك من المراكز الثقافية والعلمية العراقية ولم تقتصر النتائج الثقافية للغزو الأمريكي على العراق على الكنوز التاريخية فحسب بل امتـد إلى طبقة المثقفين حيث ان عدد كبير منهم تم استجوابهم بشأن مشاركتهم في صناعة التسليح العراقية لمعرفة خبايا برامج أسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. وقدمت الأدارة الأمريكة قبل واثناء وبعد سقوط بغداد في 9 ابريل 2003 مجموعة من التبريرات لأقناع الشارع الأمريكي و الراي العام العالمي بشرعية الحرب ومن هذه المبررات:
– إن حكومة صدام حسين لم تلتزم في تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالسماح للجان تفتيش الأسلحة بمزاولة اعمالها في العراق. ومع العلم ان الولايات المتحدة الأمريكية وضعت مهلة نهائية لبدأ العمليات العسكرية بينما كانت فرق التفتيش تقوم باعمالها في العراق.
-عدم تَوقف صدام حسين بتصنيع و امتلاك “اسلحة دمار شاملة” وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق 19 قرارا للامم المتحدة بشان اعطاء بيانات كاملة عن ترسانتها من “اسلحة الدمار الشامل”. ولم يتم لحد هذا اليوم العثور على “اسلحة دمار شامل” في العراق.
-وجود علاقة لصدام مع تنظيم القاعدة و منظمات “ارهابية” اخرى تشكل خطراً على امن و استقرار العالم.
-نشر الأفكار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.
وبذلك لم يكن التغير الرسمي للوضع ليؤدي إلى إنهاء الاحتلال ومن ثم إنهاء منح السكان العراقيين مختلف أشكال الحماية من آثار هذا الاحتلال. ونرى من جهتنا أن الحكومة في العراق لم تتوصل منذ حزيران/يونيو 2004 إلى تلك السلطة الفعلية المستقلة التي تقودنا إلى الاستنتاج بأن قانون الاحتلال لم يعد ينطبق. ومهما كان التفسير المستخلص، يجب دون شك الاعتراف بأن القرار 1546 لا يفتح المجال لتحلل صريح من المادة 42 من لائحة لاهاي أو من القانون العرفي اللذين يرتكزان على معيار السلطة . ويبدو أن الفقرة 2 من القرار لها طابع تفسيري. والمؤكد أنها لا تستثني صراحة مبدأ السلطة الفعلية الموافق عليه. وعلى العكس، يبدو أنها تفترضه ضمناً من خلال الإفصاح عنه. وتنص الديباجة في الفقرة 17 على أن القوات المعنية ملزمة بالعمل وفقاً للقانون الدولي الإنساني. وهذه الفقرة هي بمثابة إيضاح أيضا. وتشير إلى أن الدول المعنية أكدت امتثالها لما هي في كل الأحوال التزاماتها القانونية. وبناءً على ذلك، تشير الفقرة إلى واجب قانوني “قوي” ينص عليه القانون الدولي الإنساني الذي يشمل قانون الاحتلال. إذاً، كيف يمكن تصور عدم مراعاة هذا القرار الملزم بانطباق القانون الدولي الإنساني (ومن ثم قانون الاحتلال أيضا ومبدأ السلطة الفعلية الذي ينص عليه) بموجب الفقرة 2 التي تكتفي بملاحظة أن العراق سيستعيد سيادته كاملة في 30 حزيران/يونيو وينتهي بالتالي الاحتلال؟ فهذه الفقرة هي مجرد تنبؤ بحدث مقبل. أما إذا أثبتت الوقائع خطأ هذا التنبؤ سيبقى مفعول القانون الدولي الإنساني وقانون الاحتلال ساريا ما دامت شروط تطبيقهما العتيادية مستوفاة. نظرا للوضع الذي تتمتع به الولايات المتحدة في المنطقة من نفوذ خصوصا في حالة التدخل الامريكي في العراق 2003 حيث كان النظام العالمي يتسم في تلك المرحلة بالاحادية القطبية وكان لهذا تاثير كبير في قرار التدخل في العراق وقامت الادارة الامريكية باتخاذ القرار رغم المواقف الدولية والاقليمية المعارضة لهذا القرار وفي حالة احتجاجات التي حصلت في ربيع عام 2011 بتونس ومصر وليبيا فالولايات المتحدة تصور نفسها دوما علي أنها دولة تدعم حركات التحرر الديمقراطي وهذا يبين التناقض الامريكي. وبعد ثلاثة اسابيع من بداية الحملة بدات القوات الأمريكة تحركها نحو بغداد. كان التوقع الأولي ان تقوم القوات المدرعة الأمريكية بحصار بغداد وتقوم بحرب شوارع في بغداد باسناد من القوة الجوية الأمريكية. في 5 ابريل 2003 قامت مجموعة من المدرعات الأمريكية وعددها 29 دبابة و 14 مدرعة نوع برادلي بشن هجوم على مطار بغداد الدولي وقوبلت هذه القوة بمقاومة شديدة من قبل وحدات الجيش العراقي التي كانت تدافع عن المطار.
علي المستوي الاقليمي كشفت الحرب مدي ضعف النظام الاقليمي ووصول النظام العربي الي مستوي التردي الممثل في جامعة الدول العربية وفشل هذا النظام في حماية الحقوق العربية وكانت اسرائيل من اكثر الرابحين علي المستوي الاقليمي حيث تم تدمير دولة عربية تشكل تهديدا لها وهذا سوف يوجة رسالة لباقي دول النظام انها سوف تلقي نفس المصير اذا سعت لامتلاك أسلحة دمار شامل ، أما ايران فتنامي نفوذها الاقليمي علي عكس ما كانت تُريده اسرائيل والولايات ، وعلي المستوي الدولي كشفت الحرب عن عجز مجلس الامن والامم المتحدة في دورهما في حفظ الامن والسلم الدوليين وتخطت الولايات مجلس الامن عندما لم تستطع تخطي غالبية اعضاءه(1). إنّ الاستراتيجة الامريكية في المنطقة العربية تقوم بالاساس علي تحقيق مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها دون النظر ان كانت تلك السياسات سوف تضر دول المنطقة او لا ، فكان التدخل الامريكي في العراق 2003 من أبرز الاحداث في المنطقة العربية وأوضح مدي رغبة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في المنطقة حتي لو يقتضي الامر باستخدام الاداة العسكرية وهو بالفعل ما فعلته الولايات المتحدة في التدخل في العراق فرغم المواقف الدولية المعارضة للعدوان الامريكي علي العراق الاّ ان الولايات المتحدة تبنت مجموعة من الدوافع للتدخل في العراق منها رغبتها في التخلص من نظام صدام حسين الديكتاتوري والقضاء علي أسلحة الدمار الشامل ومحاربة الارهاب ونشر الديمقراطية في العراق الا انها في حقيقية الامر لم تكن الاسباب المباشرة للقيام بالغزو وكان هناك دوافع مباشرة منها الدوافع الاقتصادية والاستفادة من بترول العراق و موارده وضمان أمن اسرائيل وتفوقها وكذلك من أجل اقامة مشروع القرن الامريكي وكذلك القضاء علي الدول الصاعدة في المنطقة وتحقيق الهيمنة الامريكية علي المنطقة ، أما بالنسبة للقرارات التي اتخذتها في العراق مثل حل الجيش العراقي والشرطة فقد كان لها نتائج كارثية علي الدولة العراقية ويمكن القول ان من نتائج الحرب الامريكية علي العراق ظهور تنظيم “الدولة الاسلامية” في العراق وسوريا لاحقا حيث ان التنظيم هو امتداد لتنظيم القاعدة الذي هو نفسة نتج عن الحرب الامريكية علي العراق ، والحرب الامريكية كانت مدمرة للمجتمع العراقي فهي قد وضعت البذور الاولي للطائفية في العراق وساهمت الاستراتيجية الامريكية المتبعة في العراق في افشال الدولة العراقية وتحولها لدولة هشة اقتصادياً سياساً اجتماعياً وامنياً.
—————————————————
1-راجي يوسف محمود ، أثر الاحتلال الامريكي للعراق في اشكاليات العنصر البشري المشترك بين العراق وتركيا (العراق –التركمان) ، رسالة دكتوراة ، جامعة القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، 2010.