السيمر / فيينا / السبت 16 . 07 . 2022
محمد علي محيي الدين
معلومات قدمتها لاحد طلبة الماجستير للاستفادة منها في كتابة رسالته اعتبرها مقابلة معي تناولت بايجاز العمل النقابي في العراق.
بدأ العمل النقابي والعمالي منه بالذات في عشرينيات القرن الماضي، وصدرت اجازة اول جمعية للعمال في تموز عام 1929، ( جمعية أصحاب الصنائع ) برئاسة الراحل محمد صالح القزاز ، في الوقت الذي رفضت السلطات طلب تكوين نادي للعمال عام 1924. وكان اغلب المنتسبين من عمال السكك الحديدية ، وفي 22 / 2 / 1933 تحقق انتصار عام للعمال بتعديل اسم الجمعية إلى اتحاد عمال العراق .
وتطور العمل النقابي وأصبح له تأثيره في الساحة السياسية وقام العمال بإضرابات ومظاهرات مطالبين بحقوقهم في تشكيل نقاباهم المستقلة وزيادة الاجور وتحسين واقع العمل وتحديد ساعاته وبالضمان الاجتماعي بالزام أصحاب المعامل بتسجيلهم ودفع الرسوم المطلوبة لضمان حصولهم على الرواتب التقاعدية.
واسهمت الطبقة العاملة في الانتفاضات الشعبية وكان لها دورها المشرف في وثبة كانون الثاني 1948 وانتفاضتي تشرين 1952 و 1957 وثورة 14 تموز 1958 الوطنية الديموقراطية، وضد ردة شباط 1963 وفي كل المناسبات الوطنية.
وبعد ثورة 14 تموز 1958 شكلت هيئات تأسيسية لمختلف القطاعات العمالية ، تجاوبت معها الحكومة، فأجازت جميع تلك الهيئات المؤسسة بدون استثناء ، وتنسيقاً لأعمال هذه النقابات انبثق الاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية.
وفي 11 / 7 / 1959 عقد أول مؤتمر تأسيسي للاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية برئاسة الراحل صادق جعفر الفلاحي، أفتحه الزعيم عبد الكريم قاسم، وانعقد المؤتمر الاول للاتحاد العام لنقابات العمال في الجمهورية العراقية للفترة 9 ـــ 11 / شباط / 1960 برئاسة الراحل علي شكر .
وكان للاتحاد فروعه في كافة المحافظات العراقية وممثليه في المدن الكبيرة ولهم أثيرهم الكبير على توجهات العمال وحققت لهم كثير من المطالب منها إقرار قانون الضمان الاجتماعي للعمال، وتحديد ساعات العمل، وتحسي ظروفها، وكان للاتحاد تأثيره الجماهيري وشكل قوة ضاربة تلك الايام.
وبعد ارتداد عبد الكريم قاسم قام باعتقال القيادات العمالية المنتخبة وعلى راسها السيد علي شكر رئيس الاتحاد العام واختيار رئيس غيره وبذلك تحولت النقابة الى اداة بيد السلطة وهو ما ظل ساريا في الحكومات اللاحقة.
بعد تشكيل الاتحاد الجديد من قبل حكومة قاسم قامت السلطة بمنع القيادات العمالية المعروفة من الترشيح واعتقالها والتضييق عليها ومع العمال الذين يمثلون الاتجاه اليساري والديمقراطي من خوض الانتخابات فتشكل الاتحاد الجديد من القوى القومية والقوى الرجعية وتخلت عن دورها في الدفاع عن العمال واصبح مسايرة للسلطة ورغم أن القوى الوطنية استطاعت زج بعض الشخصيات الوطنية الا أن ذلك لم يغير من توجهات الاتحاد الحكومية.
وبعد انقلاب 8 شباط 1963 استطاع البعثيون الهيمنة على الاتحاد الجديد من خلال استمالة بعض القوى القومية التي ارادت الحفاظ على مناصبها وزجت معهم بعض القيادات البعثية وبذلك أصبح الاتحاد واجهة للسلطة ولا علاقة له بشؤون العمال وحل مشاكلهم.
وفي العهد العارفي جرى تشكيل اتحاد جديد وأجريت انتخابات بإشراف السلطة الجديدة ورغم المضايقات ومحاولات الهيمنة على الاتحاد إلا أن القوى الوطنية تمكنت من زج عناصر وطنية لها توجهاتها القومية ولم تمكن السلطة من الاستحواذ كليا على مقدرات الاتحاد فكان رئيسه الاستاذ هاشم علي محسن من العناصر القومية ذات التوجه التقدمي اليساري وإلى جانبه قوى تحمل مسحة يسارية، وشخصيات مرتبطة بالسلطة وكان الاتحاد بشكل عام يحمل في طياته بعض التوجهات التي تعمل لصالح العمال، وبعد تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي الذي يعتبر حزب السلطة على طريقة عبد الناصر في تجربته في مصر جرى ابعاد كثير من العناصر الوطنية، ولكن ظل للعمال تأثيرهم في العمل الجماهيري.
ومن ابرز القيادات النقابية العاملة في تلك الفترة صادق جعفر الفلاحي / علي شكر / طالب عبد الجبار / كاظم الدجيلي / ارا خاجادور / حكمت كوتاني / فخري بطرس / عبد القادر عياش / هادي علوان / محمد غضبان / علي الغزالي / صادق قدير الخباز / كليبان صالح / حسين علوان / ابراهيم عبد الجبار / محسن ملا علي / حنا شابا / لطيف كشكول / هاشم علي محسن والعشرات غيرهم
ومن أبرز شهداء الحركة العمالية كان أول شهيد عامل هو حسن الأخرس النجار مايس عام 1920 / الشهيد حسن عياش العامل الذي اغتالته اجهزة نوري السعيد مساء 13 كانون الأول عام 1932 ، دنخا يلدا عام 1951 في سجن نقرة السلمان / طلعت لازار انتفاضة تشرين 1952 / حاج بشير الحجازي حزيران 1953 مذبحة سجن بغداد / احمد علوان وعبد الجبار الزهيري وهادي الخياط ومحسن هداد في ايلول 1953 سجن الكوت / محمد سلمان اثناء انتفاضة تشرين 1956 / طالب عبد الجبار وعلي الوتار وصبحي سباهي وعبد الرضا هويش شباط 1963 / جبار لفته كانون الثاني 1968 شركة الزيوت / هندال جابر 1983 البصرة.
وبعد استيلاء البعث على السلطة كانت تجري انتخابات شكلية يجري من خلالها اختيار رئيس واعضاء النقابات من المقربين للسلطة او الموالين لها وتختار هذه القيادات قيادة الاتحاد ومن الغرائب ان كثير من القيادات العمالية ليس لها علاقة بالعمل والعمال وانما يتم اختيارها لمواقعها الحزبية ومدى قربها او بعدها من السلطة الحاكمة .
لقد شكلت نقابات في مختلف المحافظات والمدن العراقية وفتحت مقرات لها وكانت هذه المقرات تحت اشراف السلطة وهيمنتها ولا تخرج عن ارادتها بحكم تكوينها الحزبي وكونها تمثل الحزب الحاكم.
وعقب العامل النقابي جواد كاظم النداوي في لقاء معه عن حالة الاتحاد بعد سقوط النظام السابق:
وبعد عام 2003 ونتيجة للظروف التي احاطت بالاتحاد خلال فترة البعث نتيجة القرارات والقوانين الصادرة زمن النظام الدكتاتوري السابق والاحتلال الاجنبي لبلادنا وما اسفر عنه من تدمير البنية التحتية الصناعية والاقتصادية وتعرضها للخراب واعمال النهب والسلب ، وتفشي البطالة بين القوى العاملة ، وتوقف الدورة الانتاجية ، ومحاولة عرقلة اعادة بناء القطاع العام الصناعي والاقتصادي وعرضه للخصخصة بمبررات غير واقعية وتعرض الحركة النقابية العمالية الى الضغوطات والتدخل في شؤونها الداخلية وتأجيل الانتخابات العمالية من قبل اللجنة الوزارية العليا لتنفيذ قرار مجلس الحكم رقم 3 لسنة 2004 قبل 72 ساعة من موعد إجراءها الى إشعار آخر دون مبرر قانوني .
لقد أرست الحركة النقابية بناء تنظيمها النقابي عبر تأسيس الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق في 16 / 5 / 2003 وعملت بروح الديمقراطية النقابية في تأسيس الهيكلية التنظيمية للاتحاد العام ابتداء من اللجان النقابية وحتى الهيئات القيادية . وقدمت التضحيات والشهداء من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية وبناء التنظيم النقابي الذي يضم عاملات وعمال كل القطاعات العام والخاص والمختلط والتعاوني ،وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والقومية والدينية أو الجنس .
وقامت الحكومة العراقية في زمن الجعفري بتجميد أموال الاتحاد والعمل على تحديد عمله، وفي حكومة المالكي هيمنت القوى الدينية على مقاليد الاتحاد بفضل وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي اطلق العنان لجهة معينة هيمنت على مقرات وأموال الاتحاد وكلف اشخاص بقيادة الاتحاد لا علاقة لهم بالعمل النقابي، ولكن العمال واجهوا هذه الهجمة بتشكيل اتحاد نقابات عمال العراق الذي اكتسب الشرعية من خلال انتخاباته التي جرت بإشراف القضاء العراقي، واعتراف اتحاد نقابات العمال العرب واتحاد نقابات العمال الدولي به وتمثيله لديهم ولكن الحكومة لم تقر هذه الشرعية وجعلت من الاتحاد العام لنقابات العمال في العراق الذي يمثل قواها السياسية الممثل الشرعي في العراق واعطته الحرية في تمثيل العمال لدى دوائر الدولة رغم أنه جاء باختيار جهات معينة ولم يجر أي انتخابات خلال اثنا عشر عاما، ورغم أنه يخالف القوانين المرعية وأصول تشكيل الاتحادات العمالية.