السيمر / فيينا / الخميس 21 . 07 . 2022
حازم الشهابي
يبدو ان العملية السياسية في العراق رغم ما مرت به من تجارب ومخاضات عسيرة, مازالت في خطواتها الاولى من دوزنة منهجها السياسي والياتها في بناء القرار الذي من شأنه ان يفضي الى نتائج تتسق ومتطلبات المرحلة, وما ينسجم والمتغيرات السياسية الداخلية والخارجية منها..
لو تتبعنا مسار ومخرجات العملية السياسية منذ تشكيل الحكومة الاولى بعد عام 2003 وحتى اللحظة, سنجد ودون ان نبذل اي جهد اوعناء, ودون الحاجة الى منهج بحثي عميق, ان الخط البياني لمنجزات هذه المخرجات بدأ بالانحدار نحو مستويات متدنية للغاية, تنبئ بخطر واخطاء كارثية قد تؤدي الى انهيار المنظومة السياسية بأكملها, في حال ان لم يكن هناك معالجات واقعية مجردة من نزعة المصالح الحزبية والشخصية الضيقة, وما يتبعها من سلوكيات وممارسات ابعد ما تكون عن حقيقة العمل السياسي والمصلحة العامة للبلد. جميعنا يتذكر جيدا حجم الصراعات السياسية والمناكفات التي طالما كانت تحتدم حد كسر العظم ما بين المتنافسين السياسين في كل دورة انتخابية جديدة, حيث يشتد الصراع بين المتنافسين الى درجة التسقيط والفبركة الممنهجة وتحشيد الجيوش الالكترونية وشن هجمات اعلامية خارجة عن اللياقات العامة وادبيات المنافسة الشريفة, وخير دليل على ذلك ما شهدناه مؤخرا من ظهور شخصيات اعلامية مستقلة بظاهرها مبطنة بحزبيتها, كثيرا ما تهرول خلف الكامرات والبرامج السياسية المثيرة للجدل والتي تعتاش على خلق “الاكشن” والاثارة لدى الجمهور بعيدا عن الموضوعية والمعلومة الحقيقية والرأي الواقعي المنسجم وتحقيق الوحدة واحتواء الازمات وتجاوز الهفوات, وهذا يعد واحدة من الاساليب الرخيصة لكسرالخصوم من جهة واللعب على عقلية المتابع والجمهور من جهة اخرى. في حين هناك ايضا في الجانب الثاني من الصراع وبالتزامن مع التحشيد الاعلامي المفبرك وادواته وشخصياته المبتذلة؛ صراع اخر من نوع ثاني مختلف بالتمام, يعتمد الية محاصرة المنافسين بزاوية ضيقة وقتلهم سياسيا من خلال اللعبة القانونية والدستورية التي اصبح الدستور فيها اداة مطاطية يمكن استخدامها وفق الحاجة وما تقتضيه المصلحة, ومنها على سبيل المثال المادة الدستورية التي تعنى بتحديد وتشكيل الكتلة النيابية الاكثر عددا, التي اصبحت واحدة اهم مشاهد المسرح السياسي في كل دورة برلمانية جديدة. نهيك عن سياسة لي الاذرع وتصاعد وتيرة النزاع على حد التلويح بالاقتتال بين المتنافسين!
بينما هناك شعب يئن من الجوع والازمات الاقتصادية وتردي الخدمات وارتفاع مستوى الفقر وخصوصا في المدن المنتجة للنفط وصاحبة الثروات الطبيعية المختلفة الاخرى, يرافقه انهيار كامل لثقة الجمهور بالعملية السياسية وشخوصها المتصدية بشكل واضح, ما خلا الجماهير المتحزبة والتي لا تمثل اكثر من 18% من عموم الشعب العراقي وفق النسبة المتدنية للمشاركة بالانتخابات لاخيرة, وقد تكون اقل من هذه النسبة في حال استثنينا جمهور المرشحين المستقلين, في حين كانت نسبة المشاركة في العملية الانتخابية الاولى التي جرت في البلد بلغت وحسب التصريحات الرسمية لمفوضية الانتخابات 69.97% وفي انتخابات 2010 بلغت نسبة المشاركة بحدود 62% !! مما يشر الى ان واقع العملية السياسية في العراق بدأ يعيش ايامه الاخيرة, بعد ان فقد ثقة الشارع الذي يستمد منه شرعيته. وهنا لابد من اعادة النظر والاخذ بعين الاعتبار كل هذه المتغيرات و وضع الاصبع على الثغرات وايجاد الحلول التي من شانها ترميم المشهد السياسي من جديد, والبحث عن اليات عمل واقعية تتلائم وطبيعة المتغيرات, فليس بالضرورة يكون نجاح نظام سياسي معين في بلدان متقدمة يعني حتمية نجاحه في بلد مثل العراق, بطبيعته السياسية وتراكيبه المعقدة وايديولوجياته المختلفة, فينبغي توخي الحذر من اعادة تجربة سياسية سبق لها الفشل مرات متكررة. فمن الغباء انتظار نتائج ايجابية مختلفة بنفس الاليات والمقدمات التي ادت الى الفشل في مرات عديدة سابقة..