الرئيسية / مقالات / التنازل والتعفف في مواقع المسؤولية

التنازل والتعفف في مواقع المسؤولية

السيمر / فيينا / الأثنين 25 . 07 . 2022

سليم الحسني

ظاهرتان متضادتان تسيطران على السياسيين في مجال المسؤولية الحكومية. الأولى وهي الشائعة، الانهيار الكبير أمام المنصب وعناوين الموقع، بحيث يقدّم الساعي لها كل التنازلات من كرامته وشخصيته ومن المصلحة العامة ومصالح الناس، وتكون النتيجة أنه يريد الوصول للمنصب وقد تعرى من القيم والمبادئ والمثل الانسانية والدينية.

وعندما نتحدث عن مرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي، فان العراق أُبتلي بحشود كبيرة من المصابين بهذه الظاهرة، فالمنصب صار هدفهم ومن أجله تُداس القيم والمبادئ والكرامة. وكان من آثار ذلك هذا التدهور المتعاظم في البلد، وهذه المآسي والمشاكل الاجتماعية والخدمية والتربوية التي تكاد تحوّل العراق الى حطام منخور، والى شعب عاجز عن النهوض تماماً.

الظاهرة الثانية المضادة للأولى، وجود شخصيات تتمتع بالاتزان والحكمة والكفاءة والنزاهة، لكنها تنأى عن أجواء التنافس على الموقع، وحتى لو كان بينها وبين المنصب مسافة خطوة واحدة، فانها تتوقف طويلاً وتتأمل عميقاً، حذر ان تكون قد فرطت بقيمها ومبادئها.

في العراق رغم هذا الانحدار المجتمعي والقيمي، فهناك اشخاص من هذا الطراز الخاص، يشهد السياسيون وغيرهم بأنهم على قدر من الرصانة والشخصية والنزاهة والخُلق والالتزام المبدأي، وهم يصلحون لأهم المناصب، لكنهم يصرّون على الابتعاد عن أجواء المنافسة، بل والابتعاد حتى عن الاشارات الطبيعية المتعارف عليها، لأن كرامتهم تضغط عليهم، ولأن شعورهم الرفيع بأهمية المبادئ والتمسك بها يجعلهم أكبر من خوض الحديث والنقاشات وتبادل الاشارات في شؤون المنصب.

الخطأ واضح في أصحاب الفئة الأولى، فهم نموذج السوء في كل مكان وزمان.

والخطأ موجود عند أصحاب الفئة الثانية، ففي ظروف خاصة ومنعطفات حساسة يتطلب الأمر منهم أن ينظروا الى المصلحة العامة، بعد أن تنحصر فيهم سُبل الحل وآفاق الخير، ففي هذه الحالة تتعاظم كرامتهم حين يدخلوا مجال الحوار من أجل الشعب، وتزداد رفعتهم بأعين الناس حين يقبلون بتولي المسؤولية.

ولنا في الإمام عليّ عليه السلام المثل الأعلى، فلقد أنصرف عن الخلافة حين زوّيت عنه، وبقي بعيداً عنها ينظر اليها والى الدنيا بأهون من عفطة عنز. لكنه عليه السلام حين دُعي الى مجلس الشورى الذي شكّله عمر بن الخطاب، حضر معهم وشارك في حواراتهم، مع وجود الفرق الشاسع بينه وبينهم. وأعلن شروطه في قبول الخلافة، وبقيت تلك الشروط شاخصة كأعظم قيم الثبات على المبادئ والمثل الانسانية والدينية.

العراق في هذه الأيام يحتاج الى الشرفاء المخلصين، وهم قلة في دوائر السياسة والمسؤولية. نأمل أن ينظروا الى طفل رثّ الثياب دامع العينين على الرصيف ينتظر كسرة خبز، ولا سبيل الى ذلك إلا بحاكم عادل نزيه كفوء. فالشيعة تشرذمت جموعهم، وأوشك الإقتتال أن يندلع بينهم، وعاث المشاريع المضادة بواقعهم الفكري والتربوي والاجتماعي. والعراق صار نهباً لفئات الفساد من كل الطوائف. والتحديات تزحف بسرعة على شيعة العراق وعلى شعب العراق وعلى سيادة العراق، وإذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فسنترك أجيالنا لأسوأ وضع اجتماعي وتربوي وسياسي واقتصادي.
يحتاج العراق الى شخصية كفوءة نزيهة تملك رأيها وقرارها. ومن يتصفح وجوه الأمهات يجد حيرة المستقبل تصبغ ملامحهن، ومن ينظر الى وجوه الرجال يحترق بنار الحزن المخزونة في صدورهم.
رفقاً بهذا الشعب المسكين.

٢٥ تموز ٢٠٢٢

 

اترك تعليقاً