السيمر / فيينا / الاثنين 08 . 08 . 2022
سليم الحسني
مرحلة الكاظمي دخلت صفحات الفشل العراقي الطويل. صارت سرداً بائساً عن فترة قصيرة زمنياً، لكنها عميقة الخراب والبقاء.
لم يُحسن الكاظمي التصرف في صلاحيات رئيس الوزراء، فلقد هبط بها الى الدرجات الواطئة، وسلّط على نفسه حكم المتحكمين من قادة الكتل الشيعية والسنية والكردية. ثم سار نحو الأسفل ليسلّط على العراق أكثر من السابق دول العداء العراقي.
يا رئيس الوزراء، لم تحسن التصرف ولا الاختيار ولا القرار. لقد أضعتَ ما يجب الاحتفاظ به، وفرّطت بما يستوجب الفداء، وكأنك لم تكن أمام شعب العراق، أنما أمام بيت مهجور قد دُفن فيه كنز ثمين.
لقد عرضتَ عليّ في أول أيامك أن أكون في فريقك وتعهدتَ لي بكل المستلزمات والاحتياجات، لكني رفضتُ ذلك المرة بعد المرة، لأن دوري ككاتب أهم ـ بالنسبة لي ـ من منصب أو وظيفة مهما كان موقعها وعنوانها. دوري تقديم النصح والملاحظة والنقد من خلال الكتابة، وإذا ما صرتُ ضمن فريقك فأني أترك الساحة المفتوحة بين الناس، وأحجّم نفسي في مكتب مغلق. فحين يكون الكاتب في قصر الحاكم يموت قلمه، ولا أريد أن أكرر خطأ سابقاً وقعتُ فيه لفترة وجيزة.
كنتُ أتوقع منك أن تستعين برجال عمل وخبرة وكفاءة تستشيرهم وتأنس برؤاهم وتنتفع من تصوراتهم في إدارة شؤون الدولة والسياسة، تماماً مثلما يفعل الرؤساء الأقوياء الذين يستعينون بالأقوى والأصلب من المستشارين.
كنتُ أمنّي نفسي بأنك ستبحث عن أفضل الأشخاص في القيام بمهمتك رئيساً للوزراء. لكنك فتشّتَ بعين دجاجة عن الأسوأ فاحتضنته، وتفرسّتَ بعين صحراوي عن الأجشع فضممته. ولم تكتفِ بذلك، بل رحتَ تدعم أشخاصاً يملأهم الكره على كل ما هو إسلامي وشيعي أصيل، فجعلتهم صنّاع رأيك والمتحكمين بقرارك.
ستقول: هذا افتراء قاسٍ، وظلم كبير.
أعرف أنك ستقول ذلك، وستكرر قولك لي في بداية حكمك، حين أرسلت لك رسالة تحذير مما تسير فيه، فكان جوابك: (أنت تظلمني وتقسو عليّ كثيراً).
لستُ ظالماً يا صديق الأمس. ولستُ قاسياً.
ما كرهتُ شيئاً مثل الظلم، وما آلمني أمر كالقسوة. لكن القلم الذي أمسكه ثقيل بمسؤوليته، ومَنْ يكتب ليس كمن يقرأ في معرفة الحقائق والنظرة الى الواقع. تعلمتُ ذلك منذ زمن بعيد، ودرجت عليه. وأسأل الله أن يمنحني قوة الثبات في ما تبقى من أيام العمر القليلة.
لقد أخطأتَ كثيراً يا صديق الأمس. أوقعتَ نفسك في منحدرات خطرة يتعذر النهوض منها، وأدخلت الشعب والبلد في عتمة حالكة يصعب إشعال ضوء فيها. بل أنك جعلتَ نفسك جسراً مبسوطاً لفتنة قتّالة، وقانا الله شرّها حتى الآن، ولا ندري إن كانت ستنطفئ أم تشتعل مرة أخرى.
أعدْ النظر في من حولك، وحاكمهم، لا بعقلك، بل بعقل من تختار من المخلصين، ستجد نفسك قد أوقعتَ البلد في محنة، وغطيته بكارثة، ودفعته نحو هاوية خطرة. فحولك فاسدون سرقوا ما لم يسرقه مسؤولو الحكومات السابقة مجتمعين.
لا تغلق عينيك عنهم، لا تصم أذنيك عن ضجيج فسادهم، فمهما حاولتَ ذلك فللتاريخ ضوء يخترق الأجفان، وصوت يصك الأسماع.
بيدك خيار اللحظة الفاصلة، هل تريد علاج ما تسببت فيه؟ إفعل الصحيح الآن بلا تأخير، ثم اخرج منها مرتاح الضمير.
هل تريد البقاء فيما أنت فيه؟ واصل مسارك، وتمسك بالفاسدين من حولك، ولا تكترث لبكاء الجياع وظلمة الغد.
ما أتعس هذه الكراسي، أماتت في روحي الأصدقاء.
٨ آب ٢٠٢٢