السيمر / فيينا / الأربعاء 05 . 10 . 2022
سليم الحسني
تأخّر إسقاط نظام صدام أكثر من عشر سنوات، لأن محور أمريكا لم يرغب بتولي الشيعة الحكم في أحداث الانتفاضة الشعبانية، فذلك يعني تشكيل محور قوي في المنطقة يضم إيران والعراق. فخففت الضغط عن النظام وسمحت له بقمع الانتفاضة.
كانت الحكومات الخليجية ومن فوقها أمريكا قد توصلت الى أن نظام صدام لم يعد صالحاً للبقاء، لكن المعضلة التي واجهتها أن الشيعة سيكون لهم الموقع المتقدم بحكم الأغلبية السكانية، وهذا أمر مرفوض لا يمكن القبول به.
في خطابيهما عشية الحرب، ألقى جورج بوش وتوني بلير آخر خطابين لهما عن الساعات القليلة القادمة التي ستبدأ فيها العمليات العسكرية، وكان الخطابان موجهين للشعب العراقي وقد أكدا على أن تجربة عام ١٩٩١ لن تتكرر، واعترفا بأنه كان خطأَ جسيماً وقعا فيه عندما سمحا لصدام بالبقاء.
لقد انتظرت أمريكا تلك السنوات من أجل أن تصل الى حلّ لمشكلة القوة الشيعية الصاعدة في حال اعتماد نظام ديمقراطي في العراق، وكانت النتيجة التي توصلت اليها، إسقاط نظام صدام وإسقاط الدولة معاً، واعتماد نظام سياسي يقوم على المحاصصة الطائفية لسهولة التحكم فيه من جهة خلق الأزمات، وهذا ما كان.
سارعت أمريكا بتجنيد أجهزتها ودفع الحكومات الخليجية لخلق الفوضى في المناطق الشيعية، فظهرت التشكيلات السرية القائمة على عقائد منحرفة تحت عناوين مرتبطة بالامام المهدي عليه السلام، وبرزت مرجعيات دينية مصطنعة، وانتشرت ظواهر غريبة لم تكن مألوفة من قبل.
لجأت أمريكا ومحورها في المنطقة الى نشر ثقافة العداء لإيران بأساليب عميقة، وقد سقط بشراكها العديد من المثقفين والاعلاميين ورجال الدين، وهذا ما كانت تستهدفه باعتبار أن هذه الفئات قادرة على صناعة رأي عام في الأوساط الشيعية الشعبية. في مقابل تشجيع القيادات السنية والكردية على الارتباط أكثر بالمنظومة الإقليمية التابعة لها والمطبّعة مع إسرائيل.
كان ضباب الخديعة الأمريكية ـ الخليجية كثيفاً بحيث أنه حجب الرؤية الواضحة عن أعين البعض من الشيعة، فصاروا يبادلون الدعم الإيراني في مجال التصدي للإرهاب، عداءً قائماً على مبررات وهمية. لقد صنعوا منهم ألسنة آلية تلهج بالعداء من دون أن تبصر العين ما يحدق بالشيعة من خطر.
لم يسأل هؤلاء أنفسهم: لماذا ننشر ثقافة العداء لإيران، بينما ينشر السنة والكرد ثقافة الارتماء في الحضن التطبيعي المعادي للشيعة في تركيا والأردن والدول الخليجية؟
لم يُحرّك هؤلاء عقولهم لمعرفة أن الصراع في المنطقة يعود في حقيقته الى العامل الطائفي، وأن ذلك يستند الى عقود طويلة وسيستمر أكثر في المستقبل. فأمريكا والحكومات الخليجية لا تتراجع عن عدائها للشيعة، ولن تترك محاولة تفكيكهم، وجعلهم يتصارعون فيما بينهم، في الوقت الذي تبني فيه حاجز الفصل بين إيران وشيعة العراق.
قوة الشيعة في العراق في تماسكهم أولاً وفي الحفاظ على علاقاتهم الوثيقة مع إيران، ولا أهمية لمن يتهم ويشكك. فذاك حزب الله في لبنان يحظى بالقوة والثقة التامة بالنفس ويصرّح رسمياً بقوة علاقته مع إيران، لأنه يفهم السياسة ويعرف معادلاتها في المنطقة.
٢ تشرين الأول ٢٠٢٢