الرئيسية / مقالات / الأهمية السياسية والإقتصادية للبترول

الأهمية السياسية والإقتصادية للبترول

السيمر / فيينا / الأربعاء 19 . 10 . 2022

د. ماجد احمد الزاملي                                                        

عند الحديث عن اهمية البترول للدول المصدرة , فالنفط شريان الحياة للدول الصناعية أصبح النفط أهم مصدر للطاقة في العالم منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي وهذا يؤكد اهمية البترول، في دعم منتجات المجتمع الحديث ، حيث يعمل بشكل أساس على توفير الطاقة للصناعات وتدفئة المنازل وتوفير الوقود للمركبات والطائرات لنقل البضائع والأشخاص في جميع أنحاء العالم.وللنفط  أهمية اقتصادية كبرى في الاقتصاد العالمي حيث أنه يعني العديد من فرص العمل المختلفة للأفراد وللشركات من خلال الأعمال المتعلقة به منذ البداية ,من مراحل البحث عنه والتنقيب مروراً بالاستخراج له وعمليات التكرير له ومن ثم تسويقه وبيعه مما يعني دخول إيرادات إلى خزانة الدول المنتجة له مما يساهم بشكل كبير في عوائد خزانتها وموازنتها المالية ولعل أبرز دليل على ذلك الوفرة الاقتصادية  لمنطقة الخليج العربي ومستوى معيشة مواطنيها المرتفع.وتُعد الطاقة مرتكزا استراتيجيا في المعادلات الدولية المعاصرة ، فهي سلعة دولية لا يمكن مقارنتها بسلعة آخرى في القيمة الاقتصادية، وهي أيضا مصدر قوة اقتصادية للمجتمعات الصناعية، ومن ذلك يبرز حرص الدول على تأمين تلك الموارد من الطاقة، وتحييدها عن التهديدات.

والاستراتيجية الامريكية المتَّبعة بعد نهاية الحرب الباردة، تكمن في السيطرة على موارد الطاقة لوقف تحركات روسيا باتجاه تلك المناطق والسيطرة عليها، وان المخططين الاستراتيجيين الامريكيين، وصنّاع دون إن أي اقتراب من مصادر الطاقة هو بمثابة تهديد للولايات المتحدة الامريكية. أنّ النفط قد شكَّل منذ اكتشافه العام 1859، ولا يزال حتى الآن, أحد أهم أسباب الصراع في العالم، وقد شغلت هذه الطاقة مساحة كبيرة من خريطة الصراع العالمي طوال القرن الماضي، ومن المرشح أن يستمر هذا الامر لفترة طويلة مقبلة في القرن الحالي. ولا يزال النفط حتى اليوم يشكل العصب الرئيس للطاقة، وحتى عندما ارتفعت أسعار النفط عقب حرب أكتوبر 1973، وشعرت الدول الصناعية الكبرى وبخاصة في أوروبا وأميركا بإمكانية تحكُّم الدول المنتجة بالاسعار أو في ربط ذلك بالمواقف السياسية، حاولت الدوائر العلمية في تلك الدول أن تبحث عن بديل للبترول بأسعار معقولة، مروّجة بأن ذلك ممكن ومُتاح، ولكن مع الوقت اكتشف الجميع أن تلك لم تكن إلاّ  خدعة إعلامية. وانطلاقًا من هذه الاعتبارات كانت السيطرة على النفط تعني ضمان استمرار عمل الآلة الصناعية والآلة العسكرية معًاً، أي الرخاء والقوة، وبات النّفط يمثّل قطاعًا مهمًا للاستثمار الرأسمالي، وهكذا كان النفط ومحورًا لصراع الرأسماليات والشركات والدول ومقاولي النقل، فضلًا عن العسكريين.

لقــــد كان تركيـز اهتمــــام الولايات  المتحــدة منــذ نهاية الحرب الباردة على محاولة منع ربط اورو – اسـيا بمنطقـــة الشــرق الاوســط الغنيــة بــالنفط، وخاصــةً العــراق (فترة النظــام الســابق) وايــران اللتان كانتـــا بعيـــدتان عـــن دائـــرة النفـــوذ والســـيطرة الامريكيـــة. ان الســـبب في مســـاعي الولايـــات المتحــدة غــير المتســامحة تجــاه محــاولات العــراق سـابقا وتجــــاه المحــــاولات الايرانيــــة لامـتلاك التكنلوجيـا النوويـة او القـوة العسـكرية يعـود الى ان الاســـتراتيجية الامريكيـــة لا تســـمح للـــدول صـاحبة المصادر النفطيـة ,والتي تُشكِّل خطراً على الكيان الاسرائيلي بامتلاك القـوة العسكرية والموارد الطبيعية في الوقـــت ذاته. لقد قرّرت “الولايات المتّحدة الأميركيّة السّيطرة بطريقةٍ أو بأخرى على منابع النّفط الأساسيّة في العالم وبخاصّةٍ منطقة الخليج، وتمّ إعداد خطّةٍ في عهد الرئيس كارتر العام 1976 سميّت خطة كارتر تقول: إنّ أميركا على استعدادٍ للتدّخل الفوريّ والمباشر عسكريًا في أيّ نقطةٍ من العالم تُمثّل تهديداً للنّفط، وقال كارتر إنّ تهديد منابع النّفط يعني مباشرةً تهديد الأمن القوميّ الأميركيّ”(1). إنّ تفاقم التّبعية الاقتصاديّة العربيّة للدّول الصّناعيّة، نتيجة الاعتماد على قطاعٍ واحدٍ، هو النفط، وعدم الاستفادة منه للضّغط على دول الغرب، وتزايد مديونية بعض الدّول العربيّة للعالم الخارجيّ، أدّى إلى التّبعيّة السّياسيّة، التّي أدّت إلى المزيد من الانتكاسات والكوارث على الأمّة العربيّة والسّياسات التّي اتبعتها الدّول الصّناعيّة المستهلكة للنّفط، أن تسحب (سلاح) النّفط من التّداول، كما على مدى السّنوات التّالية أن تعيد سيطرتها على النّفط إنتاجاً وتسويقاً، وبالتالي استطاعت المحافظة على مصالحها ونفوذها في هذه المنطقة الحسّاسة. لم تعان كل الدول التي لديها نفط من هذه الظواهر، فبلدان مثل النرويج وكندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، تملك دخولاً مرتفعة ومؤسسات ديمقراطية راسخة، وتستخرج الكثير من النفط ولا تعاني إلاّ القليل من التأثيرات السلبية، فالمشكلة تكمن في البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل. إذن المفارقة تكمن في كون البلدان ذات الاحتياجات الأكثر إلحاحاً هي ذاتها الأقل احتمالاً في الاستفادة من هبتها الجيولوجية. ويؤثر النفط على الحياة السياسية والاجتماعية، ابتداء من مواطنين يريدون مزيداً من الدخل، وحاكم يريد أن يبقى في السلطة، عبر الطرق التي تؤثر من خلالها إيرادات النفط في الحكومات، ويجعلها أكبر حجماً، وأقل عرضة للمسائلة، ويغلب على المجتمع سيطرة الرجل، بالإضافة إلى تسريع وتيرة الحرب الأهلية عبر تأثير النفط بالمواطنين وليس  في الدولة.           

لقد خططت الولايات المتحدة الاميركية وهي قائدة النظام العالمي لاعادة تقسيم منطقة الشرق الوسط من جديد لكي يسهل عليها السيطرة على ثروات تلك المناطق، فقد عمدت إلى إسقاط نظامي: (صدام) و(طالبان) في العراق وأفغانستان، ومن ثم أدخلت بعض الحكام بصراع مع شعوبهم، وأدخلت المنطقة بحالة من الفوضى ،  ذلك تنطلق الولايات المتحدة الامريكية في المحافظة على أمنها ومصالحها عن طريق وجودها المباشر في مناطق تركّز الطاقة لكي تؤمن مصادرها من الطاقة ، وان استمرار الصراع الداخلي في دول المنطقة من شأنه إن يحقق مصالح الولايات المتحدة الامريكية، ويعطيها المسوِّغ للتواجد في المنطقة تحت شعار”تأمين مصادر الطاقة”.  والدول الصناعية المستهلكة، التي كانت تعمل من وارء الشركات البترولية الإحتكارية، وجدت إن تولي حكومات الدول المنتجة للنفط دوراً رئيسياً في سياسات الإنتاج والأسعار ، وكذلك إبعاد الشركات الإحتكارية عن موقع القرار. يضعف من نفوذها، ويخفِّض من عائداتها، والأهم من ذلك إن نفوذها في المنطقة ومصالحها أصبحت مهددة، لهذا فقد عملت وبسرعة وبتصميم على إستعادة هيمنتها على النفط إنتاجاً وتسويقاً، وبالتالي المحافظة على مصالحها ونفوذها في هذه المنطقة الحساسة. اما الخطوط العامة لما قامت به من إجراءات وسياسات ,منها   العمل على تخفيض الطلب على نفط الأوبك بوجه عام، وعلى النفط العربي بوجه خاص، من خلال التأثير على حجم الطلب بوضع الحواجز الجمركية والحواجز الكمية على إستيراد النفط، وفرض الضرائب على إستهلاك المشتقات النفطية، ودعم القوانين والإجراءات الإقتصادية أو البيئية المؤدية الى الحد من إستخدام النفط.  وزيادة إنتاج الخام خارج اوبك بوجه عام، وخارج المنطقة العربية بوجه خاص، وذلك بدعم وزيادة الإستثمار في مجال البحث عن النفط في الدول العربية وخارجها.   

نعتقد بالإمكان تحقيق الأمن الإقتصادي العربي، وإن دور النفط أساسي وجوهري في إقامة وتدعيم الأمن الإقتصادي وصولاً الى الأمن القومي العربي. وبالإمكان تحقيق ذلك فيما لو أمسك العرب بإستقلالية قرارهم الإقتصادي والسياسي، وفيما إذا توفرت لديهم الإرادة السياسية من اجل إستفادة قرار النفط، ومن أجل إستخدامه في التنمية وفي تعزيز الامن القومي العربي. عند ذلك فقط يمكن القول إنه بالإمكان مواجهة التحديات، وتحقيق الأهداف التنموية والإرتقاء بالوضع الإجتماعي في البلدان العربية كافة.    

 ولايمكن لأية دولة عربية بمفردها ان تواجه التحديات الخارجية والداخلية، وإنه لابد في هذا المجال، من العمل الجماعي والتنسيق العربي وتفعيل العمل الإقتصادي العربي المشترك، تحقيقاً للأمن العربي وخاصة الأمن الإقتصادي الذي بتحقيقه يمكن تكريس القرار السياسي والإقتصادي المستقل، ويلعب النفط في هذا المجال الدور الرئيس، لقد لعب النفط دوراً مهماً وفعالاً في الحياة العربية وخاصة في السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وذلك من خلال عملية إعادة تدوير عائدات النفط. داخل البلدان العربية ، وقد نجم عن ذلك إرتفاع معدلات النمو الإقتصادي من جراء التوسع في قطاعات البناء والتشييد والتجارة والمال.  

ومع بروز قوى جديدة على المسرح الدولي إضافة إلى روسيا ,كالصين والهند وغيرها من الدول الطامحة إلى بناء كيانات اقتصادية والإسهام في تكتلات اقليمية ودولية، و في ظل حالة الاستقطاب والمحاور التي أفرزتها أحداث العالم العربي بعد ما سمي بثورات “الربيع العربي”، والتطورات السياسية والإقتصادية التي يشهدها معظم بلاد العالم النامي وبخاصة الدول النفطية، تطلعت الدول المنتجة للنفط إلى السيطرة على ثروتها الأساسية.  وقد رسم النفط خريطة الشرق الأوسط والوطن العربي، التي تميّزت بنشأة صناعة البترول العربية بظروف تختلف اختلافًا جوهريًا عن الظروف التي أدت إلى مولد صناعة البترول العالمية. ولقد أدّى هذا الاختلاف وما زال يؤدي دوره الخطير في التاريخ السياسي والاقتصادي للأمة العربية. إنّ هذه الظروف التي نشأت في ظلّها صناعة البترول العربية أضفت على البترول مزيدًا من الأهمية، الأمر الذي تضاعف تأثيره في سياسة الدول الكبرى وفي اقتصاديات دول العالم قاطبةً. ونتيجة لذلك، بدأ الصراع بين الدول الأجنبية على عمليات التنقيب الجدي في بلدان الشرق الأوسط، وكان قيام الشركات المستثمرة للبترول وفقًا للاتفاق بين تلك الدول ومراعاة لتحقيق مصالحها.  وفي الآونة الأخيرة، مرّت المنطقة العربية بمجموعة من التغيرات في مرحلة ما سمي “بثورات الربيع العربي” أواخر العام 2011. وقد خلقت هذه “الثورات” جملةً من المتغيرات السياسية والأمنية التي تركت أثرها على مجمل الواقع العربي والمحيط الإقليمي عمومًا.أمّا اليوم وفي ظل الصراعات على الأدوار في الواقع الدولي الجديد، حيث يتداخل السياسي بالاقتصادي، فنجد سباقًا محمومًا بين الدول لتحصين مكتسباتها من الموارد الخام، وهذا ما يفسّر تراجع أسعار النفط.                           

أن النفط والصراع الذي نشأ حوله من أجل الوصول اليه ونقله وتخزينه، يفسر الكثير من معادلات الصراع والحروب والانتشار العسكري والسياسي لضمان سلامة المنابع بالإضافة إلى المشاكل بين دول المنطقة حول خطوط النقل. وهكذا فالمجال المفضل أمام الولايات المتحدة هو منطقة الخليج . وهذا ما يفسر احتلالها للعراق الذي لا علاقة له بموضوع أسلحة الدمار الشامل، أو موضوع الديمقراطية، والولايات المتحدة أيضًا ذهبت إلى أفغانستان وجورجيا وكازاخستان من أجل بترول بحر قزوين.              

تستمر اهميـة الـنفط بالازديـاد في الوقـت الـراهن بوصـفه مـادة حيويـة للطاقـة واصـــبحت الحاجـــة ماســـة اليـــه في ضـــوء اسـتمرار النمـو في اقتصـاديات دول كــبرى مثـــــل الصـــــين والهنـــــد والـــــدول الناشـــــئة الاخـرى. فضـلا عـن الحاجـة الماسـة اليـه في الولايــــات المتحــــدة الامريكيــــة والاتحــــاد الاوربي. واخــذت هــذه الــدول تتنــافس في الحصــول عليــه بشــتى الســبل وان اقتضــت الضــرورة الــدخول في الحــرب كمــا حــدث في حـرب الخلـيج الثانيـة في العـام1991. وان مــا دفــع الــدول الكــبرى للتنــافس مــن  اجـــل تـــامين امـــداداتها للـــنفط هـــو عـــدم الاســــتقرار السياســــي في بعــــض المنــــاطق المنتجــــة وارتفــــاع اســــعاره لاســــيما عنــــد انـــدلاع الازمـــات وتلعـــب كلفـــة انتاجـــه وانواعه دورا ً في ذلك.  وقد  كان توزيع الريع النفطي ولا يزال مصدراً للخلاف بين الدول المنتجة والدول الصناعية المستهلكة. ومن حق الدول المنتجة أن تطالب بزيادة ريعها النفطي. وما تحصل عليه هذه الدول كنصيب في الريع النفطي، يساعدها على توجيه موارد لابأس بها نحو عملية التنمية، ونحو زيادة إستثماراتها للبحث عن حقول جديدة وتنميتها لضمان تلبية الإحتياجات المتزايدة للمستهلكين.  

———————

شفيق المصري، “الأمن النفطي: الهاجس الأكبر في المنطقة”، مجلة الاقتصاد والأعمال، عدد أيّار 2013.1-

اترك تعليقاً