أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / تأثير المعارضة السياسية

تأثير المعارضة السياسية

السيمر / فيينا / الخميس 23 . 02 . 2023

د. ماجد احمد الزاملي                                                        

المعارضة السياسية هي ركن أساس لبناء النظام البرلماني, والسبب في عدم اختيار المعارضة السياسية في الغالب ناجم عن عدم رغبة جميع الاطراف السياسية، أن تخسر اماكِنها في السلطة لسبب او لآخر، وبعد هذه السنوات من التجربة السياسية في العراق ، نجد أن بعض الاحزاب السياسية تذكر المعارضة السياسية وهو خيار صحيح بطبيعة الحال، لكنه ناجم عن عدم رغبة الفرقاء السياسيين في تحمل مسؤولية الفشل، أو الخلل الذي عانت منه العملية السياسية العراقية. وهذه الحالة صحيِّة وحالة مطلوبة لبناء النظام السياسي البرلماني بشكل صحيح في الدولة، ولا نعني بالمعارضة السياسية التي يكتنفها الغموض وينظر اليها الشارع العراقي بعدم الثقة، وحتى الاطراف الاخرى أي الاطراف السياسية تنظر اليها بعدم الوثوق بها . ويرى فيه البعض أن هذه المعارضة لن تكون معارضة فعّالة وليس هدفها التقويم وتصحيح مسار العملية السياسية، وآخرون يقولون إنَّ الخيار هو خيار جدي لتصحيح العملية السياسية، ولترسيخ الديمقراطية في البلاد. ومن معرقلات تحديث المنظومة السياسيَّة وتوجيه التمويل الحكومي للأحزاب السياسيَّة لمرحلة الانتخابات فقط، يضعف الأدوار الاقتصاديَّة والبرامج الإبداعية داخل الأحزاب، حيث ان تمويل برامج تتعلق بريادة الأعمال والاعتماد على الذات في الاستثمار الاقتصادي للحزب، يعتبر دعم أكثر استدامة من الدعم المقتصر على المشاركة في الانتخابات.  ولم تكن عملية بناء الديمقراطيات لإستبدال الأنظمة غير الديمقراطية، ولن تكون، سهلة أو سريعة. فبعد عدة عقود ، تحولت تيارات التغيير في كثير من البلدان، وعلى الرغم من خضوعها أحيانا للتيارات المعاكسة لحركتها، نحو سياسات أكثر ً انفتاحا وتشاركية ومسؤلية. كما وعملت المستويات المتقدمة من التحضر وتحسُّن الدخل والتعليم ومحو الأمية على تعزيز الطموحات النبيلة في الإستقلال الذاتي والتعبير السياسي؛ الأمر الذي تسارعت وتيرته بفعل الإنتشار الواسع لتقنيات المعلومات ووسائل الإتصال الجديدة التي تُسهِّل على حركات المعارضة القيام بعمليات الحشد والتعبئة. وإذا كان التغيير السياسي لأجل تعديل الاوضاع الإجتماعية والسياسية نحو ألأفضل، ينبغي معرفة حجم التغييرات المطلوبة من جهة، ومدى إيجابية نتائج التغيير من جهة أخرى. و التغيير يكون على حجم وقوة ووعي الحراك داخل المجتمع والذي قد يكون أساسه اقتصادي أو سياسي أو أيديولوجي فكري، كما قد يكون سلمي أو عنفي نتيجة لتغييرات داخل الدولة نفسها أو تأثّراً بعوامل خارجية أو محيطة أو على حسب التوازنات الدولية. والمعارضة ضد السلطة تشمل أغلب الطيف السياسي المناويء للسلطة الحاكمة أو المنتقد لها في أحسن الحالات، ويمكن تصنيف هذه المعارضة أيضًا إلى خطين أساسيين: معارضة رسمية تتحرك ضمن الدائرة الرسمية للدولة حوارً وتقاربًا أكثر من تعاملها مع المعارضة. ومعارضة مشاكسة يُمثِّلها اليوم منتدى الديمقراطية والوحدة، ويمكن أن يلحق بها بعض قادة المعارضة الآخرين الذين يمكن تصنيفهم بمعارضة رجال الأعمال.                                               

وهنالك معارضة للدولة ,وتقوم فلسفة هذه المعارضة على الإنتقاد القوي للشكل السياسي والمحتوى الاجتماعي للدولة الوطنية التي تأسست عقب الاستقلال الوطني باعتبارها دولة لا تتساوى فيها الفرص أمام مواطنيها، ولا تعكس في هويتها الرسمية تعدد الهويات والأعراق. مع طغيان المحتوى السياسي للدول الشرق أوسطية على الحياة العامة ، فالمعارضة تواجه أزمة جمهور كبيرة ، فقد عادت هيمنة الخطاب القبلي، وتراجع الالتزام الحزبي إلى أقصى الحدود، وباتت المعارضة الطرف الأضعف في مواجهة أنظمة سياسية تسندها الدولة بمقدراتها والقبائل بأرحامها وعلاقاتها، والمال السياسي بتأثيره وفعاليته، والمؤسسة العسكرية بتأثيرها. وإلى جانب هذه العوائق، يبرز عائقان آخران يقفان في وجه المعارضة اليوم، وهما: العجز المالي بفعل الخناق القوي الذي يفرضه عليها النظام ومخاوف رجال الأعمال من المضايقة، وهو ما اضطر أقطاب المعارضة إلى التخلِّي عن بعض أنشطتها الجماهيرية بفعل العجز عن التمويل، وضعف التحليل السياسي بسبب العجز عن الوصول إلى المعلومات الدقيقة عن الوضع السياسي والاقتصادي للنظام؛ وهو ما جعل الخطاب السياسي للمعارضة بعيدًا عن العلمية والدقة في أحيانٍ كثيرة. وبناء الدولة الوطنية اليوم يحتاج ليس فقط إلى تفعيل قيم المواطنة وبناء النسيج الوحدوي للدولة، ولكن أيضا إلى تجاوز مخلفات الصراعات الداخلية وخاصة منها المسلحة، حيث تضرر الاقتصاد وتم تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية، وعدم الوصول إلى الحل وفشل تسويات الحوار زاد من إطالة أمد الصراعات والتي تبدو أنها لن تنتهي في الوقت القريب، بل يبدو أنه يزداد تعقدا مع التدخلات الخارجية التي تحاول الاستفادة من الوضع لصالحها وخدمة لأجنداتها الخاصة، وهو ما ينذر باستمرار حالة اللااستقرار وضعف الدول. ضعف القدرة على التعبئة السياسيَّة بسبب الصورة النمطيّة السلبيّة عن جدوى العمل الحزبي في أغلب بلدان الشرق ، بالإضافة إلى صعوبة إدماج شريحة واسعة من طلبة الجامعات ممن لديهم أشقاء عاملون في الجيش والأجهزة الأمنية، لأن في ذلك , تأثير على المسار المهني للعسكريين العاملين ويضعف حظوظهم في الحصول على الاستفادة الشخصية مثل الاشتراك بالدورات والسفر، بالتالي تخسر الأحزاب السياسيَّة تعبئة شريحة واسعة من طلبة الجامعات الذين لديهم أقارب وأشقاء في هذه المؤسسات. تغييب الشباب الحزبي عن وسائل الإعلام الوطنية، والافتقار إلى وجود المنبر الوطني الذي يساهم في إيصال الأفكار والمشاركة في إيجاد الحلول للمشاكل والتحديات الوطنية، وإبداء الرأي في قضايا الشأن العام. غياب آليات العمل المشترك بين الأحزاب، يؤدي إلى غياب التنافسية السياسيَّة على البرامج الثقافية والاقتصاديَّة والاجتماعية ، وضعف اللقاءات المشتركة بين الأحزاب وغياب التنسيق فيما بينها. وأغلب الأحزاب غذَّت الصراعات الوطنية، أو كانت وقوداً لها، وبعضها حمل رايات أيديولوجية سرعان ما تنَكَّر لها، وأحزاب أخرى إكتفت بالحضن الأقوى، فيما راهنت أحزاب كثيرة على النزعة الشخصية لبناء زعامة فردية تبرز لفترة وتنطفيء إلى الأبد. هناك ضعفاً لدى هذه الأحزاب في التنظير الفكري، وضعف عدد كبير من قياداتها سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، وكثيراً ما تتخذ هذه الأحزاب طابعاً جهوياً وشخصياً، فضلاً عن عدم ميلها للاندماج وتشكيل أحزاب كبيرة وقوية، وعدم قدرتها على توفير مصادر دخل لعملها. و”تزايد عدد الأحزاب في فضاء ديمقراطي قد يُعد مؤشراً على التعددية”، لكن “إذا كانت الأخيرة عقيمة ولا تسهم في إثراء الجانب الفكري، فإنها تعد عاملاً معرقلاً للفعل السياسي، وخاصة إذا كان ذلك في فترة التحول الديمقراطي وهي سمة مميزة لها”.            

ويُعد أفلاطون من أوائل الفلاسفة الذين اهتموا بدراسة التغيرات التى يمكن أن تطرأ على البناء السياسى، أما أرسطو فكان سبّاقاً فى دراسته للثورات حيث يرى أن الثورة ظاهرة سياسية تمثِّل عملية أساسية لإحداث التغيير الذى قد يؤدى إلى استبدال الجماعات الاجتماعية ، وبالتالى جميع أنماط الحكم كلها معرضة للثورة بما فيها نمط الحكم الديمقراطى نتيجة عدم الملائمة بين ما تُريده الشعوب وما يقوم به الحكّام، ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين: نوع يؤدى إلى تغيير الدستور القائم فينتقل من نظام حكم إلى نظام آخر ، ونوع يغيِّر الحكّام فى إطار بنية النظام القائم.و ظاهرة العنف السياسي لا ترتبط بعوامل داخلية فقط ولكن أيضا خارجية، ومن بينها تدخل دول في شؤون دول أخرى، أو تدخلات مشبوهة عن طريق تمويل جماعات إرهابية او أحزاب سياسية معينة تخدم أجندتها بهذه الدول. لقد تعثَّرَ التحول الديمقراطي بفعل هيمنة مؤسسات الحكم وغياب الإرادة في الإصلاح، وتهافت المعارضات يُعبِّر عن أحد وجهي السياسة في هذا السياق، في حين يتجلى الوجه الآخر في ضعف متنامٍ للدولة الوطنية وتآكل خطير في شرعيتها المجتمعية.   

اترك تعليقاً