السيمر / فيينا / الأحد 26 . 02 . 2023
كان لافتا منذ عدة أيام احتجاج عشرات من العراقيين في بغداد وجنوب العراق، مطالبين بخفض سعر الدولار، وحماية الدينار العراقي، في وقت لا تبدو فيه أزمة انهيار الدينار أمام الدولار، قريبة من الانتهاء، بعد تسجيل تدهور متواصل للعملة العراق.
ومنذ بداية كانون الأول/يناير الماضي تدهور الدينار العراقي بشكل متواصل أمام الدولار حتى وصل سعر الصرف إلى مايقارب 1700 دينار مقابل الدولار الواحد، وقد جاء قرار رئيس الوزراء محمد شياع السودان ردا على ذلك برفع قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار إلى 1300 دينار ضمن الموازنة المالية للعام 2023 غير أن سعر الدينار أمام الدولار استقر عند 1600 دينار عراقي للدولار الواحد.
ولإن كان تدهور العملة العراقية قد زاد مؤخرا، فإن العديد من العملات العربية الأخرى، كانت قد سبقته على طريق الانهيار، أمام الدولار الأمريكي، ومنها عملات مصر والسودان وسوريا وتونس واليمن، في ظل ركود كبير، وارتفاع متزايد في أسعار السلع الغذائية، جعل الناس في شكوى متواصلة.
ويتفق كثير من الاقتصاديين، على أن الأزمة الحالية في معظم الدول العربية، مثلها مثل الأزمة في العديد من الدول النامية، ناتجة عن عاملين، أولهما دولي ربما لا يكون للسلطات الاقتصادية، في هذه الدول دور فيه، ويضم في إطاره عدة أزمات دولية متتالية.
أما أولى تلك الأزمات الدولية، فهي أزمة كورونا، التي عطلت سلاسل الإنتاج لفترات طويلة، ثم ما تلاها من حرب روسية على أوكرانيا، ماتزال رحاها دائرة حتى الآن، وكذلك التشديد النقدي الذي نفذه البنك الفيدرالي الأميركي، بزيادات متتالية في أسعار الفائدة لسبع مرات عام 2022 ، مما زاد من كلفة القروض والواردات بالدولار لدى عدة دول عربية.
أما العامل الثاني فيما تعانيه عدة دول عربية، من انهيار في عملاتها المحلية، فيتمثل فيما يصفه خبراء اقتصاديون، بالخلل الكامن في اقتصادات تلك الدول، والمتعلق بكونها اقتصادات استهلاكية، وليست انتاجية في معظمها، باستثناء دول الخليج التي تعتمد كثيرا، على سلعة مطلوبة دوليا وهي الغاز والنفط.
لكن أكثر ما أسفرت عنه أزمة انهيار العملات المحلية، في العديد من الدول العربية سوءا، هو ذلك الذي طال حياة الناس اليومية، فمع انهيار العملات المحلية في العديد من الدول، مثل مصر وتونس ولبنان والعراق والسودان، في مواجهة الدولار الأمريكي، زادت نسب التضخم بصورة كبيرة، وانعكس ذلك على ارتفاع جنوني في أسعار كل شئ، وخاصة المواد الغذائية، بحيث باتت الشكوى المستمرة، من قبل مواطني هذه الدول، وفق العديد من التقارير هي أنهم غير قادرين، على توفير احتياجات أسرهم من الغذاء.
وقد عبر أحد المواطنين السودانيين، عن الأزمة بشكل مأساوي، في حديث لواحدة من حلقات برنامج نقطة حوار، حين قال إن الأثرياء في السودان فقط الآن،هم من يتناولون ثلاث وجبات غذائية في اليوم، وإن الغالبية من الناس باتوا غير قادرين، سوى على تناول وجبة واحدة.
لبنان وتدهور غير مسبوق
يعيش لبنان حالة ترد اقتصادي غير مسبوقة، حيث تشهد الأسواق حالة من التخبط والفوضى، بعد الانهيار المتواصل لليرة اللبنانية، أمام العملات الأجنبية، في وقت بات فيه جانب كبير من اللبنانيين، عاجز عن توفير احتياجاته الغذائية، في مواجهة ارتفاع هائل في أسعار السلع الاستهلاكية والأدوية.
ويوم الإثنين 13 شباط/فبراير سجلت الليرة اللبنانية، أكبر انهيار لها في تاريخ البلاد حيث تجاوز سعر صرف الدولار الواحد في السوق السوداء 68 ألف ليرة.
ويعتمد لبنان ابتداء منذ مطلع شباط/فبراير، سعر صرف رسميا جديدا يبلغ 15 ألف ليرة للدولار الواحد بدلا من السعر الحالي البالغ 1507 ليرات، بانخفاض يقارب 90% في سعر العملة الوطنية، ويشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا اعتبره البنك الدولي واحدا من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في العالم فقدت خلاله الليرة اللبنانية مايقارب 95% من قيمتها.
وتشير تقارير لمنظمات حقوقية في بيروت، إلى أن نسبة الفقر في أوساط اللبنانيين وصلت إلى 55% ، بينهم نسبة 25 % يعيشون تحت خط الفقر، أي غير قادرين على توفير مايحتاجونه من غذاء، في ظل زيادة في الرسوم ورفع لقيمة الضرائب ورسوم الجمارك، ورسوم المعاملات الإدارية المختلفة.
مصر وتونس.
ولا يختلف الوضع كثيرا في مصر، فقد أظهر أحدث تقرير صادر عن البنك الدولي، أن مصر تعد من بين أكثر الدول عالمياً، تأثراً بموجه التضخم في أسعار السلع الغذائية، مع وصول معدلات التضخم في هذه الأسعار بها، إلى نسبة 37.3 % خلال عام 2022، بما يجعلها سادس أعلى دولة في معدلات التضخم في أسعار السلع الغذائية.
والذي يتابع التقارير الواردة من مصر، يمكنه ملاحظة الشكاوى المتواصلة، من الارتفاع المتواصل في أسعار السلع الغذائية، في وقت يواصل فيه الدولار صعوده مقابل الجنيه المصري، مسجلا مستويات قياسية ، حيث بلغ سعره يوم كتابة هذا التقرير 30.48 جنيها للشراء، و30.58 جنيها للبيع بالبنك المركزي المصري.
أما في تونس، التي تسعى منذ سنوات للفوز بخطة إنقاذ دولية، لمساعدتها على تجنب الإفلاس، وفق مايشير تقرير لوكالة رويترز، فيعاني التونسيون من نقص في السلع الأساسية، مثل الحليب والزبدة، كما شهدوا تضاعف أسعار المواد الأساسية مثل زيت الطهي، وتشير رويترز إلى أن وكالة التصنيف “موديز” كانت خفضت الأسبوع الماضي، تصنيف الديون السيادية التونسية قائلة إن هناك احتمالا بالتخلف عن السداد.
المصدر / بي بي سي