السيمر / فيينا / الجمعة 26. 05 . 2023
عاد ملف اللاجئين السوريين إلى الواجهة مجدداً ليتصدّر النقاشات السياسية والاستقطاب الحاد بين المرشحين الرئاسيين رجب طيب أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو ومناصريهما قبل أيام من موعد حسم السباق الرئاسي الأكثر إثارة منذ اقرار نظام الانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية في البلاد.
ويظهر أن هناك ثلاثة مشاريع لـ”هندسة وضع اللاجئين” تتربّص بالسوريين في تركيا الذين يترقبون موعد الثامن والعشرين من أيار (مايو) الجاري، حيث يُحسم مع الفائز بالسباق الرئاسي مصيرهم في البلاد ومستقبلهم، بعد 12 عاماً من الاقامة فيها تحت مسمّى “الحماية الموقتة”.
خطة السلطة للتغيير الديموغرافي
تَعد سلطة “العدالة والتنمية” ناخبيها بإرسال مليون لاجئ سوري وتوطينهم في تجمّعات سكنية منشأة حديثاً بتمويل قطري وبعض المنظّمات المقرّبة من تيار “الإخوان المسلمين” الكويتي في شمال سوريا، وتحديداً في ريف ادلب المتاخم لريف حلب غرباً، وشمال حلب، حيث المناطق ذات الأغلبية الكردية، التي تقع فعلياً تحت سيطرة أنقرة حالياً.
ويعتقد العديد من المتابعين للشأن التركي أن وعود السلطة بإرسال اللاجئين جاءت تماشياً مع المزاج الشعبي لمناصري الحزب، والذي شهد تغيّراً باتجاه رفض السياسات الحكومية الخاصة باللاجئين، ما أجبر “العدالة والتنمية” على تبنّي مواقف أكثر وضوحاً وحزماً لهذا الملف بعد سنوات من التصريحات المتضاربة.
ففي منتصف آذار (مارس) عام 2022، انتقد الرئيس التركي مطالب المعارضة بإعادة اللاجئين السوريين، مصرحاً: “يقول زعيم المعارضة الرئيسية في هذا البلد الجميل ومن يسانده أنه عندما يصلون إلى السلطة سيقومون بترحيل اللاجئين إلى بلادهم. نحن لن نرسلهم. نحن نعرف معنى الأنصار. وليس لدينا قلق حيال وجودهم” في تأكيد على الإطار الديني الذي برر من خلاله سياسات الباب المفتوح أمام اللاجئين والمتّبعة منذ أكثر من عقد تحت عنوان “الأنصار والمهاجرين”.
لكنّه سرعان ما اضطر إلى التراجع عن تصريحه تحت ضغط مؤيديه المستائين قائلاً بعد ذلك بشهر في دعوة الإفطار لسفراء الاتحاد الأوروبي في مقر حزب العدالة والتنمية: “نبذل قصارى جهدنا من أجل عودة طوعية ومشرّفة (للاجئين)”.
التخبّط في الموقف الرسمي من الملف يعود إلى التحوّلات التي شهدتها السياسة الخارجية التركية وتحالفات أنقرة مع موسكو وإيران من جهة، والتبدّل في الرأي العام التركي من جهة أخرى. يضاف إليها فشل “ورقة استراتيجية التكيّف وخطة العمل الوطنية 2018- 2023″، التي أقرتها الحكومة كحلّ لهذه المسألة المعقّدة.
وتألفت الورقة التي كان من المفترض بدء العمل بها في الحادي عشر من تشرين الأول (اكتوبر) 2018، وتنتهي في التاريخ ذاته من عام 2023، خمسة بنود رئيسية، بهدف “مواءمة السوريين للعيش في تركيا من دون تخويف الشارع التركي، بعمل مشترك بين كل مؤسسات الدولة على أن تقوم مديرية الشؤون الدينية التركية بدور المحرّك الرئيسي، بدعم مالي دولي”.
التباين لا ينحصر فقط في التصريحات الحكومية حول مستقبل اللاجئين السوريين، بل في أعدادهم أيضاً. ففي حين أكد وزير الداخلية التركي أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا 3.75 ملايين شخص، أعلن نائب أردوغان في حزب العدالة والتنمية، نعمان كورتولموش، أن عددهم 4.99 ملايين شخص، بزيادة 1.15 مليون عن رقم الداخلية التركية.
حزب النصر والطاولة السداسية
في المقابل، ترفض المعارضة خطة الرئيس التركي، ويعلل زعيم “حزب النصر”، أوميت أوزداغ، والمعروف بمواقفه المتطرفة تجاه اللاجئين، هذا الرفض، قائلاً إن “قيام تركيا بنقل مليون لاجئ إلى هذه المنطقة يعني تكفّلها بأعبائهم إضافة إلى تحمّلها عبء 5 ملايين من سكان المنطقة التي تسيطر عليها أنقرة في شمال سوريا، وهو ما لا يمكن للاقتصاد التركي المتأزم تحمّله”.
ويحذّر أوزداغ من أن “الوافدين الجدد إلى المنطقة سينضمون إلى شبكات واسعة من التنظيمات الإرهابية التي تعج بها المنطقة، وبالتالي ستكون تركيا أمام مشكلة أمنية جديدة تتمثل بتشكّل أفغانستان جديدة على حدودها” بحسب وصفه.
ويصرّ أوزداغ على ضرورة أن يكون حزبه شريكاً في “السياسات المتعلّقة بإعادة اللاجئين إلى بلادهم”.
وترفض تركيا منح اللجوء للقادمين من الدول الشرقية، لتحصر هذا الحق لمواطني الدول الغربية فقط، في حين تقبل مواطني الدول الشرقية بصيغة “الحماية الموقتة”، وهي الصيغة التي تم اعتمادها للمرة الأولى من قبل الدول الأوروبية، وعلى رأسها إيطاليا، بالنسبة للفارين من الحرب اليوغوسلافية في تسعينات القرن الماضي، والتي تعتمدها دول مثل ألمانيا وبولونيا في حالة الهاربين من الحرب الأوكرانية اليوم.
صيغة “الحماية الموقتة” التي تعتمدها تركيا بحق اللاجئين السوريين تربط وجودهم باستمرار الحرب في سوريا، وتشترط عودتهم مع انتهائها، وهو ما تعوّل عليه أحزاب المعارضة التي تؤكد انتهاء الحرب في سوريا، مقابل إصرار الحكومة التركية على اعتبار المناطق التي تسيطر عليها هي الآمنة فقط، وبالتالي تدافع عن ضرورة ارسال هؤلاء اللاجئين إلى هذه المناطق من دون غيرها.
وتؤكد المعارضة التركية أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا يبلغ 7 ملايين، فيما تقدّر العدد الإجمالي للاجئين بمن فيهم جنسيات شرقية أخرى من إيرانيين وأفغان وباكستانيين وحتى العديد من الجنسيات الأفريقية بنحو 13 مليون لاجئ.
ووفق أوزداغ فقد تم صرف 151 مليار دولار على هؤلاء من موازنة تركيا حتى نهاية عام 2022، في إشارة إلى العبء الذي يتحمّله الاقتصاد التركي المنهك، إضافة إلى 30 مليار دولار يتم صرفه على السوريين القاطنين في مناطق سيطرة أنقرة والمجموعات المسلّحة التابعة لها في شمال سوريا، حسب أوزداغ.
وكان أعلن أوزداغ دعمه لمرشّح المعارضة الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو، بعد توقيع بروتوكول اتّفاق معه نص على 7 بنود، أهمها الخطة الخاصة بإعادة اللاجئين السوريين.
وتنصّ الخطة، التي يعرّفها أوزداغ باسم “قلعة الأناضول” على الاتفاق مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تفعيل بروتوكول عودة اللاجئين الموقّعة بين كل من تركيا وروسيا وإيران والموثّقة من قبل الأمم المتحدة، بحسب قوله، والذي يشترط عودة كل نازح إلى منزله في المدينة التي نزح منها خلال الحرب.
وتقترح الخطة التوافق على خريطة طريق مع دمشق لتأسيس لجنة من تركيا وروسيا والهيئة الأوروبية لحقوق الإنسان لضمان سلامة اللاجئين السوريين العائدين، مع ضمان عدم سوق الشباب العائدين إلى الخدمة الإلزامية، كونها السبب الرئيسي وراء رفض غالبية الشبّان السوريين المتواجدين في تركيا العودة إلى بلادهم وفق أوزداغ.
ويتوقّع أوزداغ قبول دمشق لهذه الخطة لأن “المصافحة التركية – السورية ستلغي حاجة الجيش السوري إلى هذا العدد الكبير من المجنّدين”.
كما تتضمن خطة المعارضة، والكلام لأوزداغ، “ضمان حصول الشركات التركية على عقود اعادة الإعمار في شمال سوريا، كنوع من تعويض أنقرة عن الخسائر الكبيرة التي تكبّدها الاقتصاد التركي”، مؤكداً في الوقت ذاته “تنفيذ خطة للانسحاب العسكري التدريجي للجيش التركي، وتسليم مواقعه الحالية للجيش السوري”.
ولا يرى أوزداغ في الجيش الحر “مشكلة بالنسبة لتركيا، ومن السهل التعامل معه في حال المصالحة مع دمشق في ظل العفو العام المتوقّع صدوره، لكن المصيبة تكمن في المجمعات السلفية الجهادية التي لا تسيطر عليها تركيا بشكل كامل، بل وتشكّل خطراً على تركيا أيضاً”، مطالباً “بضرورة إعادة هؤلاء المقاتلين إلى أفغانستان أو أي منطقة أخرى يمكن السيطرة عليهم، بعيداً من الحدود التركية”.
ويقترح أوزداغ أن يتم الضغط على اللاجئين السوريين في تركيا لدفعهم إلى العودة عبر جملة من الإجراءات “تبدأ بالإعلان عن انطلاق مسار العودة، حيث يتم إيقاف المساعدات المالية للأطفال والكهرباء والغاز والخدمات الطبية والدوائية المجانية بشكل تدريجي، ومن ثم إيقاف أذونات العمل والتراخيص الممنوحة لمزاولة المهن”.
وتتضمن خطّته “ارسال السوريين من اسطنبول إلى اللاذقية عبر السفن، ومن المدن الحدودية عن طريق البر”. كما يقترح في حال وصول المعارضة إلى السلطة انسحاب تركيا من معاهدة حظر الألغام، المعروفة بمعاهدة أوتاوا، والتي تنص على حظر استعمال أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام المضادة للأشخاص. ويعني انسحاب تركيا من المعاهدة عودة حقول الألغام على حدودها مع كل من سوريا والعراق وإيران، حيث يصل عبرها المهاجرون الأفغان والباكستانيون بشكل خاص.
“الحزب الجيد” يقترح خطة من خمسة بدائل
من جهته، يتّهم “حزب الجيد”، وهو أحد شركاء تحالف الأمة المعارض، السلطات التركية، بتحويل البلاد إلى “مستودع للاجئين ارضاء للدول الغربية”.
ويؤكد نائب رئيس الحزب للشوؤن الأمنية محمد تولغا أكالين أن “موجات الهجرة التي تتعرّض لها البلاد ليست عفوية وإنما جزء من هندسة هجرة استراتيجية كنوع من حروب الجيل الخامس بدأت مع السوريين بين عامي 2011- 2012 ومن ثم الأفغان والباكستانيين حيث أن معظم الوافدين هم من فئة المقاتلين الذين لا يعرفون القيام بأي عمل آخر سوى القتال عبر موجة سلفية – جهادية”.
وتستند خطة “حزب الجيد” الخاصة باللاجئين على “استبدال سياسة الباب المفتوح أمام المهاجرين بمبدأ الحدود شرف وعلى الدولة الحفاظ على شرفها”.
ووفق أكالين فإن “الخطط الخاصة بعودة اللاجئين لكل الأحزاب تنطلق من مبدأ الاتفاق مع الأسد، ولهذا الاتفاق الأولوية بالنسبة إلينا أيضاً، ولكن ماذا لو لم يوافق الأسد على خطتنا؟”.
في هذه الحالة يقترح حزب الجيد خطة مكوّنة من خمسة بدائل، تم تحضيرها “بمشاركة 43 خبيراً ومتخصصّاً في السياسات الأمنية”، أولها الحوار مع الأسد والاتّفاق معه، وفي حال وجود نقاط خلاف، دعوة الاتحاد الأوروبي، كالجهة الهدف بالنسبة للاجئين في حال عدم رغبة تركيا في الاستمرار باستضافتهم إلى طاولة الحوار، وفي حال عدم الوصول إلى حل ستقترح تركيا على الدول الأوروبية تقاسم عبء اللاجئين السوريين، كل دولة حسب متوسط دخل الفرد السنوي والناتج القومي”.
ويكمل أكالين أنه “في حال عدم نجاح الخطوات السابقة سنقوم بتطبيق معايير صندوق السلام الأميركي للمناطق الآمنة والتعاون معه من أجل إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا، وفي حال عدم نجاح هذه الخطة أيضاً سنعلن انسحابنا من اتفاقية “إعادة القبول” الموقّعة مع الاتحاد الأوروبي عام 2016 ونبدأ بإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري حتى عام 2026 على أن يتم الانسحاب منها بشكل نهائي مع حلول عام 2031″.
يتّفق الفرقاء السياسيون في تركيا اليوم على مبدأ إعادة اللاجئين السوريين ويختلفون في الأعداد والطريقة، وهي تفاصيل سيتم حسمها بشكل نهائي مع الساعات الأولى من فجر الاثنين المقبل.