السيمر / فيينا / السبت 16 . 12 . 2023
عرض / حامد كعيد الجبوري
صدر عام ٢٠٢٣ وعن دار الصادق الثقافية كتاب ( السيد ضايع كريم ال مجدي شخصية اجتماعية حلية.. متعددة المواهب) لمؤلفه السيد عدنان محمد الحسيني، ويقع الكتاب بواقع ٣٠١ صفحة من الحجم الكبير ومعزز بملحق للصور والوثائق.
لم يقسم الكاتب كتابه لفصول بل كانت رؤيته ان يضع جدولا للمحتويات فوقع الكتاب تحت عناوين مختلفة تبدأ من التوطئة وتنتهي بمصادر الكتاب، وكتب توطئة الكتاب التي أجدها الرأي الشخصي للأستاذ شاكر الحلي بحق المغفور له السيد ضايع ال مجدي ، وكل فقرة من المحتويات لها مداليلها بحياة الشهيد الراحل المترجم له.
صدقا أجد ان شخصية الشهيد السيد ضايع تولد عام ١٩١٢ م غرائبية ومن الصعوبة ان تكرر ، وهب الله هذا الرجل ميزات لم تمنح لغيره، تعلم القراءة والكتابة عند ما يسمى (المله)، وبعد أن اتقن القراءة والكتابة بدأ يقتني الكتب وأصبح قارئا له صفحة خاصة عند مكتبة الفرات لصاحبها مهدي السعيد ، كما نقل لي ولده الباحث والمترجم صلاح السعيد، نشأ الرجل رحمه الله على حب الزراعة وما يتعلق بها، ونشأ على حب الناس والبذل لهم بالنصح والعمل والمتابعة، حباه الله جلت عظمته بميزة الشجاعة والقيادة والحكمة والسخاء والذكاء ، حياة هذا الرجل تعد من النوادر وتستحق شخصيته ان تدرس وتدرس، استفاد من بحبوحة العيش وسعة ذات اليد ان ينشأ الكثير من المشاريع التي تخدم اهل قريته ،وبالمقابل تدر عليه ربحا اضافيا لما يكسبه من زراعة بساتينه. أنشأ مطحنة لطحن الحنطة والشعير والغريب انه هو الذي كان يشتري ويجهز وينصب محتوياتها دون الاستعانة بذوي الاختصاص ، وبعد أن اكمل تنصيبها عمد لتعليم بعض الشباب من قريته ولقاء اجر مجزي لإدارة تلك المطحنة، بعد أن اكملت المطحنة وبدأت تعمل ابتكر ان يضع لها مشروعا تكميليا، وبعد أن ابتاع ما يتطلب لمشروعه ووضع ( تربونات ) لإنتاج الطاقة الكهربائية ،وتنصيب أعمدة من جذوع النخيل لتنوير اغلب بيوتات قرية الحصين بالمصابيح الكهربائية، المطحنة ومشروع الكهرباء نهاية عقد الأربعينات من القرن الماضي، وحدد السيد المؤلف العام ١٩٥٠ لتلك المطحنة وما يتعلق بها . وتستمر أعمال هذا الرجل لينشأ مدرسة ابتدائية ومفاتحة مديرية تربية بابل لتعيين الكادر التعليمي بعد أن اكملت صفوف المدرسة. واجد أجمل مشروع عمله الشهيد السيد ضايع هو ( الطبگه) وهي وسيلة عبور بين ضفتي نهر الفرات من قرية الحصين لقبالتها قرية الدبلة والتي هي أقرب لطريق ديوانية حلة المعبد، علما ان قرية الحصين لم تكن تربط للحلة إلا بطريق ترابي لا يمكن أن يستخدم أثناء فترة الشتاء والامطار، فكرة المشروع ترتكز لقواعد فيزيائية حيث يستفيد من قوة تيار الماء لتحريك ( الطبگة ) من ضفة لأخرى .
ومشروع بحيرة الأسماك التي أنشأت على الطريق العام بين الحلة والديوانية يعد من المشاريع السياحية أيضا حيث كانت عوائل الحلة ترتاد البحيرة ايام الأعياد والعطل الرسمية، وهنا بودي التركيز على كيفية حصول الأسماك على الغذاء المعد لها، ومعلوم ان بحيرة الأسماك كانت المشروع الأول لتربية الأسماك في العراق أنشأ من قبل السيد ضايع، ومعلوم أيضا آنذاك لم تك بعد موجودة معامل انتاج العلف البروتيني لها، لذلك ابتكر السيد ضايع انتاج البروتين بطريقته الخاصة، بدأ يجمع فضلات الحيوانات وبخاصة الدجاج ويرمي بتلك الفضلات بغرفة خصصت لذلك ، ومن ثم ترش بالماء وتغطى بأكياس الجوت وتترك ليوم او يومين ومن ثم ترفع الأكياس فتجد ملايين الديدان ملأت تلك الغرفة، فتجمع الديدان مع الفضلات وترمى في الماء كعلف للأسماك. مشاريع الرجل كثيرة جدا آخرها صناعة الطابوق.
لم يقتصر عمل الشهيد السيد ضايع على ما ذكر فهو فلاح اكتسب خبرته فطريا، وبرز كأفضل فلاح ومنتج لأنواع التمور والاعناب في الحلة وكذلك في بقية المحافظات العراقية، شارك في الكثير من المعارض الزراعية وكانت له الأسبقية بذلك. مرة ابتاع جهاز (مكرسكوب) طبي لمتابعة ومعاينة بعض الأشجار التي تصاب بالآفات الزراعية، حسّن وكثّر الأصناف الجيدة من الاعناب والتين وبعض المنتجات الأخرى ، ويعد الرجل اول مبتكر لعملية الترقيد الهوائي ، والتي حصل بموجبها على شهادة دكتوراه فخرية من إحدى الجامعات الأمريكية آنذاك. كان الرجل رحمه الله مُنظما بكل شيء حتى وجد ولده السيد عامر سجلا خاصا لوزن السيد ضايع ، مثلا كان وزنه عام ١٩٦٠ ٦١ كغم، وعنده سجل خاص لتوزيع الهدايا لأصدقائه من محصول العنب والبرتقال والعرموط والتمر. في حياة هذا الرجل الكثير من الطرف التي كانت تحدث في المضيف الذي يجمع فيه اهل قريته، وهنا لابد لي أن أشير إلى موضوعة كتبتها ونشرت حينها في جريدة الصباح العراقية، ذكر السيد عدنان ان المصدر الذي اعتمدته نقل لي خطأ اسم صاحب الأبيات التي هتف بها صبيان القرية بعد أن صادر منهم السيد ضايع (طكاكياتهم)، بل أجد ان المصدر الذي اعتمده السيد عدنان غير موثق جيد بدليل الخطأ في وزن الشعر المنقول ص ٧٩ ( طبينه لمضيفك يبو عامر هام يردم هام)، وهنا ( يبو عامر) زائدة وجودها يخل بالميزان الشعري، وكان المصدر الذي زودني بالمعلومة هو الدكتور السيد حازم السيد سليمان الحلي أطال الله بعمره وهو صديق للمترجم له .
الحديث عن السيد ضايع طويل ونافع ومفرح ، وحسنا فعل السيد عدنان محمد الحسيني هذا التوثيق والجهد الكبير الذي يشكر عليه.
اخيرا بقي علينا أن نقول عن رحيل هذا الرجل الذي يعد من الشخصيات الاجتماعية والوطنية والوجوه الحلية البارزة فقد وجدت رفاته بعد رحيل صنم الدكتاتورية لمزبلة التاريخ مع الكثير من الشباب الذين تم اعدامهم بمعسكر المحاويل ،ودفنوا بمقابر جماعية كبيرة ،وتم التعرف على رفاته بواسطة السكين التي كان يطعّم فيها الأشجار في احد جيوب ملابسه التي كان يرتديها، رحم الله السيد ضايع ويسكنه فسيح الجنان.