السيمر / فيينا / الجمعة 22 . 12 . 2023
لا يزال الجيش الإسرائيلي ماضيا في حربه ضد حركة حماس في قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل 20057 فلسطينيا وجرح 53320 آخرين في آخر حصيلة لوزارة الصحة في غزة الجمعة . وشمالا، كثّف مؤخرا من ضغطه على مقاتلي حزب الله في لبنان، حتى إن وزراء إسرائيليين باتوا يتطرقون بشكل أكثر صراحة إلى احتمال شن هجوم واسع النطاق في هذه الجبهة.
لطالما اعتبرت إسرائيل فتح جبهة ثانية شمالا ضد حزب الله أسوأ سيناريو محتمل منذ بدء الحرب ضد حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
لكن اتساع نطاق الحرب الدامية الجارية في قطاع غزة لتشمل الحدود اللبنانية ضد الجماعة الإسلامية السياسية-العسكرية المؤيدة لإيران، يبقى من أكبر هواجس الدولة العبرية وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة، التي سبق أن أرسلت حاملتي طائرات نشرتهما قبالة سواحل لبنان في محاولة لردع حزب الله.
ومع دخول الحرب بين حماس وإسرائيل شهرها الثالث، أخذ الخطاب في تل أبيب منحى تصعيديا، فيما يسعى الجيش الإسرائيلي لفرض نفسه بشكل متزايد شمالا. ففي 6 ديسمبر/كانون الأول، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي اليميني المتشدد يوآف غالانت أن بلاده مستعدة “لاستخدام كافة الوسائل الضرورية لدفع حزب الله بعيدا عن الحدود”. بدوره، أبدى بيني غانتس، زعيم المعارضة الذي انضم إلى حكومة الحرب، توافقا مع نزعة الصقور اليمينيين، مؤكدا في 16 ديسمبر/كانون الأول أن إسرائيل “ستكون قادرة على صد” الحركة الشيعية الموالية لطهران.
“ضبط النفس رغم الوضع المتوتر”
بالتزامن مع تصاعد نبرة الخطاب المؤيد أكثر من ذي قبل لخيار الحرب، كثّف الجيش الإسرائيلي ضرباته مع إعلانه الأربعاء عن استهداف “مركز قيادة” لحزب الله في جنوب لبنان.
وقُتلت امرأة في الثمانين من عمرها وأصيب زوجها بجروح في قصف إسرائيلي الخميس على قرية حدودية في جنوب لبنان، وفق ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية، بينما أعلن حزب الله شنّ عدد من الهجمات على الدولة العبرية.
يرى عمري برينر، وهو محلل إسرائيلي متخصص في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط بالمجموعة الدولية لدراسات الأمن، بأن “هذه (استهداف مركز القيادة) ليست أول مرة، إلا أنها ليست نوعا من الأهداف التي اعتادت إسرائيل على استهدافها”.
كما يشن حزب الله بشكل يومي قصفا على طول الحدود بين البلدين. يوضح فيليبو ديونيجي المتخصص في حزب الله بجامعة بريستول في إنكلترا: “حاليا، الوضع متوتر فعلا، مع سقوط ضحايا في صفوف الجانبين، رغم أنه أكبر بالنسبة لحزب الله، وهو في ارتفاع مستمر”. يضيف عمري برينر: “لو لم تكن الحرب مشتعلة في الجنوب، فإن تبادل إطلاق النار الحالي على الحدود اللبنانية كان قد أدى إلى اندلاع صراع مفتوح بين إسرائيل وحزب الله”.
يتابع فيليبو ديونيجي أن “كلا المعسكرين يظهران” في الوقت الحالي “قدرا معينا من ضبط النفس عبر رفض اللجوء إلى المزيد من التصعيد”. لكن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين وعمليات الجيش الإسرائيلي على هذه الجبهة، تثير قلقا كبيرا لدى واشنطن. في هذا الإطار، يوضح كلايف جونز، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والإسلامية بجامعة دورهام: “إذا لم تشن إسرائيل حتى الساعة هجوما بريا على مواقع حزب الله في لبنان، فهذا بفعل الضغوط الكبيرة التي يمارسها الحليف الأمريكي”.
من جانبها، قالت راندا سليم مديرة إدارة الصراع في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، لصحيفة “الغارديان” البريطانية، إن أغلب الخبراء الإقليميين متفقون على أن “قرار تحويل هذا الوضع إلى حرب مفتوحة يتوقف بشكل رئيسي على إسرائيل”. في نفس الشأن، يوضح فيليبو ديونيجي: “القوى الدولية الكبرى التي لديها مصالح في المنطقة، الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي، لا تريد أن ترى أزمة إقليمية جديدة تندلع. يخاطر حزب الله كثيرا من ناحية الخسائر وصورته في لبنان إذا ما نُظر إليه على أنه جر البلاد إلى الحرب“. فيما يخص إيران، القوة الوصية على حزب الله، يقول الخبير من جامعة بريستول بأنها “تحبذ شن حرب استنزاف على إسرائيل”.
بدورها، راجعت الدولة العبرية “أولوياتها الأمنية، بما في ذلك جبهة الشمال منذ هجوم حماس على أراضيها في 7 أكتوبر/تشرين الأول “، حسبما يؤكد عمري برينر. كما قررت “نقل حوالي 200 ألف مواطن كانوا يقيمون قرب الحدود اللبنانية بسبب خطر تواجدهم ضمن نطاق نيران حزب الله” وفق كلايف جونز. وتقول السلطات الإسرائيلية لا يمكن لهؤلاء النازحين العودة إلى منازلهم قبل أن يتراجع حزب الله.
“بعض الوقت للدبلوماسية”
يلحظ آهرون بريغمان أستاذ العلوم السياسية ومتخصص في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بمعهد كينغز كوليدج في لندن: “لهذا، ليس أمام إسرائيل سوى خيارين: إما الانسحاب عن طريق التفاوض، أو، في حال فشل ذلك، الانسحاب بالقوة”. يعتقد هذا الخبير بأنه لا يزال أمام الدبلوماسية بعض الوقت للتوصل إلى حل يسمح للجميع بالخروج من عنق الزجاجة.
من جانبه، يقول كلايف جونز: “يشكو الإسرائيليون مثلا من أن حزب الله لم ينسحب قط من شمال نهر الليطاني (30 كيلومترا من الحدود)، بموجب القرار رقم 1701 الصادر عن الأمم المتحدة“. في الواقع، لم تنجح المنظمة الدولية يوما في إجبار حزب الله على احترام هذا النص الذي تم تبنيه في 2006 وكان من المفترض أن يضمن نهاية الأعمال العدائية بينه وبين إسرائيل.
لكن في حقيقة الأمر، سيجد هؤلاء المقاتلين الموالين لإيران صعوبة في القبول بأي انسحاب. يوضح ديونيجي: “لقد أوضحوا فعلا بأنهم لن يتحركوا طالما تستمر الحرب في غزة. ولأنهم خسروا بالفعل حوالي مئة مقاتل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنهم لن ينسحبوا دون الحصول على تعويضات”.
كذلك، ليس من غير المؤكد بأن الحكومة الإسرائيلية مستعدة لتقديم أدنى تنازلات في هذا الشأن. يشرح عمري برينر: “يجب أن نفهم جيدا بأن لدى الجيش الإسرائيلي قناعة بأنه لا يمكن تجنب اندلاع حرب جديدة ضد حزب الله، وأيضا ضد إيران. ربما ليس غدا أو بعد أسبوع، لكن قريبا. وطالما أنه يخوض الحرب فعليا، فمن الأفضل له، في نظره، أن يبادر سريعا بشن الهجوم بدلا من المغامرة بالانتظار وأن يجد نفسه من ثمة في مواجهة عدو إيراني سيصبح حسب الإسرائيليين حتميا قوة نووية قريبا”.
“حرب كارثية على الجميع”
في الواقع، تفضل إسرائيل أن تخوض حربا على جبهتين بدلا من مواجهة عدو مدعوم بقوة نووية. لكن مثل هذه الحرب حسب آهرون بريغمان “ستكون كارثية على الجميع. حزب الله، وصواريخه التي تزيد عن 150 ألف، لديه القدرة على إلحاق أضرار جسيمة بإسرائيل، وللدولة العبرية التي يمكن لها أن تسبب أضرارا رهيبة لبيروت والبنية التحتية اللبنانية”.
إلى جانب ذلك، هناك أيضا التكلفة البشرية وبالتالي السياسية بالنسبة لإسرائيل. يتساءل كلايف جونز: “هل الإسرائيليون مستعدون للقبول بسقوط مزيد من الوفيات، خاصة بين صفوف جنود الاحتياط، حيث إن معظم القوات النظامية منخرطة بالفعل في حرب غزة؟”.
لهذا، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن يدع حزب الله وإسرائيل الباب مفتوحا أمام المفاوضات لأطول فترة ممكنة. كما أن الدولة العبرية تريد أن تثبت لحليفتها الولايات المتحدة، بأن الحرب المفتوحة المحتملة لن تندلع سوى كملاذ أخير.
وسط هذه الظروف، سيواصل الخصمان اللدودان وفق آهرون بريغمان “حربهما منخفضة الحدة مع الاكتفاء بعمليات القصف والغارات الجوية”. في المقابل، يحذر فيليبو ديونيجي من أنه كلما طال أمد هذه الاشتباكات الحدودية “كلما زاد خطر وقوع حادث تجاوز أحد المعسكرين للخط الأحمر للمعسكر الآخر”. يمكن أن يكون التصعيد مثلا أمرا حتميا في حال قتلت إسرائيل مسؤولا في حزب الله في إحدى ضرباتها الجارية ضد أهداف مثل مراكز القيادة.
هذا، وكان حزب الله قد أعلن ليل الأربعاء الخميس عن مقتل أحد مقاتليه بعد غارة إسرائيلية على منزل في قرية مركبا الحدودية. جاء ذلك بعدما كان الحزب الذي خسر حوالي مئة مقاتل في لبنان منذ بداية الحرب، قد أعلن مقتل مقاتلين آخرَين الأربعاء.
وأدى العنف الذي لا يزال محصورا على المناطق الحدودية إلى مقتل أكثر من 140 شخصا، بينهم عشرون مدنيا في لبنان، إضافة إلى مقتل ما لا يقل عن 11 شخصا على الجانب الإسرائيلي.
المصدر / فرانس 24