فيينا / الثلاثاء 23. 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
إيهاب عنان سنجاري
عملٌ أدبيّ يتجاوز الحدود التقليدية للرواية إلى فضاء الفلسفة والوجودية ، يحاول استكشاف العلاقة بين الإنسان والعالم من حوله من خلال سردية تتمركز حول شخصيات تحاول العثور على معنى لوجودها في سياق تاريخي واجتماعي وسياسي معقد ، نجد كل هذا الضوء في رواية “الحيوان وأنا” للكاتب العراقي أمجد توفيق في عام 2023 عن دار الشؤون الثقافية العراقية العامة ذات الـ 144 صفحة .
تبدأ الرواية بصيغة ضمير المتكلم، مما يخلق علاقة وثيقة بين السارد والقارئ، حيث ينغمس القارئ في عالم السارد ويشاركه تجربته الشخصية. هذه التقنية السردية ليست مجرد اختيار أسلوبي، بل هي جزء من استراتيجية أعمق تهدف إلى تقليص المسافة بين الواقع والمتخيل، بين الذات والآخر.
يمثل السارد دانيال علي موسى الشخصية المحورية في الرواية، والتي من خلالها يستعرض توفيق قضايا الإنسان المعاصر. دانيال، الذي يعزل نفسه في مزرعة بعد أن فقد شريكة حياته، يحاول الهروب من واقع يملؤه العنف والخداع والتهميش. هذه العزلة الذاتية ليست مجرد هروب، بل هي محاولة لإعادة اكتشاف الذات والعودة إلى جوهر الإنسان البسيط والأصيل.
تعالج الرواية سؤالاً وجودياً عميقاً: ما هو طريق العودة إلى الذات الأصيلة؟ هل يمكن للإنسان أن يتحرر من الشوائب التي علقت به نتيجة الحروب والصراعات؟ من خلال سردية دانيال، الذي يختار الحياة مع الحيوانات في المزرعة، يسعى توفيق إلى تسليط الضوء على الفطرة الإنسانية النقية قبل أن تتلوث بالعنف والخداع.
إن اختيار توفيق للحيوانات كرموز في الرواية يحمل دلالات فلسفية عميقة. فالحيوان هنا يمثل البراءة والنقاء، وهو على النقيض من الإنسان الذي بات يحمل سمات الخداع والخذلان نتيجة التاريخ الطويل من الحروب والصراعات. تسعى الرواية إلى استعادة هذه البراءة من خلال العلاقة الحميمة بين دانيال وحيواناته.
تتميز الرواية بأسلوب سردي متداخل يعكس تعقيد الواقع الذي تعيشه الشخصيات. يستخدم توفيق تكرار الضمائر والأصوات الداخلية ليبرز الصراع الداخلي للشخصيات ومحاولاتها المستمرة للعثور على معنى لحياتها. هذه التقنية السردية تعزز من عمق الرواية وتضيف بعداً فلسفياً يعكس رؤية توفيق للعالم.
تتعرض الرواية لقضايا الهوية والانتماء من خلال تجربة دانيال مع الاحتلال الأمريكي للعراق. تنقل الرواية إحساس الشخصيات بالانفصال عن الواقع والحاجة إلى الهروب إلى مكان يمكنهم فيه إعادة اكتشاف أنفسهم بعيداً عن الفوضى والعنف. هذا الإحساس بالانفصال يعكس أيضاً شعور الإنسان المعاصر بالضياع والبحث عن معنى في عالم مضطرب.
إن رواية “الحيوان وأنا” تمثل إضافة هامة للأدب العربي المعاصر، حيث تجمع بين السرد الأدبي العميق والرؤية الفلسفية الناضجة. من خلال قصة دانيال علي موسى، يسعى أمجد توفيق إلى استكشاف جوهر الإنسان والعلاقة بين الذات والعالم. تطرح الرواية أسئلة وجودية حول الهوية والانتماء، وتدعو القارئ للتأمل في معاني الحياة والبحث عن النقاء الداخلي في عالم مليء بالتحديات والصراعات.
“الحيوان وأنا” ليست مجرد رواية، بل هي رحلة فلسفية في أعماق الذات البشرية، تستحق أن تُقرأ وتُناقش في المحافل الأدبية والفكرية ، وكاتبها ليس مجرد كاتب روائي، بل هو فيلسوف يطرح أسئلة جوهرية حول الوجود والمعنى، ما جعل أعماله محط اهتمام النقاد والأدباء على مستوى العالم.