فيينا / الثلاثاء 23. 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
بمناسبة عودة الألعاب الأولمبية إلى باريس بعد مرور قرن، إثر تنظيمها نسختي 1900 و1924، تم إدخال التمثال الشمعي لبيار دو كوبرتان إلى متحف غريفين الشهير في حزيران/يونيو 2024. لكن عائلة مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة رأت أن اللجنة المنظمة لألعاب 2024 لم تقدم الكثير للبارون الفرنسي. فمن كان هذا الأرستقراطي الذي يعتبره البعض إنسانيًا وصاحب رؤية، فيما يصفه البعض الآخر بأنه رجعي ومتحيز ضد النساء؟
يعتبر البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان مؤسسالألعاب الأولمبية الحديثة. ففي 23 تشرين الأول/أكتوبر 1894، وفي جامعة السوربون الواقعة بما يسمى “الحي اللاتيني” في باريس، اعتمد دو كوبرتان مبدأ إحياء الألعاب القديمة، التي كانت قد أُلغيت في نهاية القرن الرابع بعد الميلاد، ابتداء من 1896 بمدينتها الأم العاصمة اليونانية أثينا، ولكن بإدخال بعض الرياضات الحديثة. ورغم اجتهاد اليونانيين لاستضافة الأولمبياد إلى الأبد، إلا أنه قاوم حتى تمكن من فرض نقل الألعاب من بلد إلى آخر كما هو الحال اليوم.
يشهد التاريخ بأنه الرجل الذي ربط الألعاب الأولمبية بالحركة الدولية من أجل السلام، ووضع قيم الألعاب الشهيرة مثل احترام المنافس والولاء والعالمية، وكلها مستمدة جزئيا من قيم الأرستقراطية في زمنه.
وقد بدأ وعيه الرياضي في سن صغيرة عندما أطلق حملة رياضية في المدارس، مستندا إلى نموذجٍ جذب انتباهه في إنكلترا. لكن في فرنسا، حيث كانت النشاطات البدنية محتقرة إلى حدٍ كبير من قبل الطبقة الفكرية، فشل في تحقيق أهدافه. عندها تصور فكرة عرض إعادة إحياء الألعاب الأولمبية القديمة.
أصبح بيار دو كوبرتان رئيسا للجنة الأولمبية الدولية وظل يعرف بأساليبه الاستبدادية حتى ترك المنصب بعد أولمبياد باريس الثانية في 1924، وكانت العاصمة الفرنسية قد نظمت ألعاب 1900 لكنها مرت من دون أن تلفت الانتباه.
الجسد في سويسرا والقلب في اليونان
عند وفاته في ديسمبر/كانون الأول 1937 عن 73 عاما، ترك هذا الشخص المتناقض والمثير للجدل وصية مدهشة، إذ طلب أن يُدفن جسده في مدينة لوزان السويسرية ونقل قلبه إلى أولمبيا حيث موقع الألعاب القديمة. وُضع القلب في نصب تذكاري لكي يتسنى لعشاق الألعاب الأولمبية أن يأتوا لتكريم أب الألعاب الأولمبية الحديثة.
وبمناسبة عودة الألعاب الأولمبية إلى مدينته باريس، تم إدخال تمثاله الشمعي إلى متحف غريفين الشهير في حزيران/يونيو 2024، إلا أن ديان دو نافاسيل الحفيدة الكبرى للبارون رأت بأن اللجنة المنظمة “لم تقدم الكثير لبيار دو كوبرتان”، لا لتعزيز مكانته أو لتعريف الناس به”، كما أسرت لوكالة الأنباء الفرنسية.
الحقيقة أن الإرث الرياضي والسياسي للرجل الأرستقراطي المولود عام 1863 والذي كان مشبعا بقيم زمنه وبيئته، لم يحظ أبدا بالإجماع، لا في فرنسا ولا خارجها. وظل السؤال مطروحا بشأنه: هل كان صاحب رؤية أم كان متحيزا ضد النساء؟ هل كان إنسانيا أم رجعيا؟
لم يكن “سابقا لعصره، ولم يكن تقدميا أبدا”
بالنسبة إلى المؤرخ الرياضي باتريك كلاستر، لم يكن البارون “سابقا لعصره، ولم يكن تقدميا أبدا، وفي بعض المواضيع كان رجعيا، أو على الأقل محافظاً”.
ماذا كتب عن النساء، اللواتي لم يكن يرغب في رؤيتهن في الملاعب؟ “نعتقد بأن الألعاب الأولمبية يجب أن تخصص حصرا للرجال”، وتابع: “أولمبياد صغير للسيدات بجانب الأولمبياد الكبير للرجال. أين سيكون الاهتمام؟ (…) غير مثير للاهتمام، غير جمالي، ولا نخشى أن نضيف: غير صحيح، هذا ما سيكون عليه هذا الأولمبياد نصف النسائي”.
وهل هذا غير مقبول؟ ليس في زمنه، تؤكد حفيدته، مشيرة أنه “في عام 1920، لم يكن للنساء حق التصويت، وكن خاضعات لأزواجهنّ، ولم يكن لديهن أي استقلالية مالية، وكن مضطرات لارتداء الفساتين والمشدات، وكان الأطباء يؤكدون أن الرياضة قد تمنعهن من الإنجاب. قبولهن في الألعاب لم يكن أمرا بديهيا”.
ما قصته مع هتلر؟
وماذا عن حديثه عن “الأعراق الأدنى” وإعجابه بتنظيم أدولف هتلر ألعاب برلين 1936 (كان حينها رئيسا فخريا للجنة الأولمبية الدولية)؟ رد يومها متسائلا: “كيف تريدونني أن أتبرأ من هذا الاحتفال؟”. واعتبر كاتب سيرته دانيال بيرمون أن البارون توفي “في وقت مبكر جدا ليكون جزءا من الخزي، ولكن متأخرا جدا ليُعفى من التواطؤ الشديد”. وقد توفي دو كوبرتان بعد عام من الألعاب.
أما حفيدته دو نافاسيل، فأقرت: “ما أثار حماسه هو رؤية بلد [ألمانيا] يستخدم وسائل استثنائية لاستضافة الألعاب الأولمبية لأول مرة، وبناء أكبر ملعب لألعاب القوى في ذلك الوقت. هذا ما يراه [دو كوبرتان] تتويجًا لعمل حياته. لذا نعم، كان سعيداً ومندهشا بذلك”.
وكان النظام النازي يحاول استمالته بتنظيم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، واقترح هتلر حتى إرسال قطار خاص له لإعادته من جنيف، حيث كان يقيم، إلى برلين. لكن من دون جدوى، فقد رفض دو كوبرتان هذا الأمر.
مع أ ف ب