فيينا / الخميس 22. 08 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
“هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة، أو شعب، أو مجتمع، أو عرق”، بهذه العبارة ينطلق الفيلم الهندي “حياة الماعز” الذي يعرض على منصة “نتفليكس”، ويحكي “قصة حقيقية” لعامل هندي يدعى “نجيب” وصل مطلع التسعينيات إلى السعودية، ليجد نفسه تحت رحمة “كفيل” وهمي، أودى به إلى الصحراء، في رحلة استعباد وظروف غير إنسانية للعيش امتدت لـ 3 أعوام قبل الهرب.
بتلك العبارة الافتتاحية، حاول صناع الفيلم والقيمون عليه، تفادي ما حصل فعلاً، ويبدو كان متوقعا، من ضجة وانزعاج كبيرين لدى الجمهور الخليجي بشكل عام، والسعودي بصورة خاصة، بعدما شكل العمل السينمائي منطلقاً لمهاجمة نظام الكفالة القائم في السعودية للعمالة الأجنبية، وما يتيحه من تجاوزات تمس بحقوق العامل وحقوق الإنسان الرئيسية، كانت على مدى عقود ماضية موضع انتقاد وتصويب منظمات إنسانية وجهات حقوقية دولية.
ووصل تأثير الفيلم إلى حد إثارة انتقادات سياسية للمملكة، التي تسعى جاهدة خلال السنوات الماضية لتحسين صورتها أمام العالم، وإبراز التغييرات الجوهرية التي تشهدها في سياق “رؤية 2030” على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.
جدل كبير شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية وبعض الدول العربية، لاسيما الخليجية، بين مناصرين للفيلم ورسالته، مؤكدين على ما يحمله من تصوير لواقع العمال الأجانب ومساوئ نظام الكفالة في السعودية، وبين من يرون في الفيلم قصة خيالية غير واقعية، تحمل مؤامرة تهدف لتشويه صورة السعودية، ومطيّة لمهاجمتها في وقت حساس تستعد فيه لاستقبال فعاليات عالمية، أبرزها كأس العالم للعام 2034.
قصة الفيلم
“حياة الماعز” وبالإنجليزية “The Goat Life”، و “أدوجيفيثام” باللغة المالايامية، التي يتحدثها سكان ولاية كيرلا في الهند حيث ينحدر بطل القصة، هو اسم الفيلم المنبثق عن رواية للكاتب الهندي بنجامين، نشرت بعنوان “أيّام الماعز” عام 2008 وتصدرت الأكثر مبيعاً حينها، تحكي قصة حقيقيّة حدثت عام 1991، حيث نجح الشاب الهندي “نجيب”، بطل الفيلم، في الحصول على فرصة عمل في السعودية كلفته 650 دولارًا، بعدما باع كل ما يملكه، ليصل إلى المملكة، وتتبدّد كل أماله، حين تعرض للخداع من رجل ادعى أنه كفيله عند وصوله إلى المطار، نقله إلى الصحراء واحتجزه هناك ليرعى الماعز والأغنام في ظروف قاسية غير إنسانية لمدة 3 سنوات، قبل رحلة هروبه.
يصور الفيلم على مدى 3 ساعات، كيف انعكس ما حصل مع “نجيب” على وضعه النفسي والذهني والجسدي، وكيف حولته التجربة المريرة إلى إنسان جديد مهشّم معنف، يعجز حتى عن التعرف على نفسه في المرآة.
يجسد الفيلم مساوئ نظام الكفالة السعودي الذي كان قائما، وكيف جعل العمال الأجانب، لاسيما الأكثر ضعفاً، تحت رحمة “الكفيل” الذي سمح له القانون التحكم بكافة جوانب حياته، من المأكل والمشرب والمسكن، وحتى الحق في التنقل والسفر والانتقال في العمل، وهو ما يمثل انتهاكاً متعدد الجوانب لأبسط حقوق الإنسان والعامل.
وقد سجل الفيلم، من إخراج الهندي بليسي إيبي توماس، نجاحاً كبيراً مع عرضه ونال استحسان النقاد، حيث تصدر قائمة الأكثر مشاهدة في العديد من دول العالم، لاسيما العربية منها، وحصد في الهند 5 جوائز في مهرجان “كرييتف كريتكس” السينمائي في جنوب الهند، حيث نال جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل ممثل دور أول، وجائزة أفضل موسيقى، وجائزة أفضل هندسة صوت، وجائزة أفضل مخرج.
لم تثر الضجة الأكبر حوله مع بداية عرضه في مارس، ولا مع إتاحته على منصة نتفليكس في يوليو الماضي، إلا أن صدور الترجمة العربية له في أغسطس الجاري، رفع من نسب مشاهدته في الدول العربية، وأطلق العنان لردود أفعال أوسع، جعلت الفيلم حديث مواقع التواصل الاجتماعي في الخليج العربي على مدى الأيام الماضية.
وبالإضافة إلى نظام الكفالة السعودي، أثار الفيلم انتقادات واسعة لناحية ما وصف بالإساءة للعرب بشكل عام، ولشخصية الرجل البدوي السعودي، الذي تم تصويره على أنه “جشع قاس، بخيل ومحتال وقذر”، حيث يصف “نجيب” كفيله، الذي أدى دوره الممثل العماني طالب البلوشي، في إحدى المشاهد على أنه رجل “لم يلمس الماء جسده منذ سنوات، نتن يستحم ببوله وعرقه”، وهو ما وصف بأنه تنميط مسيء للبدو والعرب بشكل عام، وأثار انتقادات للبلوشي نفسه ولقبوله “الدور المسيء”.
مشاهد الفيلم الهندي، والتي جرى تصويرها بين الأردن والجزائر والهند بشكل أساسي، واستغرق تصويره نحو 5 أعوام، حملت بدورها بحسب الانتقادات، “التنميط المعهود” للدول العربية وطبيعتها والمشاهد المتوقعة منها، والتي لطالما أثارت من قبل انتقادات لشركات إنتاج الأفلام السينمائية العالمية، لاسيما “هوليوود”، ما أوقع الفيلم بحسب الانتقادات “في فخ التعميم والتحيز”.
“من نسج الخيال”
فيلم من هذا المستوى مقدم على أنه “قصة حقيقية”، كان يفترض وفقاً لما يقول الناقد الفني السعودي ورئيس قسم الفن والثقافة في جريدة الرياض، عبد الرحمن الناصر، أن يكون “واقعياً أكثر، وليس من نسج الخيال.”
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يوضح الناصر أن هذا الفيلم الذي يحكي قصة وقعت قبل 33 عاماً، لم يراع الواقع الذي يدركه جميع السعوديين، لناحية نظام الجوازات والعمالة في السعودية في حينها، والذي كان واضحاً جداً فيما يتعلق بالكفيل والمكفول للعمالة بشكل عام.
حيث “لم يكن ممكنا بأي حال من الأحوال”، وفق الناصر، أن يخرج العامل الوافد من المطار في السعودية، بدون كفيله الرسمي، وبدون توقيعه على التزامات تحمي الطرفين، “هذا النظام قديم جدا ومعمول به منذ ما قبل ذلك التاريخ.”
نعرف أننا كلما ارتفعنا، كلما توسعت عين الحاسد وحاول تشويه صورتنا الجميلة بالعالم
قصة #حياه_الماعز من تأثير الخيال القذر، منتج وقع في مصيدة ان النظام في المطار، لايقبل، حينها بدخول أي عامل لديه فيزة، الا بإجراءات نظامية من الكفيل.!
اضافة للاخطاء الفنية الجسيمة والمشوهة للمملكة.! pic.twitter.com/CzvepISnQI— عبدالرحمن الناصر (@alnaser34) August 22, 2024
وعليه يرى الناقد الفني السعودي أن قصة الفيلم بنيت على “جهل من القيمين بماهية الأنظمة في السعودية، حيث لم يدرسوا الواقع بما فيه الكفاية ليعكسوه في الفيلم المقدم كقصة حقيقية، وهو ما أدى إلى أخطاء جسيمة جداًِ أنتجت هذه البلبلة، وعكست نيّة لتشويه صورة المملكة.”
بالإضافة إلى ما سبق، يعدد الناصر أخطاءً كثيرة وردت في الفيلم، من بينها مشهد دخول أحد المفتشين السعوديين وقيامه بضرب أحد العمال، “وهذا ما لا يمكن أن يحصل في السعودية لا من قبل ولا الآن، خاصة وأن السعودية واضحة في رعايتها للمواطنين والمقيمين على حد سواء ولا تفرق بينهما، وهذه سياسة عميقة جدا ومعتمدة في السعودية نتيجة وعي المسؤولين لكون هذه العمالة الأجنبية تساهم وتساعد في صناعة مستقبل هذه الدولة، لذا فإنها تضع القوانين التي تحدد حقوق العاملين وتحميهم كما تحمي المواطن.”
هذه القصة “لم ولن تحصل في السعودية”، بحسب ما يؤكد الناصر، والذي يعتبر أن الصورة المقدمة في الفيلم للمواطن السعودي وأهل البادية السعودية والرجل البدوي، “تناقض المعروف عنه من أصالة وكرم وعطاء.”
ويلفت الناصر إلى أن الفيلم الذي أتى ضمن فئة “القصة الأصلية”، وهي الفئة المفضلة في المهرجانات السينمائية وحظوظها الأعلى في تصدر المراتب وتحقيق الأرقام القياسية في نسب المشاهدة والعرض في دور السينما، “ولكن هذه الفئة يكون فيها الحرص كبيرا على ملاءمة الحقيقة، بعكس هذا الفيلم الذي ناقض الواقع السعودي، فشوه الصورة الحقيقية للسعودية والخليج وبالغ في التصوير التنميطي والخيالي.”
لماذا الآن؟
من جهته، يرى الكاتب والناقد الفني السعودي أحمد البن حمضة، أن الجدل القائم حول الفيلم، لا يقتصر فقط على جمهور يدافع عن نفسه أو صوره بلده ضد رواية الفيلم، “ولكن هناك أيضاً جهات معيّنة أخذت الفيلم إلى سياقات أخرى، لتقدمه وكأنه “يعري السعودية” والخليج بشكل عام، فبات الفيلم مطية لمن يريد مهاجمة السعودية.”
يحمل الفيلم بحسب الناقد الفني “إساءة واضحة لا لبس فيها للسعودية وشعبها وللخليج، إن كان عبر الحوارات الواردة فيه خاصة مع بداية الفيلم، أو من خلال المشاهد النمطية المصورة، كذلك في الخاتمة حيث كان هناك رسالة “زادت الطين بلة”، وفحواها أن هذا الفيلم لا يهدف إلى تقديم قصة البطل فقط، وإنما قالوا إنه موجه لكل شخص “ضاع في صحراء الخليج” بشكل عام، وهو ما يوحي أن صحراء الخليج أو السعودية تبتلع العمال الأجانب.”
الإشكالية ليست بالكلام عن الأمر، وفقاً للكاتب والناقد السعودي، تكمن في “من يتكلم عن الأمر، هل هو مخول أن يتحدث؟” مضيفاً أنه وإذا ما كان هناك حساسية لدى الجمهور الخليجي تجاه هذا النوع من الأفلام، فإنها ناجمة عن كونها تعزز الصورة النمطية والإساءة المستمرة التي عادة ما تقدمها السينما الغربية وحتى الهندية في تصويرها للعرب وبلادهم وسلوكهم.
إلا أن الفيلم لم يكن التماس الأول للجمهور السعودي، مع القصة الأصلية للرجل الهندي، حيث كانت ولا تزال الرواية المكتوبة عام 2008 متوفرة ومتاحة في السوق السعودية، وبالتالي لم يكن هناك مشكلة مع الرواية نفسها، بحسب ما يؤكد البن حمضة لموقع “الحرة”.
ويعيد الناصر، وهو مستشار الاتحاد العام للفنانين العرب، سبب عدم إثارة الرواية المكتوبة منذ سنوات لتلك الضجة، إلى واقع أن للروايات روادها المخمليين، حيث لا تأخذ الانتشار الواسع في الأوساط الشعبية كما هو حال الأفلام والسينما، وبالتالي لم تبرز القصة وتنتشر بهذا الشكل كما في الفيلم، ولم يناولها الإعلام الجديد ووسائل التواصل كما هو حاصل الآن.
ويضيف أن هناك الكثير من الكتب التي تنشر وتسوق في السعودية، خاصة الآن، “حيث تعيش المملكة حقبة مختلفة تنظر إلى المستقبل بعين مشرقة وانفتاح وتشهد تطوراً كبيرا وسريعاً على أصعدة مختلفة من بينها الصعيد الفني والثقافي والترفيهي والعمراني والسياحي، بحيث باتت تزاحم العالم المتقدم، وبالتالي تفسح المجال أمام العديد من الأعمال والانتاجات الثقافية والفنية ومن بينها روايات عديدة مثل رواية هذا الفيلم.”
ما علاقة كأس العالم؟
في المقابل يحسم الناصر أن هذا الفيلم “وجد ليشوه سمعة السعودية في الماضي والحاضر”، خاصة وأنه يأتي في وقت تشهد السعودية اندفاعة وانطلاقة كبيرة في مختلف المجالات، “اليوم نشهد في السعودية كأس العالم للألعاب الإلكترونية وسنشهد أولمبياد الألعاب الإلكترونية، وبطولة آسيا، وكأس العالم 2034، وبالتالي أرى أن كل ذلك مرتبط وليس من فراغ، لأننا بلاد بات لديها رؤية مستقبلية تزاحم الدول المتقدمة.”
ويشدد الناقد الفني أن صورة السعودية الإيجابية أمام العالم اليوم “أوضح، وليس من السهل والبسيط تشويهها، ففي مقابل هذا الفيلم الواحد الذي يحكي قصة شخص واحد، هناك الملايين من الجاليات الذين يعيشون ويعملون في السعودية ونتشارك معهم حياتنا في هذه البلاد، حتى أن بعضهم يحب ويحترم السعودية أكثر من أوطانهم الأم.”
فوز السعودية في استضافة فعاليات كأس العالم لعام 2034، حوّل أنظار المهتمين بواقع العمال، ولاسيما العمالة الأجنبية، من دولة قطر التي كانت المضيف الماضي وتعرضت لانتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية بشأن واقع العمال الأجانب بعد تسجيل نسب وفيات عالية في صفوفهم نتيجة ظروف العمل القاسية، إلى السعودية التي ستكون المضيف المستقبلي، لاسيما وأن الفيفا تلتزم بقواعد وشروط تتعلق بالعناية الواجبة بشأن حقوق الانسان والعمل.
وكانت الفيفا تعرضت لانتقادات واسعة في السنوات الماضية، آخرها بعد قرارها منح السعودية استضافة كأس العالم 2034، حيث قالت مينكي ووردن، مديرة المبادرات العالمية في هيومن رايتس ووتش في بيان: “بعد أقل من عام على كوارث حقوق الإنسان في كأس العالم قطر 2022، لم تتعلم الفيفا الدرس في أن منح حق استضافة فعاليات بمليارات الدولارات، دون بذل العناية الواجبة ودون شفافية، يمكن أن يؤدي إلى الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.”
وكان “الاتحاد الدولي لعمال البناء والأخشاب” الذي يضم 12 مليون عضو، قد قدم شكوى في 5 يونيو، قبيل إعلان الفيفا لقرارها بشأن استضافة كأس العالم 2034، بشأن ظروف العمل والمعيشة الاستغلالية التي تمس القوى العاملة الوافدة الهائلة، التي يبلغ قوامها أكثر من 13.4 مليون عامل، ذلك بموجب المادة 24 من دستور منظمة العمل الدولية.
الشكوى سلطت الضوء على سرقة الأجور المتفشية. وكشف استطلاع أجراه الاتحاد شمل 193 عاملا مهاجرا مُدرجين في الشكوى عدم قدرة 63 في المئة منهم على الاستقالة بحرية مع إشعار معقول أو المغادرة بعد انتهاء عقودهم.
بالإضافة إلى ذلك، 85% من العمال المدينين لا يمكنهم ترك وظائفهم بحرية، ويعجز 65% منهم عن حيازة وثائقهم (مثل جوازات السفر)، ويفيد 46% أن أصحاب العمل يؤخّرون أجورهم أو يحجبونها لإجبارهم على البقاء.
لاحقاً قالت “هيومن رايتس ووتش” إن “الفيفا” انتهكت قواعدها الخاصة بحقوق الإنسان في إعلانها لخطة استضافة بطولتي كأس العالم المقبلتين للرجال، التي تلغي عمليا الترشح التنافسي، والعناية الواجبة لحقوق الإنسان”.
وأضافت ووردن أن “منح الفيفا السعودية حق تنظيم كأس العالم 2034، رغم سجلها الحقوقي المروع، وإغلاق الباب أمام أي رقابة، يكشف أن التزامات الفيفا بحقوق الإنسان مجرد خدعة”.
وتنص “سياسة الفيفا لحقوق الإنسان“، التي اعتُمدت عام 2017، على مسؤولية الفيفا في تحديد ومعالجة الآثار السلبية لعملياتها على حقوق الإنسان، بما فيه اتخاذ التدابير المناسبة لمنع انتهاكات حقوق الإنسان وتخفيفها.
وتنص المادة 7 من سياسة الفيفا لحقوق الإنسان على “تعامل الفيفا بشكل بناء مع السلطات المعنية وأصحاب المصلحة الآخرين، وبذل كل جهد ممكن لدعم مسؤولياتها الدولية في حقوق الإنسان”، على أن يشمل ذلك استشارة مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، بما فيه الفئات المتضررة المحتملة، ومراقبي حقوق الإنسان المحليين، والرياضيين، والمشجعين، والعمال الوافدين، والنقابات، قبل اتخاذ قرارات الاستضافة الرئيسية.
هل يعكس الفيلم الواقع الحالي؟
يراهن المعجبون بالفيلم الجديد على التأثيرات التي قد يتركها على نظام الكفالة في السعوديّة، لناحية تحسينه بعدما جعله الفيلم محط أنظار ومراقبة عالمية، ويأملون أن يلعب دوراً في تمرير مطالب العمّال الأجانب في السعوديّة، وطموحاتهم لظروف العمل، وهو ما يطرح تساؤلات حول الواقع الحالي للعمالة الأجنبية في السعودية.
وبحسب “هيومن رايتس واتش” يستغل الكثير من أصحاب العمل في السعودية السيطرة التي يمنحهم إياها نظام الكفالة، لاحتجاز جوازات سفر العمال، وإجبارهم على العمل لساعات طويلة، وحرمانهم من الأجور، وعلى وجه الخصووص العاملات المنزليات الوافدات، “قد يُحبَسن في منازل أصحاب العمل، وقد يتعرضن للاعتداء الجسدي والجنسي.”
كما أدى نظام الكفالة أيضاً، وفق المنظمة، إلى وجود مئات الآلاف من العمال دون وثائق رسمية، “حيث يمكن لأصحاب العمل إكراه الناس على بلوغ هذه الحالة، ويمكن أن يصبح العمال الذين يهربون من الإساءات بدون وثائق.”
الجدل الذي أثاره الفيلم، دفع العديد من العمال الأجانب في السعودية إلى التعبير عن واقعهم المختلف عما صوره الفيلم، من بينهم عمال هنود وآسيويين وعرب، نفوا خلاله الصورة النمطية التي قدمها الفيلم ونقلوا مشهدية مختلفة تماماً عن السردية السينمائية.
إلا أن مؤشر “الرق العالمي” لعام 2023 الذي نشرته منظمة “ووك فري” أظهر أن كوريا الشمالية وموريتانيا وإريتريا سجلت أعلى مستويات للعبودية في العالم، فيما جاءت دول عربية أخرى، على غرار السعودية والإمارات والكويت في طليعة التصنيف بسبب اتباع هذه الدول “نظام الكفالة” الذي يقيد حريات العمال الأجانب وخادمات المنازل.
وكانت السعودية قد أعلنت في أكتوبر 2020 عن إصلاحات في نظام الكفالة الذي يربط الوضع القانوني لملايين العمّال الوافدين بكفلاء مستقلّين، وهو ما سهّل الانتهاكات والاستغلال، بما في ذلك العمل القسري، بحسب تقارير حقوقية.
ورغم دخول هذه الإصلاحات حيز التنفيذ في مارس 2021، حيث حملت إصلاحات تتعلق بالحالات التي يمكن فيها للعامل الأجنبي أن يغيّر صاحب عمله أو يغادر البلاد، ما اعتبرته “هيومن رايتس” تغييرات صغيرة لعنصرَيْن “من أكثر العناصر إساءة في نظام الكفالة”، إلا أن الانتقادات استمرت رغم أن الإصلاحات قدمت وكأنها “إلغاء لنظام الكفالة” التقليدي، إلا أن تلك الإصلاحات استثنت حينها فئات عدة من العمال، على رأسهم العاملات المنزليات، اللواتي وثقت منظمات حقوقية عدة معاناتهم في تقارير خاصة.
في حينها قالت هيومن رايتس أن قياس إلغاء السعودية فعليا لنظام الكفالة يرتكز على إنهاء خمسة عناصر رئيسية تمنح أصحاب العمل السيطرة على حياة العمال الوافدين:
• إلزام العامل الوافد بأن يكون لديه صاحب عمل يكون كفيله لدخول البلاد.
• السلطة التي لدى أصحاب العمال لتأمين وتجديد تصاريح إقامة وعمل العمال الوافدين – وقدرتهم على إلغاء هذه التصاريح في أي وقت.
• اشتراط حصول العمال على موافقة أصحاب العمل لترك وظائفهم أو تغييرها.
• جريمة “الهروب”، والتي بموجبها يمكن لأصحاب العمل الإبلاغ عن اختفاء العامل، مما يعني أن العامل يصبح تلقائيا بدون وثائق، ويمكن اعتقاله، وسجنه، وترحيله.
• اشتراط حصول الوافدين على موافقة صاحب العمل لمغادرة البلاد في صيغة تصريح خروج.
الإصلاحات التي أدرجت على القوانين السعودية في السنوات الماضية جاءت في سياق مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية”، المدرجة ضمن برنامج التحول الوطني 2020، المنبثق من رؤية 2030، شملت حرية التنقل الوظيفي، وحرية الخروج والعودة، وحرية الخروج النهائي، وفي إعلان حديث كشفت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، عن استفادة نحو مليون عامل من المبادرة.
استفادة العمال من هذه الإصلاحات لا زالت تخضع لضوابط خاصة حيث تختص المبادرة بالعمالة المهنية الخاضعة لنظام العمل، ومن شروط الاستفادة منها أن يكون العامل قد أكمل 12 شهراً لدى صاحب العمل الحالي، في أول دخول له المملكة، وأن يكون العامل على رأس العمل.
وفي أبريل 2024 أعلنت وزارة الموارد البشرية السعودية، عن مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية للعمالة المنزلية التي تنظم إجراءات إنهاء عقد العمل من طرف واحد في حال انقطاع العامل المنزلي عنه.
وأوضحت الوزارة أن المبادرة تأتي ضمن مساعيها المستمرة لمراجعة تنظيمات سوق العمل، وتعزيز جودة قطاع الاستقدام، والسياسات المتعلّقة بالعمالة المنزلية، وتماشياً مع استراتيجيتها للسوق الهادفة إلى زيادة جاذبيتها ومرونتها، وتحسين العلاقة التعاقدية بين العاملين وأصحاب العمل، وحفظ حقوق جميع الأطراف.
وتُقدم المبادرة خدمتين رئيستين، هي “إنهاء العقد بسبب الانقطاع عن العمل”، و”التنقل العمالي”، وتشمل جميع العمالة المنزلية ضمن ضوابط محددة تراعي حقوق طرفي العلاقة التعاقدية.
مع ذلك وفي يونيو 2024، أصدت منظمتا “قسط” و”هيومن رايتس” بياناً مشتركاً طالب بالاهتمام العاجل واتخاذ إجراءات فورية بشأن الوضع الذي يواجهه العمال المهاجرين في المملكة، وخاصة عمّال البناء والعمّال المنزليين، بالإضافة إلى عمليّات قتل المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود اليمنيّة السعوديّة على أيدي حرس الحدود السعوديّين.
وأضافت المنظّمتان أنّ السلطات السعوديّة تستخدم “المشاريع الضخمة” مثل مشروع مدينة نيوم العملاقة ومحاولتها استضافة كأس العالم 2034 لكرة القدم لصرف الانتباه عن الانتقادات الموجّهة لسجل البلاد الحقوقي ولتجميل صورتها “كدولة ترتكب انتهاكات متفشّية.”
وبحسب البيان، لا يزال العمّال في السعودية عرضة لانتهاكات “واسعة النطاق” تشمل استبدال العقود، ورسوم توظيف باهظة، وعدم دفع الأجور، ومصادرة جوازات السفر من قبل أصحاب العمل، والسخرة.
كما تواصل السعوديّة استخدام حظر العمل في الهواء الطلق في منتصف النهار بناءً على التقويم كإجراء رئيسي للوقاية من الحرّ على الرغم من ورود أدلّة تفيد بعدم فعاليّته في حماية العمّال، بحسب البيان.
وعند وفاة العمّال في السعودية، تؤكد المنظمتان أنه “لا يتم التحقيق في وفاتهم بشكل صحيح، ولا يتم تعويض العائلات الحزينة، حيث يتم تصنيف معظم الوفيّات على أنها غير مرتبطة بالعمل. كما وردت تقارير متكرّرة عن عدم دفع الرواتب لشهور متواصلة.”
ودعت المنظمتان السلطات السعوديّة اتخاذ الإجراءات التاليّة:
• تفكيك نظام الكفالة، بما في ذلك إلغاء شرط حصول العمّال على تصريح خروج قبل مغادرة البلاد.
• مواءمة التشريعات السعوديّة الخاصّة بالعمّال المنزليّين مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحق في حريّة التنقّل.
• إلزام الشركات التي تفكّر في ممارسة الأعمال التجاريّة في السعوديّة بإجراء تقييمات عناية واجبة قويّة لحقوق الإنسان وضمان حماية حقوق العمّال المهاجرين.
• تنفيذ التوصيات الصادرة في الاستعراض الدوري الشامل للسعوديّة لحالة حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من خلال المصادقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة والاتفاقيّة الدوليّة لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم.
• إجراء تحقيق فوري في عمليّات قتل المهاجرين على الحدود.
رابط مشاهدة الفلم
المصدر / قناة الحرة
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة
الجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات
أي اعتداء او تجاوز ، او محاولة حذف المادة باي حجة واهية سنلجأ للقضاء ومقاضاة من يفعل ذلك