الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / عراقيون يتجنبون إبداء آرائهم خشية الملاحقة.. هل يتجه العراق لآخر مراحل تكميم الأفواه

عراقيون يتجنبون إبداء آرائهم خشية الملاحقة.. هل يتجه العراق لآخر مراحل تكميم الأفواه

فيينا / الجمعة 27 . 12 . 2024

وكالة السيمر الاخبارية

يرفع العراق طيلة العقدين الماضيين شعار حرية التعبير والرأي والصحافة، لكن الواقع يتحدث غير ذلك تماما، فالبلاد تشهد انحدارا خطيرا في الحقوق والحريات، فيما يتصاعد التضييق على الحريات مع تزايد نفوذ الطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة وعلوها على الدولة والقانون.

تكميم الأفواه وكبت الحريات والتضييق على الصحافة في العراق يأخذ جملة من الصور، أبرزها ملاحقة الصحفيين والإعلاميين بالقتل والاختطاف والتهديد عبر الجهات المسلحة أو الاعتقال والملاحقة القضائية عبر أجهزة الدولة الرسمية، وكذلك ملاحقة المدونين في مواقع التواصل الاجتماعي وطرد الإعلاميين من مؤسساتهم بسبب مواقفهم المخالفة لموقف الأحزاب الداعمة لتلك المؤسسات.

خشية إبداء الرأي في مواقع التواصل

وعلى الصعيد الشعبي يخشى عراقيون الإدلاء بآرائهم في وسائل الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي، خشية الملاحقة، ويؤكد مواطنون لشبكة “الساعة” أن “غالبية العراقيين في داخل العراق لا يستطيعون إبداء الرأي في الأحداث السياسية والأمنية التي تدور في العراق وكذلك الأحداث الإقليمية والعالمية”، وبينوا أن “العديد من حالات ملاحقة الأشخاص وتهديدهم أو اعتقالهم تم تسجيلها بسبب منشور أو تغريدة أو تعليق في مواقع التواصل”.

وتفرض الأحزاب المتنفذة ولاسيما القريبة من إيران سيطرتها على أغلب وسائل في العراق، كما تسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي عبر إدارة آلاف الصفحات الوهمية في منصات “فيسبوك” و “X” و”انستغرام” والتي تتبنى المواقف والأفكار والرؤية السياسية للجهات الحزبية الممولة لتلك الصفحات.

تكميم أفواه موظفي الدولة

وسبق لعدد من الوزارات العراقية أخذ تعهدات من موظفيها بعد الإدلاء بآرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما هددت بفرض عقوبات إدارية على المخالفين لتلك التعليمات.

وفي وقت سابق أجبرت وزارة التربية موظفيها على التوقيع على تعهدات خطية تلزمهم بعدم انتقاد أي شخصية سياسية عبر منصات التواصل الاجتماعي الأمر الذي أثار استياء الملاكات التدريسية ومنظمات حقوقية.

ومنتصف شهر كانون الأول الجاري، عاقبت شركة غاز الشمال 6 موظفين في الدائرة بسبب وضع إشارة الإعجاب على منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأظهر كتاب رسمي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي عقوبة أصدرها مدير شركة غاز الشمال بحق 6 موظفين في الدائرة بسبب “لايك” في فيس بوك على منشور ينتقد الشركة، إذ وجه لهم تنبيه إداري بسبب تفاعلهم بضغط زر الإعجاب والذهول على منشور تعده إدارة الشركة مسيئا لها.

استهداف متواصل للصحفيين

وخلال الساعات الماضية أوقفت شبكة الإعلام العراقي الصحفي صالح الحمداني عن العمل في قناة العراقية الحكومية بسبب تغريدة على منصة “X”عبر فيها عن رأيه في الأحداث الجارية في سوريا.

وسبق للصحفي صالح الحمداني أن كتب: “الخطوات في سورية متسارعة، وصلوا بأسبوعين لما لم نصل له في العراق بـ20 عاماً”. 

لكن هذا الموقف لم يعجب رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي ثائر الغانمي، الذي رد على الحمداني بالقول: “والإجراءات القانونية ستكون متسارعة أيضاً، لدرجة أنها ستصل، خلال أسبوع واحد، لما لم يصل إليه الآخرون خلال 6 أعوام، عن حقيقة الموقف من دولتنا وشعبنا وثوابتنا، ومنها إلى جدوى البقاء في شبكتنا”.

وعد الصحافي المبعد عن عمله في شبكة الإعلام العراقي حرية التعبير في أسوأ حالتها في العراق.

ودعا الحمداني رئيس الجمهورية باعتباره حامي الدستور إلى التحرك من أجل وقف هدر الحق في حرية التعبير المصانة بحسب المادة 38 من الدستور.

وقوبل قرار فصل الحمداني من وظيفة مقدم برامج باستنكار ورفض كبيرين من صحافيين وناشطين عراقيين.

رفض للتهديد والوعيد

واستنكر مركز النخيل للحقوق والحريات الصحفية أسلوب التهديد والوعيد الذي يمارسه رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي ضد الصحفيين في الشبكة بسبب منشورات لهم على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي.

وقال المركز في بيان إنه “رصد أكثر من تغريدة لرئيس مجلس الأمناء ثائر الغانمي وهو يوجه تهديدات صريحة لموظفين وصحفيين في شبكة الإعلام بسبب مواقفهم ومنشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما بعد الأزمة التي أثيرت ضد الزميل صالح الحمداني وإيقاف برنامجه إثر منشور كتبه على صفحته الشخصية حول الأوضاع الجديدة في سوريا”.

وأوضح المركز أن “هذه الممارسات تساهم في ترهيب الموظفين والصحفيين في شبكة الإعلام العراقي التي يفترض أنها تمثل خطاب الشعب العراقي لا خطاب السلطة، مطالبا في نفس الوقت مجلس النواب بضرورة ومتابعة ومحاسبة الجهات والأشخاص الذي يستخدمون سلطاتهم بشكل تعسفي للنيل من الموظفين بسبب الآراء والمواقف”.

نحر المادة 38 الدستورية

وأكد الصحفي العراقي علي الطائي أن ما حدث مع الصحفي صالح الحمداني يمكن أن يحدث مع أي صحفي عراقي يبوح برأيه المخالف لموقف السلطة والأحزاب والفصائل المسلحة.

وقال الطائي في حديث لشبكة “الساعة”: إن “تعرض صحفيي العراق إلى الاستهداف والتهديد نتيجة طبيعية لنفوذ وهيمنة الفصائل المسلحة والأحزاب على الدولة ومؤسساتها والتي بدأت منذ العام 2003 وتصاعدت في السنوات الأخيرة”.

وأضاف: أن “أصحاب الرأي والصحفيين في العراق يتعرضون يوميا إلى الاستهداف عبر القتل أو التهديد أو الاعتقال والملاحقة القضائية، إلى جانب استهدافه في عمله”.

وأوضح الطائي أن “الأحزاب الكبيرة تحاول تقييد الصحافة والناشطين والمتظاهرين، ضمن مفهوم قمع الحريات والديكتاتورية، مؤكدا أن العراق كفل في المادة الدستورية رقم 38 حرية التعبير والرأي والصحافة لكن هذه المادة ذبحت بشكل فعلي بسبب الخروقات المتكررة لها واستهداف الإعلاميين المتكرر دون محاسبة”.

دعوة لتجنب الدعاوى ضد الصحفيين

من جانبه دعا الإعلامي أحمد ملا طلال الصحفيين العراقيين ومقدمي البرامج الحوارية تخصيص مساحة من برامجهم لمواجهة الهجمة الممنهجة التي تشنها السلطات التنفيذية وبعض أعضاء مجلس النواب على حرية التعبير في محاولة لتكميم الأفواه واخضاع الصحفيين و إرباكهم بالشكاوى و الدعاوى القضائية، مع التركيز على دور القضاء المنصف.

في حين دعا الناشط القانوني وعضو مفوضية حقوق الإنسان علي البياتي القضاء العراقي إلى عدم التعامل مع القضايا والشكاوى التي يقدمها السياسيون والمسؤولون ضد الصحفيين.

وسجل العراق على مدى العقدين الماضيين مئات الاعتداءات على الصحافيين، حيث أسفرت عن مقتل 475 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام منذ عام 2003، ولم يُحاسب الجناة إلا في حالتين أو ثلاث، فيما تشير الإحصائيات إلى مستوى مرتفع من الإفلات من العقاب، مما يضع العراق ضمن الدول الأكثر خطورة في العمل الصحافي.

ووثقت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق أكثر من 300 اعتداء على العاملين في مجال الصحافة والإعلام منذ أيار/ مايو 2023 وأيار/ ولغاية أيار 2024.

والشهر الماضي تعرض الصحفي جمال البدراني إلى اعتداء من قبل مجموعة ينتمون لحركة “بابليون” بزعامة ريان الكلداني، بحسب ما أفادت التحقيقات في الحادثة، والتي لم تتوصل إلى مرتكبي الاعتداء لغاية اليوم.

الصحفيون صامتون بسب الخوف

ويرى الصحفي حسن الفارس أن الانتهاكات المتكررة التي تماس ضد الصحفيين العراقيين جعلت الغالبية التي تعمل في داخل العراق تلتزم الصمت وتخشى تغطية الملفات التي تتحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان أو الفساد السياسي والإخفاق الحكومي في تقديم الخدمات.

وقال الفارس في حديث لشبكة “الساعة”: إن “عدم التزام السلطات الحكومية والقضائية بالقصاص من مرتبكي الجرائم والاعتداءات على الصحفيين أدى إلى تصاعد حالات انتهاكات حقوق الصحفيين، وقابل ذلك تخلي الصحفيين عن دورهم في تغطية الحقيقة ونقلها للعالم في داخل العراق وخارجه”.

وأوضح أن “التهديدات والاستهدافات جعلت غالبية صحفيي العراق أدوات تروج للجهات الحكومية والأحزاب السياسية والفصائل المسلحة ولا توجه النقد لها مهما علت أخطائها”، مبينا أن “القلة الباقية والملتزمة بالعمل الصحفي المهني والمحايد والعاملين على كشف الحقائق للشعب العراقي فهم أهداف يتعرضون أو سيتعرضون لاحقا للملاحقة والتهديد والقتل والاستهداف”.

المرحلة النهائية من تكميم الأفواه

إلى ذلك أكد الصحفي ومقدم البرامج العراقي حسام الحاج، أن العراق يتجه نحو المرحلة النهائية من تكميم الأفواه وإسكات الأصوات.

وذكر الحاج في لقاء تلفزيوني أن “العراق يتجه نحو المرحلة النهائية التي يُمنع فيها الجلوس في البرامج وإبداء الرأي”.

وأضاف أن “الحكومات تضخم التهديدات الخارجية للخلاص من المساءلة والحساب”، مشيرا إلى أن “المساءلة والحساب يمثلها الإعلام الحر والصحافة المستقلة ومنظمات المجتمع المدني”.

وأفاد بأن “التغيير السياسي الذي حدث في العراق لو كان حصل على يد السلطة الحالية لما حصلنا على حرية التعبير الموجودة حاليا”.

المصدر / فريق التحرير- شبكة الساعة

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً