فيينا / السبت 28 . 12 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
في تحليل مطول لمجلة The Cradle الأمريكية، أشار إلى تسريبات متداولة عن استعداد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ليس لطلب تمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق إلى ما بعد 2026 فحسب، بل إلى السماح للأميركان بتعزيز مراقبة حدود البلاد مع سوريا تزامناً مع المشهد الإقليمي الذي بدأ في غزة وانتهي بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبيّن التقرير أن السوداني رفض بالفعل طلباً إيرانياً لدخول قوات إيرانية نحو سوريا من أجل إنقاذ الأسد، وذلك بعد تحذير أميركي للعراق، ويشير التقرير إلى تباين في وجهات النظر بين رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الذي يرى ضرورة التهدئة، وفصائل أخرى، لكن الجميع تقريباً متفقون على تفويض السوداني بالتصرف، وبشأن تصريحات مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي عن عودة المقاومة، يعتقد مسؤول في الفصائل العراقية إن ترجمة ذلك ستكون على الأغلب في المجال السياسي والإعلامي، ويشير التقرير إلى أن السلطات العراقية علمت أن إيران تلقت معلومات من وسيط سويسري باحتمالية توجيه “ضربة كبيرة ومؤذية” ضد المفاعلات النووية بداية العام 2025، إلى جانب رسالة أميركية بأهداف وشخصيات قد يتم استهدافها في العراق إذا استمرت عمليات الطائرات المسيرة.
إلى ما قبل أسابيع قليلة، لم يكن العراقيون عموماً يرون الصورة الأوسع للمشهد المتشكل حول بلادهم. لكن الكرة كانت تتدحرج، منذ اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله، ثم “رسالة التهديد” الإسرائيلية للعراق، في 18 تشرين الثاني، وصولاً إلى ما قبل “الزلزال السوري” المباغت.
المشهد الإقليمي أكبر من أن يتمكن العراق من التعامل معه وحده، ويسير رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني حذراً كمن يعبر حقل ألغام، لكنه مثقل بأحمال الداخل، والتوجس الأمني، والمخاطر الإقليمية، وقد يذهب –أو يتم دفعه- باتجاه حسابات سياسية لإعادة تموضعه على صعيد توازنات القوى الداخلية والإقليمية، بما في ذلك دعوات أميركية وغربية لحل الحشد الشعبي، على قاعدة محاولة التخلص من “حلفاء” إيران في المنطقة.
الدور الإقليمي لبغداد
يقول مصدر حكومي عراقي لموقع “The Cradle” إن العراق ليس وحده في صداع القلق، وهو يشاطره مع السعودية والأردن والإمارات ومصر.
بعد غزة ولبنان وسوريا، يشعر العراقيون أنهم الوجهة التالية في “دومينو” الزلزال الإقليمي. يقول المصدر الحكومي إن هناك ما يتخطى العراق، وإن الإيرانيين تلقوا رسالة أميركية عبر السويسريين بأن هناك ضربة كبيرة مؤذية ضدهم قد تطال مفاعلا نوويا في بداية العام 2025.
وقال مصدر دولي في باريس يعمل لصالح الأمم المتحدة لموقع “The Cradle” إن دول وقوى “محور المقاومة” تأخرت في فهم حجم الهجمة الشاملة على المنطقة، وتعاملت معها كأنها تهور يقتصر على إسرائيل، وسينتهي عند حدود لبنان.
في الواقع إن هذا الهجوم يجري بدعم غربي شامل، كما تبين، وأن واشنطن التقطت اللحظة المؤاتية التي توفرت لها منذ غزة، لإعادة رسم خريطة القوى والنفوذ الإقليمي في غرب آسيا، بما يتلاءم مع مصالحها.
مشهد الحشود العسكرية والإجراءات الأمنية المشددة التي فرضها الجيش العراقي بدعم من قوات الحشد على الحدود مع سوريا، لا يختزل وحده منسوب القلق في العراق، إذا يشاهد العراقيون، تقدم قوات عسكرية تركية ضخمة في عين العرب/كوباني (شمال سوريا) إلى جانب توغل القوات الإسرائيلية في القنيطرة نزولا من هضبة الجولان.
ويشاهد العراقيون أيضاً، وزارة الدفاع الأميركية تكشف فجأة أن حجم قواتها المتمركزة في كل من بلادهم وفي سوريا، أكبر مما كان معلناً، وتسريبات لم يتم التأكد منها رسمياً، تشير إلى أن السوداني مستعد للقبول، ليس فقط بطلب تمديد بقاء القوات الأميركية إلى ما بعد مهلة العام 2026، وإنما أيضاً السماح لها بتعزيز مهمة مراقبة الحدود العراقية-السورية.
وبينما كان البنتاغون يقول رسمياً إن هناك ما مجموعه 3400 جندي أميركي في العراق وسوريا، فإنه يقول الآن إن هناك 4500 جندي في البلدين.
الدبلوماسية الدفاعية للسوداني
يقول مصدر عراقي مطلع لموقع “The Cradle” إنه بعد “رسالة التهديد” الإسرائيلية، كان السوداني يجمع قادة “الإطار التنسيقي” الداعم له، وقادة “ائتلاف إدارة الدولة” ليس فقط لإطلاعهم على خطورة التهديد الإسرائيلي، وإنما للبحث في الخيارات وتحديداً باتجاه واحد من ضبط ساحة العمل الداخلية ووقف الهجمات التي تقوم بها فصائل “المقاومة الإسلامية في العراق”. وبحسب المصدر نفسه، فإن الأميركيين تولوا نقل رسالة تهديد إسرائيلية ثانية، تتضمن لائحة محتملة بالأهداف والشخصيات التي ستعمد إسرائيل إلى ضربها، ما لم تتوقف هجمات الطائرات المسيرة التي تطلق من العراق باتجاه أهداف في الكيان الإسرائيلي.
وبحسب المصدر نفسه، فإن المرحلة التي تلت هذه الاجتماعات والاتصالات، شهدت تباينات واسعة في الآراء، إذ مالت هيئة الحشد الشعبي برئاسة فالح الفياض، إلى التهدئة و”تغليب مصلحة العراق”، فيما الفصائل المنضوية في “المقاومة الإسلامية” و”التنسيقية”، أبدت اعتراضها على الضغوط التي تمارس على العراق، لكنها أظهرت تفهماً لموقف الحكومة.
ووقعت بالفعل عدة هجمات من جانب المقاومة العراقية منذ ذلك الوقت، بما في ذلك عمليات منسقة بالتزامن مع هجمات “أنصار الله” اليمنية، وبرغم ذلك، فإن رسالة “التهدئة” العراقية كانت قد وصلت، لكن البلاد كانت على موعد لم يكن متوقعاً، تمثل في “الزلزال السوري” فيما بدا أن نيران الجغرافيا والجوار والهواجس الإيرانية والنعرات الطائفية تشتعل كلها من حوله دفعة واحدة.
قبل دخول المعارضة السورية المسلحة إلى دمشق في 8 كانون الأول، كان آلاف الجنود من الجيش النظامي والحشد الشعبي، والمدرعات العسكرية وأبراج المراقبة، تجهد على مدار الساعة لمنع تكرار سيناريو العام 2014 حيت احتل داعش الموصل قادماً من سوريا عبر الأنبار.
وتقول مصادر إن حكومة السوداني تلقت تنبيهاً أميركياً من محاولة التدخل في المعركة السورية لمساندة حكومة الأسد، حتى هيئة الحشد الشعبي أكدت على اهتمامها بالساحة السورية، لكنها معنية بحماية مصالح العراق بالدرجة الأولى، وحظي هذا الموقف بتأييد كل الكتل والقوى السياسية، بما في ذلك زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي دعا إلى النأي بالنفس عما يجري سوريا.
وقال سياسي عراقي مقرب من فصائل المقاومة لموقع “The Cradle” إن “أداء السوداني جيد، والرأي العراقي حاضر في القرار، ونحاول تجنيب العراق تداعيات ما يحصل في سوريا ولا نريد المصير ذاته بكل تأكيد والعراق قوي”، مضيفاً “نحن مع الحكومة بكل قراراتها لأنها تصب في مصلحة العراق وفوضناها لاتخاذ ما يلزم”. وأضاف “نتابع تحركات السوداني، ونرى أن العراق بدأ يستعيد عافيته الإقليمية، وبات حاضرا في المنطقة ونشد على يد السيد السوداني”.
في 11 كانون الأول كان السوداني يحط في عمان للقاء الملك عبدالله الثاني، ثاني أكبر المتوجسين مما يجري في سوريا، وربما أولهم، كما حط في منتجع العلا للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقبلها في 13 من الشهر نفسه، باغت وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن العراق بزيارة غير معلنة مسبقاً، حيث بدت مهمة مستعجلة للبناء على مرحلة ما بعد سقوط الأسد، والتأكيد على الأولوية الأميركية المتمثلة بضبط حدود العراق مع سوريا ومنع استمرار دخول قوافل أسلحة إيرانية عبرها نحو لبنان.
الحشد الشعبي “سور دفاعي”
لم تقتصر حركة السوداني على ذلك، قال المصدر العراقي إنه قبيل بدء هجوم المعارضة، أوفد فالح الفياض إلى أنقرة ودمشق، لمحاولة التوسط بين الطرفين، لكن مهمته لم تنجح، وبدا أن السوداني “رفع الحجة” عن نفسه أمام قادة الفصائل المسلحة، وأمام أي ضغط إيراني محتمل.
وقال قيادي عراقي من فصائل الحشد الشعبي لموقع “The Cradle”، إن القرار اتخذ على مستوى قيادات فصائل الحشد بعدم التحرك عبر الحدود لدعم القوات السورية، أولاً لأنها لم تكن تقاتل بشكل فعلي وتتلقى الأوامر بالانسحابات، وثانياً لأن الأسد نفسه ضيّق خلال السنوات الماضية على فصائل المقاومة، الناشطة في سوريا بمن فيها حزب الله، مقابل رهن مصيره بشكل أكبر مما يجب بالروس، وعزز في الوقت نفسه تضييقه على الفصائل بعد اندلاع حرب غزة.
ويقول مصدر مقرب من حزب الله في لبنان إن “السوداني تحرك على خطين، حيث رفض طلباً إيرانياً لمرور قوات إيرانية إلى سوريا استجابة للضغوط الأميركية حيث تم تهديد السوداني بالفوضى بما يؤدي إلى سقوط حكومته، مضيفاً أن السوداني طلب من الحشد الشعبي ألا يتدخل، وبحسب المصدر نفسه فإن السوداني يعتبر أن تحركه هذا كان من أجل تحييد العراق في مثل هذه اللحظة المصيرية، وحتى لا تتمدد الأزمة السورية إلى العراق.
وبرغم حديث المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي بعد سقوط الأسد، بأن المقاومة سيقوى عودها وتتمدد في أنحاء المنطقة، قال مصدر من إحدى فصائل المقاومة العراقية، إن “تصريحات السيد خامنئي غالبا تعطي الضوء الأخضر للمحور لتوسيع العمل، لكن ضمن أطر تراعي الظروف الدولية والمحلية”، مضيفاً أن “وحدة الساحات قد تتجه إلى التمدد في المجال الإعلامي والسياسي لتعزيز الدعم الجماهيري. لاستمرار التأكيد على التكامل بين الساحات (غزة، الضفة، جنوب لبنان، سوريا، وربما العراق واليمن) بما يمنح مرونة للمواجهة دون إظهار تركز القوة في مكان واحد”.
وينفي المصدر نفسه وجود تطمينات أو تهديدات رسمية من جانب الأميركيين ضد الحكومة العراقية فيما يتعلق بسوريا، لكنه أكد أن هناك “تهديدات سابقة” باستهداف قادة الفصائل التي أخذت علماً بذلك، مشيراً إلى الأمين العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي الذي نقل إقامته إلى إيران، مبيناً أن هناك إجراءات واحتياطات استثنائية متخذة من قبل الفصائل.
المصدر / 964
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات