السيمر / فيينا / الاربعاء 18 . 11 . 2020 —- أصدرت إحدى المحاكم الإيرانية حكماً بإعدام الصحفي المعارض روح الله زَم، بتهمة نشر “الفساد في الأرض” بسبب ما كان ينشره عبر قناته الإخبارية التي كانت تبث عبر تطبيق تلغرام للتواصل الاجتماعي والتي وصل عدد متابعيها إلى 1.8 مليون شخص.
ونشر الحرس الثوري الإيراني خبر اعتقاله متباهياً بعملية استدراجه من باريس إلى بغداد. ولكن ما علاقة الجهات العراقية بهذه العملية، وكيف زّج اسم عائلة آية الله السيستاني ومسؤولين عراقيين في هذه القضية؟
“خداع وتكتيكات مبتكرة”
أعلن الحرس الثوري الإيراني العام الماضي أنه استخدم “أساليب استخباراتية حديثة وتكتيكات مبتكرة” مكّنته من “خداع” أجهزة أمن وجهات أجنبية والوصول إلى الصحفي روح الله زم، المعروف على نطاق واسع لدى الإيرانيين، وأكثر الشخصيات المثيرة للجدل منذ أكثر من عشر سنوات.
وتباهى الحرس الثوري بعملية استدراجه المعقدة من فرنسا إلى العراق واصفاً المعارض بأنه “أحد الشخصيات الرئيسية في شبكة العدو الإعلامية والحرب النفسية”.
ووجهت للناشط السياسي المعارض، 13 تهمة من بينها التحريض على إثارة حرب أهلية وتأجيج الاحتجاجات التي شهدتها إيران بين عامي 2017 و2018، و”نشر الفساد في الأرض” والتجسس لصالح جهات أجنبية.
وصدر في حقه حكم الإعدام في يوليو/تموز الماضي.
لكن زم، نفى التهم الموجهة ضده واستأنف الحكم، بانتظار قرار محكمة الاستئناف.
وكانت قناة “آمد نيوز” التي كان يديرها زم وزملاء له، تبث الأخبار والتقارير التي غالباً ما كانت تتناول المسؤولين والسلطات الإيرانية.
وتم حجب موقع القناة من قبل الحكومة الإيرانية، لكن أعيد فتحه لاحقاً تحت اسم مختلف.
فضح المستور
شارك بابك إجلالي، صديق زم، في تأسيس موقع آمد نيوز على تطبيق تلغرام الذي لعب دوراً كبيراً في استمرار احتجاجات يناير/كانون الثاني 2017، المناهضة للحكومة الإيرانية.
كما كانت شيرين نجفي، المعارضة الإيرانية التي كانت تقيم في تركيا، واحدة من المسؤولين الرئيسيين في موقع آمد نيوز منذ عام 2017 ، ومقربة جداً من زم.
ونشرت “آمد نيوز” وثائق حول ما وصفته بالفساد المستشري في أوساط كبار المسؤولين القضائيين والسياسيين والأمنيين في إيران، من بينها وثائق عن فساد صادق لاريجاني، رئيس السلطة القضائية السابق، ووثائق عن قضية التحرش الجنسي بالأطفال من قبل سعيد طوسي، قارئ القرآن المقرب من أسرة آية الله خامنئي.
يقول شيرزاد كاوا، أحد أصدقاء زم المقربين: “لقد خططت جهات عديدة للانتقام من زم”.
ويضيف: “لم يوفر روح الله أحداً من انتقاداته حتى بعض المعارضين، ولذلك انخفض عدد متابعي قناته رويداً رويداً بعد أن وصل إلى 1.8 مليون متابع”.
وفي عام2018 زوّد أحد الأشخاص روح الله، بمعلومات حساسة للغاية عن الحكومة الإيرانية، وقدم نفسه على أنه شخص متنفذ في الحكومة.
وبالطبع، نشرت تلك المعلومات في آمد نيوز، وأذيعت مقابلة مع ذلك الشخص في برنامج يدعى “نهاية الأكاذيب”. ولكن ما لم يدركه زم وقتها، هو أن ذلك الشخص كان عميلاً إيرانياً.
من هو روح الله زم؟
ينحدر روح الله زم من عائلة متدينة شديدة الولاء لزعيم الثورة الإيرانية الراحل آية الله خميني. وقد أطلق والده اسم روح الله عليه، تيمناً بالخميني الذي حمل لقب روح الله.
وكان والده محمد علي زم، رئيساً لقسم الدعاية والإعلان في المؤسسة الحكومية الإعلامية لأكثر من عقد من الزمان.
ويقول أحد الأصدقاء المقربين من عائلة زم لبي بي سي، إن روح الله كان يذهب برفقة والده إلى منزل آية الله خامنئي ويصليان خلفه. لكن والده كان مقرباً من أكبر هاشمي رفسنجاني – رئيس إيران الراحل في الفترة الواقعة بين عامي 1989 و1997، لذلك تراجع نفوذه يوماً بعد يوم مع غياب رفسنجاني.
وخلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009 ، شارك زم في حملة المرشح الإصلاحي مهدي كروبي. وسُجن قرابة ثلاثة أشهر أثناء احتجاجات “الموجة الخضراء” الإصلاحية.
غادر زم، إيران في عام 2011، وبعد فترة قصيرة من إقامته في ماليزيا ثم تركيا، لجأ إلى فرنسا وحصل على اللجوء السياسي.
ما علاقة مكتب السيستاني في العراق باعتقال زم؟
يقول زملاء زم، إن أشخاصاً تواصلوا معه (قدمتهم إليه زميلته شيرين نجفي) وقالوا له أن آية الله السيستاني على استعداد لمقابلته ومساعدته في جمع 30 مليون دولار، لإنشاء محطة تلفزيونية.
لكن شيرين نجفي قالت وقتذاك، إنه لم يكن للسيستاني دور في ذلك بل من وصفتهم بالمقربين منه.
وفي فيلم وثائقي استقصائي أعده الصحفي في بي بي سي، جيار غول، تزعم شيرين التي كانت تقيم في تركيا، إنها فضلت الذهاب إلى العراق بنفسها حتى لا يتعرض روح الله زم للخطر، لكن كان حضوره شخصياً مطلوباً.
وسافرت شيرين نجفي إلى العراق بجواز سفر مزور، وأرسلت 500 يورو إلى زم في باريس، ليسافر إلى العراق ويقابل عائلة آية الله السيستاني لشرح مشروعه في إنشاء محطة تلفزيونية.
وطلبت بي بي سي تعليقاً من مكتب آية الله السيستاني عن سبب تداول وسائل الإعلام الإيرانية لإسم السيستاني في قضية روح الله زم، فبعثوا لنا بريداً الكترونياً جاء فيه “أن لا علاقة لآية الله السيستاني أو أي من مقلديه أو مكتبه بزيارة روح الله إلى العراق”.
كما جاء في ردهم أيضاً “أن مكتب السيستاني طلب من كبار المسؤولين الإيرانيين تقديم توضيح وافٍ عن ملابسات ذكر اسم السيستاني في هذه القضية، ولكن لم يتم تقديم أي توضيح بهذا الشأن”.
المصيدة
في 8 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، توجه زم إلى السفارة العراقية مع صديقه مزيار في باريس. ورغم وصولهما في وقت متأخر إلى السفارة التي كانت على وشك إغلاق بابها أمام المراجعين، إلا أن دبلوماسياً في السفارة استقبلهما وأصدر له تأشيرة السفر إلى العراق في غضون نصف ساعة فقط، في الوقت الذي يستغرق ذلك أسابيع في الأحوال العادية.
وأرسل الأشخاص الذين كانوا يتواصلون معه على أنهم من مكتب السيستاني، تذكرة السفر من العراق عن طريق البريد الالكتروني.
وبالفعل، سافر زم في 19 أكتوبر/تشرين الثاني، إلى العراق رغم اعتراض زوجته وابنته اللتين كانتا قلقتين على سلامته.
سافر زم بوثيقة سفر فرنسية – يختلف عن الجواز الفرنسي – رغم أنه لم يكن مسموحاً له السفر من فرنسا، إذ كانت مثل تلك الرحلات محدودة ومقيدة.
تقول زوجته إن آخر اتصال بينهما كان أثناء توقف الطائرة في مطار عمان في العاصمة الأردنية، حيث أرسل لها صورته من هناك، لكنه لم يرد على اتصالاتها لاحقاً بعد وصول الطائرة إلى مطار بغداد.
وبعد يومين من الرحلة، نشر جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، نبأ إلقاء القبض على المعارض الإيراني المطلوب من قبل السلطات الإيرانية.
“نفوذ الاستخبارات الإيرانية في العراق“
في العام الماضي، سرّب شخص مجهول 700 صفحة من الوثائق الخاصة بوزارة الاستخبارات الإيرانية حول أنشطة عملائها في العراق بين عامي 2014 و 2015 لموقع “إنترسبت الإخباري”.
ودرس رانن بيرغمان، وهو صحفي استقصائي في صحيفة “نيويورك تايمز” ومؤلف كتاب “تاريخ الاغتيالات الإسرائيلية السرية”، تلك الوثائق المسربة.
يقول بيرغمان: “يبدو أن تأثير جهاز آريان الاستخباراتي واستخبارات الحرس الثوري الإيراني في أعلى مستوياته داخل العراق”.
وجاء في موقع “انترسبت” وصف علاقة بعض المسؤولين العراقيين بجهاز استخبارات الحرس الثوري ودرجة الصداقة بينهم.
ويقول بيرغمان: “إن الشخص الموصوف في الوثائق المسربة بأنه صديق مقرب من إيران، هو عادل عبد المهدي الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء في العراق، في أكتوبر/تشرين الثاني 2019، وهي الفترة التي سافر فيها زم إلى بغداد وخطف من هناك”.
واتصلت بي بي سي بالسفارة العراقية في باريس للاستفسار عن المصدر الذي أصدر التأشيرة لروح الله، لكن السفارة نفت أن تكون قد أصدرت تأشيرة دخول بهذا الإسم.
وحاولت بي بي سي توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بهذه القضية إلى بعض المسؤولين العراقيين، لكنهم لم يردوا. إلا أنه في العام الماضي، قال مصدر في الحكومة العراقية لبي بي سي: “إن روح الله اُعتقل وسُلّم إلى إيران بمجرد وصوله إلى مطار بغداد”.
ويقول بيرغمان إن إيران “ربما خدعت زم عن طريق استخدام اسم السيستاني، وأن وزارة الاستخبارات الإيرانية لديها القدرة على اختراق أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية للمعارضين والناشطين الإيرانيين والأوروبيين وحتى السيرفرات إن أرادوا ذلك، وأعتقد أنهم فعلاً اخترقوا سيرفر مكتب آية الله السيستاني”.
وأوضح برغمان أنه تعرض شخصياً لتجربة قرصنة وربما محاولة اختطاف من قبل المخابرات الإيرانية، وأن الأخيرة استخدمت عنوان بريد الكتروني لمؤسسة تركية غير ربحية لدعوته إلى اسطنبول للمشاركة في فعالية ما”.
“لقد اخترقوا سيرفر المؤسسة التركية، وبعثوا لي بريداً الكترونياً من عنوان المؤسسة التي يبدو أنها لم تستخدمه منذ زمن”.
ماذا عن صديقته شيرين نجفي؟
ظهرت نجفي في وسائل الإعلام لبضعة أيام بعد انتشار خبر اعتقال زم، مدعية أنها التقت به في العراق، ولكن انقطعت أخبارها منذ ذلك الحين ولا أحد يعلم مكانها حالياً.
ويعتقد بعض زملائها الذين عملوا معها في الموقع الإخباري، أنها ربما تعرضت لضغوطات من قبل الحرس الثوري لكي تتعاون معهم، لكن وسائل إعلام إيرانية مناهضة للحكومة تعتقد أن شيرين ربما تكون عضوة في استخبارات الحرس الثوري وكُلفت بالتسلل إلى قناة آمد نيوز والإيقاع بمديرها روح الله زم، الذي كانت تطارده إيران لسنوات.
المصدر / بي بي سي