السيمر / فيينا / الثلاثاء 24 . 11 . 2020
سليم الحسني
في آب ١٩٩٢ (٨ صفر ١٤١٣ للهجرة) توفي الإمام أبو القاسم الخوئي، أحد أعاظم مراجع الشيعة ومن أكبر أساتذة الحوزات العلمية عبر التاريخ.
بعد ساعات قليلة من وفاته توجه نجله السيد محمد تقي الخوئي الذي كان يدير شؤون المرجعية العليا، الى منزل السيد عبد الأعلى السبزواري، فعرض عليه صفقة مغرية، المرجعية مقابل السكوت، بمعنى أن يضمن له المرجعية العليا مقابل أن تبقى شؤون المرجعية على حالها من حيث الأموال والإدارة، يديرها بنفسه من دون تدخل أو تعديل في الوكلاء المهمين.
رفض السيد السبزواري العرض بشكل قاطع، وأجاب محدّثه بما نصه:
(لا أبيع آخرتي بما بقي من أيام قليلة من عمري).
وكان الجواب صدمة موجعة للخوئي الابن، فخرج ناقماً يضمر في قلبه النيل منه لاحقاً. وبالفعل اشاع بعد أيام بأن السيد السبزواري يفتقد القدرة على التركيز الذهني، وأن حفيده يلقنّه القراءة أثناء الصلاة. لقد أراد أن يأتي على صلاحيته من الأساس بتلك الفرية. ومثل هذه الأسلحة يستخدمها زعماء الحواشي بشكل متقن لتحقيق طموحاتهم وأغراضهم.
خرج السيد محمد تقي الخوئي من منزل السيد السبزواري قاصداً السيد علي البهشتي (والد زوجة السيد عبد المجيد الخوئي) فقدّم له نفس العرض، لكن السيد البهشتي رفض الصفقة أيضاً، فقد وجد فيها عرضاً دنيوياً يتعارض مع زهده وشخصيته المتمسكة بالورع والتقوى والابتعاد عن الشبهات، فاعتذر بالمرض وتقدم السن عن تولي هذه المسؤولية.
في ظروف كهذه، تكون الساعات أثمن ما في الحياة، فبعض التأخير يسفر عن تحول تاريخي ينقل المرجعية العليا من شخص لآخر، ولا يمكن بعد ذلك تدارك الأمر. وهذا ما دفع السيد محمد تقي الخوئي الى بذل كل جهوده ليحسم تسمية المرجع الأعلى الجديد قبل أن يطلع النهار على النجف الأشرف.
لجأ السيد محمد تقي الخوئي الى الشيخ مرتضى البروجردي (والد زوجة السيد محمد رضا السيستاني) يستعين به لإقناع السيد علي السيستاني بقبول صفقة المرحلة.
لاقى العرض قبولاً من الشيخ البروجردي، وتفاعل مع بنود الصفقة فمضى متحمساً مع الخوئي الابن نحو بيت السيد السيستاني.
أسفر الاجتماع عن الرضا والقبول، وتم ترتيب الأمر بسرعة باتصالات عاجلة، وتولت مؤسسة الامام الخوئي في لندن مهمة الإعلان والترويج، وصلى السيد السيستاني على جثمان الإمام الخوئي.
لا يؤخذ على العالم الكبير تصديه للمرجعية، فهي مسؤولية حساسة ينوء بأعبائها المخلصون من كبار العلماء. لكن المشكلة تكمن في أجواء قسم من الأبناء والاصهار والحواشي فهم الذين يخوضون التنافس المحموم لإيصال شخص محدد لهذا المقام الرفيع، وأحياناً دون علم المرجع بتفاصيل ما يقومون به.
لقد وقع اختيار السيد محمد تقي الخوئي على السيد السيستاني، بعد ان ضاق به الوقت الحرج، وشعر أن الأمور ستخرج من يده حين واجه رفض السيدين السبزاوري والبهشتي، وكان من قبل قد خسر خيار السيد الروحاني. فكانت خطوته الحاسمة نحو بيت السيد السيستاني.
اختار محمد تقي الخوئي خليفة والده، مضطراً لذلك، فلم يكن السيد السيستاني من الأسماء الأولى المرشحة لهذا المقام في النجف الأشرف، ولم يُعرف عنه ميله الى التصدي وممارسة المسؤوليات الكبيرة، لقد كان زاهداً مبتعداً عن الدنيا، ميالاً الى العزلة، حتى أنه ترك الدرس والتزم بيته بعد الانتفاضة الشعبانية أي قبل وفاة الامام الخوئي بأكثر من سنة.
لقد أصاب السيد محمد تقي الخوئي هدفه، حين استعان بوالد زوجة السيد محمد رضا السيستاني، وكانت خطوة بارعة في الوقت الصعب، فقد خلق طموحاً سريعاً في نفس الوسيط وصهره الشاب، جعلهما يسعيان لإقناع السيد السيستاني.
انتهت الليالي القلقة، وانكشف الصبح عن المرجعية العليا للسيد السيستاني. لكنها في الحقيقة كانت شكلية، فالحل والعقد بكل شؤونها بيد الخوئي الابن وحده، فهو صاحب القرار والمال والرأي، بيده مفاتيح الأبواب ومغاليقها.
وراء السيد محمد تقي الخوئي كان يسير شاب يتعلم منه ويستزيد من خبرته ويمتثل لأوامره، إنه السيد محمد رضا السيستاني الذي لمع نجمه وأمسك بالمفاتيح كلها بعد وفاة السيد محمد تقي في حادث سير غامض.
ملاحظة: أرحب بأي معلومة حول ما جاء في المقال من قبل المعنيين المباشرين بالموضوع، وسأبادر الى الاعتذار والتصحيح فيما لو كان لديهم ما يثبت خطأ معلوماتي.
للكلام تتمة.
٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٠