السيمر / فيينا / السبت 29 . 01 . 2022 ——- لعل ياسر الجوراني لم يفكر في أي شكوك أمنية وهو يتعقب الصيد الثمين في منطقة حوض حمرين، فالشاب، في بداية الأربعينيات، عقيد في الشرطة العراقية، وكان يشغل منصب مدير إحدى دوائر الجوازات العراقية في بغداد.
وقد أرسله ولعه بصيد طيور الدراج إلى أماكن مختلفة، ومنها حوض حمرين، الذي اعتاد الذهاب إليه في الآونة الأخيرة. هذه المرة، وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021 كان الوضع مختلفا، إغراء الصيد، لم يدعه يأبه بالشروط التي فرضها في المنطقة مسلحو تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، أو من تبقى منهم منذ هزيمة التنظيم في الموصل عام 2017.
يقول مصدر محلي، لا يريد الكشف عن اسمه: “يشترط الارهابيون الصيد أيام الخميس والجمعة فقط. فهؤلاء بدوءا بفرض سطوتهم في مناطق مختلفة من محافظة ديالى، شمال غربي العاصمة بغداد، ولا سيما في المناطق الوعرة ذات التضاريس الصعبة، التي تحول دون الوصول إليهم”.
ياسر، غير المعتاد على أخذ الاجازات وفقا لعائلته، خرج للصيد يوم السبت، وبينما كان العالم يحتفل بالسنة الميلادية الجديدة، كان ذوو ياسر يشاهدون صورا بثها التنظيم المسلح لما وصفوه بعملية “نحر مدير جوازات الأعظمية العقيد ياسر الجوراني”.
عائلة ياسر انتظرت 16 يوما منذ اختطافه بانتظار اتصال يطالبهم ولو بفدية، لكن يبدوا أن الارهابيين كانوا عازمين على إعدامه، ولا سيما أنه ضابط في الداخلية العراقية.
لقد كانت عملية مدبرة، تعبر عن عودة نشاط الارهابيين إلى تلك المنطقة.
“سنة العراق”
وحتى قاتل الجوراني وفقا، لمصادر أمنية، ينتمي إلى عشيرة الكروي التي تسكن في ناحية جلولاء شمالي قضاء المقدادية.
وقالت مصادر مقربة من عائلة الجوراني، إن “المشتركين في عملية القتل هم عشرة، سبعة منهم ينتمون لعشيرة الكروي، واثنان منهم لعشيرة اللهيب، وواحد لبني زيد”.
وهذه العشائر تنتشر في المناطق السنية في محافظة ديالى، وانقسمت في داخلها في الموقف من الجهاديين، وخاصة أنهم عانوا من تطرف الارهابيين، فمنهم من شارك في حربهم، ومنهم من أيدهم اقتناعا أو خوفا.
الجوراني وعائلته ممن شاركوا في قتال القاعدة إبان الحرب الطائفية في العراق، فبعد أن اضطرت العائلة إلى الهجرة خوفاً من تنظيم القاعدة لقي حتفه على يدي وريث الجهاديين الجديد تنظيم ما بعرف بالدولة الإسلامية.
يقول صديق له لا يرغب بالكشف عن هويته، “إن الارهابيين استهدفوا ياسر وأفرادا من عائلته من العسكريين أكثر من مرة”.
لطالما ركز الارهابيين في أديباتهم في العراق على ضرورة إخضاع العشائر السنية أو اختراقها ويبدو أن هذا ما زال مستمرا مع تنظيم الدولة في ديالى، وهو آخر ما تبقى لهم من إرث الزرقاوي.
ويذكر أنه في عام 2010 أصدر التنظيم كتيبا إرشاديا لاستراتيجية التنظيم في التمكين وتأسيس ما سمي بالدولة الإسلامية، وفق تفسيراتهم، وأحد العناوين الرئيسية فيه كان: “رصاصة للمحتل وتسع رصاصات للمرتد”، قاصدين بذلك أبناء المجتمعات السنية الذين شاركوا في الحرب ضد الجهاديين.
“إرث الزرقاوي”
أبو مصعب الزرقاوي، واسمه الحقيقي أحمد فضيل نزال الخلايلة، أردني تزعم تنظيم القاعدة في العراق وكان مسؤولا عن قتل كثير من المدنيين والقوات الأمريكية والعراقية على حد سواء، أعطى أولوية لديالى، حتى أنه قتل في غارة أمريكية عام 2006 في هبهب، داخل محافظة ديالى المنسية التي بالكاد سمع بها أحد قبل مقتل القيادي الارهابي .
وكانت مخابرات دول حليفة تؤكد، على أن الارهابي الأردني يوجد في المحافظة، حسبما كشف الصحافي الأمريكي جوبي وراك، الذي ألف كتابا عن تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية، مستندا على وثائق وتسريبات من المخابرات الأردنية.
وقال مصدر أمني محلي لبي بي سي إن “الفراغ الأمني الممتد ما بين حدود سيطرة الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق تعد جاذبة لنشاطات الارهابيين، مما يتيح لهم التحرك بسهولة في مجموعات صغيرة في تلال حمرين، ويساعدهم في فرض أجنداتهم على السكان المحليين، ومنها فرض ساعات الصيد”.
ويضيف المصدر الأمني أن “مسلحي ما يعرف بالدولة الإسلامية يفرضون إتاوات على المزارع المحيطة بهم، إذا لم يتم الدفع يقومون، أما بحرق المحاصيل أو قتل أصحاب تلك المزارع”.
وبحكم انتشار البساتين والمياه في تلك المنطقة، فإن ذلك أيضا يزيد من أهمية المنطقة استراتيجيا لدى الارهابيين ، لتوفر الغذاء، والماء، والمخبأ”.
“معسكر عائشة”
وفقا للمصدر الأمني الذي رفض الكشف عن أسمه، فإن الفراغ الأمني، ساعد الارهابيين على “تأسيس معسكر تدريبي يطلقون عليه أسم معسكر عائشة”.
ويذكر أن معسكرات التدريب ساهمت في تجنيد الكثير من الارهابيين في أفغانستان والعراق وسوريا، واليمن منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وكان الناطق باسم تنظيم داعش الارهابي، أبو محمد العدناني وقبل تحرير الموصل بعام، وقبل مقتله بغارة أميركية بثلاثة أشهر في أغسطس/ آب 2016، قد قال إن هزيمة التنظيم في الموصل لا تعني نهايته، مشيرا إلى أنهم سينحازون إلى الجبال والكهوف، حتى ولو كانت اعدادهم صغيرة، كما حدث مع تنظيم القاعدة حين هزم على يد مجالس الصحوات السنية المتحالف مع الاميركيين بعد عام 2008.
يقع معسكر عائشة حسب المصدر الأمني في المنطقة المحصورة ما بين شمال بحيرة حمرين غرب ناحية السعدية وجلولاء، شمال شرقي المقدادية، ويبعد عن بعقوبة مركز محافظة ديالى نحو 80 كم “.
ويعلل المصدر سبب اختيار هذا المكان، إلى “عدم وجود مراكز للقرى قريبة منه، ويقع ضمن مناطق الفراغ الأمني، بالإضافة إلى حرية الحركة شمالا، كون المعسكر يربط شمال المقدادية وبعقوبة والخالص، وصولا إلى ناحية العـظيم 60 كم شمالي غرب ديالى”.
إعادة المفارز الأمنية إلى الواجهة مرة أخرى مكنها من استهداف عدد من النقاط الأمنية الموجودة في ناحية العظيم، أو على الطريق الرابط ما بين محافظتي ديالى وكركوك.
وتنوعت تلك الهجمات ما بين استهداف مباشر لنقاط أمنية سواء تابعة للجيش العراقي والشرطة وكذلك الحشد الشعبي والحشد العشائري.
لعل آخرها كان استهداف سرية تابعة للجيش العراقي في ناحية العظيم شمال غربي ديالى، وقتل فيه 11 عسكريا بينهم ضابط.
ويقول علاء النشوع المحلل الاستراتيجي أن عدد الهجمات وصلت إلى “2000 عملية منذ العام 2019 ولغاية عام 2020، أغلب تلك العمليات تركزت في محافظتي ديالى وصلاح الدين القريبة منها”.
ويتابع، أن “الفكر السياسي العراقي ما بعد عام 2003 بني ما في داخله على فكر إرهابي لأنه رفض وجود الرأي الآخر، ومن يتحكم في ديالى هم أشخاص محسوبين على التيارات السياسية، وهؤلاء يحاولون تغير المنطقة ديمغرافيا، ويحاولون أثبات أن هذه المحافظة تختلف في مكونها عن المكون الآخر، أقصد السني عن الشيعي، رغم علمهم جيدا أن الغالبية العظمى فيها من السنة”.
ويرى النشوع، أن “سبب التطرف هو غياب الخطاب الوطني وسيطرة الخطاب الديني في العراق، لأن الخطاب الديني، لأن الخطاب الديني متطرف سواء السني او الشيعي”.
المصدر / بي بي سي