السيمر / فيينا / الأحد 13 . 02 . 2022
معمر حبار / الجزائر
أنهيت العام الماضي قراءة كتاب: “مذكرات المجاهد سليمان الغول، ضابط جيش التحرير الوطني في جبال ومعارك الونشريس”، تحرير الأستاذ: محمّد عزّة، منشورات أنوار المعرفة،مستغانم، الجزائر، 2013، من 367 صفحة.
المذكرات الشخصية ملك الأمّة الجزائرية:
جاء في مقدّمة الكتاب وعلى لسان المجاهد سليمان الغول وهو يتحدّث عن المجاهدين الذين رفضوا ويرفضون كتابة مذكراتهم، قوله في صفحة 21: “أمّا الذين لم يكتبوا بعد فهم أحرار في ذلك ومسؤولون في نفس الوقت لأنّهم ملزمون على الأقلّ بتدوين مايعرفونه أو مايتذكرونه عن ثورة أوّل نوفمبر 1954، لأنّ مساهماتهم في الثورة ضدّ الاستدمار الفرنسي لم تعد ملكهم بل أصبحت ملكا للأمّة الجزائرية كلّها والأجيال الحريصة على الارتباط بماضيها المجيد“.
أقول: أيّام المرء ليست ملكا له لوحده، بل هي ملك دولة، ومجتمع، وأمّة. ولا يحقّ لصاحب الأيّام أن يخفي أيّامه عن جيله الذي قاسمه أيّامه، وعن الجيل الحاضر والقادم الذي لم يشهد أيّامه.
كتب مذكراته سنة 2012-2014 حسب مافهمته من كلامه في صفحة 22: “خاصّة وأنّنا نعيش أعياد الذكرى الخمسين لاسترداد الاستقلال الوطني 1962 والذكرى الستين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954“.
ولد المجاهد سليمان الغول بتاريخ: 27 مارس 1937 حسب ماجاء في صفحة 33، مايعني أنّه كتب مذكراته وهو في سن 76-77 من عمره، وهو الآن في عمر 85 من عمره.
جرائم الاستدمار الفرنسي:
قال: أحرق الاستدمار الفرنسي الشجر، ونسف الحجر، وأهلك البهائم والبقر. ومن حقّ هذه الكائنات الجامدة غير النّاطقة أن يتحدّث عنها من كان شاهدا على هلاكها في أيّامه، وقد استمدّ طعامه، وملبسه، وحمايته، وراحته، وبطولته منها وهي التي لم تطلب منه جزاء ولا شكورا.
قال: “المدارس الفرنسية كانت حكرا على أبناء المستدمرين الفرنسيين وقلة من أبناء الجزائر المحظوظين أو الموالين للاستدمار”. وبسبب وضعية العائلات الجزائرية المعدومة بسبب الفاقة الشديدة جدّا التي تدفعهم دفعا إلى البحث عن لقمة العيش على حساب الدراسة.
أقول: يبدو من حديثه أنّه لم تتح له فرصة التّعلم، لكنّه قال في صفحة 33: تعلّمت أنّ فرنسا دولة أجنبية رومية وأنّ الفرنسيين محتلون لأرضنا ومستغلون لخيراتنا ومزارعنا وثرواتنا ومياهنا. (أضيف: ماأعظمه من تعليم).
جاء في صفحة 34: طرد الاستدمار الفرنسي الجزائريين من الأراضي الخصبة واستولى عليها، ثمّ طردهم من الأراضي غير صالحة للزراعة إلى الأراضي الجرداء.
ذكر أنّ: القوات الفرنسية المحتلّة المجرمة تستدعي جزائريا لأنّه ضرب معزة فرنسي مستدمر مجرم، وأنّبته تأنيبا شديدا.
المجاهد الذي روى الحادثة للمجاهد سليمان الغول أجهش بالبكاء وهو يروي الحادثة بعد مرور عقود من الزمن.
أقول: المحتل المجرم الفرنسي حين يستولي على قرية يستولي على كلّ شيء بما فيها المعزة. ويفرض على الجزائريين ضرائب باهظة لكلّ من يملك حيوانا بما فيها المعزة. والمعزة التي بين يدي المستدمر الفرنسي المجرم أغلى من كلّ مايملكه الجزائري[1]، وممّا تملكه المرأة الجزائرية من حلي -إن كان لها حلي-. والسّعر في هذه الحالة يحدّده الفرنسي المحتلّ وليس العرض والطلب، ولا السّوق.
أضيف: هذه صورة مصغّرة عن حقيقة النهب، والسّطو، والمهانة التي كان يمارسها الاستدمار الفرنسي ضدّ الجزائريين وطيلة 132 من الاحتلال، والقائمة السّوداء مفتوحة لمن أراد أن يضيف.
جاء في صفحة 89 وبأسلوب وألفاظي: بعد المعارك التي كانت تحدث بيننا والقوات الفرنسية المحتلّة المجرمة، والخونة الحركى الذي برفقتهم، كانت بعد انتهاء العمليات تقوم فرنسا المجرمة بنقل قتلاها المجرمين وتبقى على القتلى من الخونة الحركى والسنغاليين (سَالِيﭭانْ) في ساحات المعارك لأنّهم لايساوون شيئا عند فرنسا المحتّلة المجرمة التي جنّدتهم.
دور الزوايا في دعم الثورة الجزائرية:
تحدّث بفخر واعتزاز عن مساهمة أسيادنا أولياء الله الصالحين رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم، والزوايا عبر الشلف (الأصنام سابقا) والجزائر كلّها في تهيئة وتعبئة الجزائريين روحيا، وأخلاقيا، ووحدة الكلمة ضدّ الاستدمار الفرنسي.
تحدّث في صفحة 26 عن عظمة الشلف التي احتضنت كبار قادة المقاومة من أمثال سيّدنا الأمير عبد القادر. وكذا أسيادنا الشهداء من أمثال امحمد بوقرة، ومحمد بونعامة، وعميروش، وحسيبة بن بوعلي رحمة الله عليهم ورضوان الله عليهم جميعا.
قال في صفحة 33: معظم الذين التحقوا بالثورة في المنطقة كانوا تلاميذ في زاوية سيدي نهار.
دور النخبة العسكرية في دعم الثورة الجزائرية:
رفض وهو في سن 18 أن يؤدي الخدمة العسكرية تحت الاستدمار الفرنسي، وقال: “لا للقبعة الفرنسية“.
اختارته قيادة الثورة الجزائرية ليكون ضمن النخبة (الكومندوس)، وكانت الفكرة من سيّدنا الشهيد محمد بوقرة قائد الولاية التاريخية الرابعة سنة 1965، رحمة الله عليه ورضوان الله عليه.
أقول: فهمت من حديثه أنّه انضمّ إلى الثورة الجزائرية وفرفة النخبة وهو في 19 سنة من عمره.
كانت تضم فرقة النخبة 170 مجاهدا.
أقول: فهمت من حديثه أنّ الثورة الجزائرية كانت حين تلقي القبض على جنود فرنسيين مجرمين تسلّمهم مباشرة للصليب ليسلّمهم بدوره للاحتلال الفرنسي، أي لم تكن هناك شروط ولا مطالب ولا سقف من طرف قادة الثورة الجزائرية.
أقول: إن صدق الخبر، فهذا من الأخطاء التي ارتكبتها الثورة الجزائرية، وقادة الثورة الجزائرية.
ذكر في صفحة 47، أنّ العديد من أسيادنا الشهداء استشهدوا في غير ولاياتهم التي ولدوا فيها.
أقول: تمثّل هذه النقطة -وقد قرأت عنها في عدّة مذكرات- إحدى مظاهر العظمة لدى الثورة الجزائرية.
قالوا عن المجاهد سليمان الغول:
ترك صاحب المذكرات الكلمة للذين عرفوه منذ الصّغر، وأثناء الثورة الجزائرية، وعقب استرجاع السّيادة الوطنية، والعشرية الحمراء، وإلى غاية كتابة الكتاب وهذه الأسطر ليتحدّثوا عنه وقد بلغوا من الكبر عتيا.
أقول: أعترف أنّي لأوّل مرّة أقرأ هذا النوع من المذكرات حيث يصمت صاحب الكتاب ويترك أترابه يتحدّثون عنه.
تحدّث صاحب المذكرة، والشهود وهم من مواليد 1927، و1936 وتواريخ أخرى عن إسقاط طائرات المحتلّ الفرنسي المجرم يومها، وبشكل متكرّر.
أقول: وأعترف أنّي لم أقرأ هذا العدد من إسقاط الطائرات في مذكرات أخرى عاش أصحابها أحداثا مشابهة، وعبر مناطق مختلفة. وكم أتمنى من العسكريين المختصين شرح عمليات إسقاط طائرات المجرم الفرنسي المحتلّ من النّاحية الفنية العسكرية ولهم بالغ الشكر والتّقدير.
كان المجاهد سليمان الغول ضمن فرقة النخبة التي اختارها بعض قادة الثورة الجزائرية نظرا لبنيته الجسدية، وعوامل أخرى. وقد لاحظت ذكر العمليات العسكرية بأعداد كبيرة، ومستمرة، وذات نوعية ولسنوات.
أقول: من طبيعة النخبة العسكرية المكلّفة بالمهام الصّعبة القيام بالعمليات العسكرية النوعية في كلّ وقت، وباستمرار، ودون انقطاع ولذلك تعتبر العمليات الكثيرة المذكورة على لسان صاحب المذكرات والشهود الذين بلغوا من الكبر عتيا أمرا عاديا جدّا، نظرا لبنيتهم الجسدية، وشجاعتهم، وإقدامهم.
أقول: ذكر الشهود وصاحب المذكرة وفي أكثر من مناسبة وباستمرار الخسائر المادية والبشرية التي ألحقها بهم العدو الفرنسي المحتلّ وأقرّوا أنّها كانت بالغة التّأثير كما ذكروا الخسائر المادية والبشرية التي ألحقوها بالمجرم الفرنسي المحتل.
المجاهد سليمان الغول كما يراه المجاهد سي مراد:
انتقد بشدّة المجاهد سي مراد[2] رحمة الله عليه بعض ماجاء في مذكرات “مذكرات المجاهد سليمان الغول”” عبر مذكراته “مذكرات سي مراد”.
أقول: أمر عادي أن يتم نقد مجاهد من طرف مجاهد. ومن عظمة الثورة الجزائرية أنّها لم تنسب العصمة وعدم الأخطاء لنفسها، ولا لقادتها، ولا لشهدائها، ولا لجنودها، ولا لرجالها، ولا لنسائها.
أضيف: من قبل شهادة المجاهد سي مراد في المجاهد سليمان الغول فليقبل شهادة سي مراد في آخرين ذكرهم بالإسم، وذكر أفعالهم وأقوالهم.
من: “سليمان الغول، أسد الونشريس” الى: “مذكرات المجاهد سليمان الغول”
النسخة الأولى من الكتاب والتي صدرت منذ سنوات كانت تحمل عنوان: “سليمان الغول، أسد الونشريس”، والنسخة الأخيرة من الكتاب والمرفقة عبر المقال تحمل عنوان: “مذكرات المجاهد سليمان الغول” دون ذكر لقب: “سليمان الغول، أسد الونشريس”.
أقول: من مزايا مذكرات الجزائريين الذين حاربوا الاستدمار الفرنسي أنّهم: متواضعون جدّا. ويجنّبون أنفسهم ألقاب العظمة، والبطولة الخارقة، والكرامات. ويعترفون بأخطائهم، وتقصيرهم. ويعترفون بتفوّق الاستدمار الفرنسي عليهم من حيث العدد والعدّة. ويقرّون بعجزهم عن اقتحام منطقة لشدّة الحراسة أوكثرة عدد أفراد الجيش الفرنسي المحتلّ. ويعترفون أنّهم أميون لايجيدون القراءة ولا الكتابة لأسباب تتعلّق بالاستدمار الفرنسي. وحين لايتأكد من معلومة لايذكرها. وحين يريد التأكد منها يشير لأحد أصحابه الذي شهد معه المعركة، أو يستعمل عبارات: لست متأكد بالضبط من العدد مثلا، والذاكرة لم تعد تسمح لي بذكر التفاصيل الدقيقة. ويظلّ الصّادق الأمين في ذكر المعلومة، ونقلها. ويوصون القرّاء بعدم الاكتفاء بما يقدّمونه لهم من معلومات، ويطالبونهم بالبحث، والمقارنة، والتأكد منهم أو ممن عايش المعركة أو الحادثة وما زال على قيد الحياة، أو الرجوع للكتاب الفلاني أو الحوار الفلاني.
مذكرات الجزائريين الذين شهدوا الثورة الجزائرية صادقة[3]، لأنّ أصحابها لايكذبون. وقد يعتري صاحبها النسيان، وعدم التذكر بدقة، والاختلاط في الأسماء والأماكن، ويكفي حينها بعض المراجعة والمقارنة.
إنّ الذي يرفض أن يطلق عليه لقب لقب “أسد الونشريس” أو غير ذلك من الألقاب التي تدلّ على الأعمال الخارقة والتي تتعدى قدرات البشر لايمكنه بحال أن يكذب وهو مقبل على آخرته.
يمكن للقارىء الكريم أن يقارن بين مذكرات الجزائريين البسيطة في عناوينها، والتي تدلّ على التواضع ونكران الذات بعناوين لدول عربية، ومسلمة أعجمية وسيجد الفارق عظيم.
هناك كتب ألّفت عن شخصيات، ومجاهدين تحمل ألقاب العظمة الخارقة، لكن هذه العناوين ليست من وضع أصحابها بل هي من وضع من كتب عنهم من ابن، أو بنت، أو صاحب، أو أستاذ وغير ذلك. وقرأت عنوان كتاب: “…, le lion du djebel” (… أسد الجبل).
ممّا وقفت عليه، أنّ المجاهدين يتواضعون حين يتعمّدون عدم وصف أنفسهم بالعظمة الخارقة، ورفضهم أن تسمى مذكراتهم بعناوين مبهرة كـ: “أسد الوشريس” و”أسد الجبل”، لكنّهم في الوقت نفسه لايتواضعون للمحتلّ المغتصب، ويتعاملون معه بندية خارقة، ولا يستسلمون له، وكلّهم ثقة باللّه تعالى، وأنّ الله تعالى سينصرهم على المحتلّ المغتصب ولو كان أكثر منهم عددا وعدّة، وهذه هي العظمة وليس عنوان الكتاب.
[1] من أراد أن يعرف كيف أنّ الاستدمار الفرنسي جعل العدم الذي يملكه المحتلّ المستدمرأغلى من الذهب الذي يملكه الجزائري، فليراجع كتاب:
: DE PIERRE LOTI « LES TROIS DAMES DE LA KASBAH », EDITIONS DU LAYEUR, 96 PAGES..
[2] للزيادة راجع من فضلك: الكتاب هو: “مذكرات النقيب سي مراد (عبد الرحمن كريمي)، تحرير الأستاذ: ج حنيفي، دار الأمة، برج الكيفان، الجزائر، الطبعة الأولى 2005، من 353 صفحة.
[3] للزيادة حول صدق المجاهد_الجزائري راجع من فضلك: منشورنا بتاريخ: الجمعة 28 ربيع الثاني 1443هـ، الموافق لـ: 3 ديسمبر 2021 وبعنوان: #المجاهد_الجزائري_صادق_ولا_يكتب_الانطباعات .
*الجزائر / الشلف
الأحد 12 رجب 1443 هـ، الموافق ل: 13 فيفري 2022