أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة وادب / خلدون جاويد ، حينما يكتبُ عن الساسةِ المنائكةِ (1)

خلدون جاويد ، حينما يكتبُ عن الساسةِ المنائكةِ (1)

السيمر / السبت 25 . 06 . 2016

هاتف بشبوش

خلدون جاويد شاعرُّ يساري صوفي ، إعتزل مجالسة أهل السلطةِ والجاه والمال ، إنه من الشعراء العظماء على غرار ماقالهُ حكيم الصين كونفوسيوش( العظيم ينظر الى الحق والحقير ينظر الى الكسب) . شاعرُّ يكتب منذ الستينيات، له العديد من المنشورات في كافة الصحف الورقية والألكترونية ، أصدرت له حتى الآن تسعة كتب بين الدواوين والقصص ومنها ( هذه العمائمُ لاتطاق.. جربُّ أصيبَ به العراق) شعر . ( كتابة على صليب وطن ) شعر، ( شمعة ذكرى الى أم عراقية ) قصص ، (قم ياعراق فقد تناهبك الوبا) شعر.
شعرُ خلدون جاويد له ثلاثة أبعاد ، شعر الشوق والحنين الى الوطن ، ثم الشعرالمضاد للفاشية العسكريتارية ، وثالثا الشعرُ المضاد للفاشية الدينية . ثم بعدها ضاق ذرعا بالإستهتار الأبدي للفكر الكهنوتي فقام بكتابة القصائد الصادمة ، أو إسلوب الصدمة المباشر ، الصدمة التي يشعر بها القارئ حتى تجعل منه جذلاً مع النفس في أول قرائته لعنوان القصيدة ، فهنا في هذه الدراسة قد تناولتُ الجانب الغريب في موسومية قصائد الشاعر الكبير خلدون ، تلك القصائد الصادمة التي لم يكتبها اي من الشعراء ، انها القصائد الخلدونية ولاغيرها ، انها القصائد الغرائبية التي تستهين أيما إستهانة بالرجعية ورجال الساسة الذين أغرقونا بالتفاهات . أنهُ شاعر التهكم بإمتياز على غرار الشاعر الروسي مايكوفسكي حين يقول على سبيل المثال :

يحشر المتخمون العلف في أجوافهم التي كالطوابق‏ الأربعة حتى الرقبة‏
وبصعوبةٍ يفتحون عيونهم‏ ويقهقهون‏
في الأربعين من العمر الضائع مرة أخرى ساخرين‏
أنّ بين أضراسي بقايا لذةٍ من كعكةِ البارحة
ــــــــــــــــــ
قصائد خلدون جاويد هي من النوع الذي يصيب في الأوان عند النظر اليها ، قصائد كلها تجبر النفس على أن تتكلّم عن شاعر اسمه خلدون . ولم لا فإن الطبقة السياسية الحاكمة اليوم لايمكن لنا أن نكتب عنها بالإسلوب الكلاسيكي الذي ماعاد ينفع مع هؤلاء السرّاق والمتخلفين ، إنهم ساسة غرباء لم يأت التأريخ بأمثالهم في مجال خيانة الوطن ، وعليه يتطلب أمرهم الى أدب يستهين بهم الى حد التنكيل بابشع الصفات ، كي يستطيع المرء أن يشفي غليلاً طال به الأمد من هؤلاء الساسةِ بالكلام على الأقل وليس بالتعنيف والقتل والترويع الذي جاء لنا من هؤلاء الساسة الطائفيين أنفسهم . لاينفع معهم سوى سياط خلدون جاويد البوحية المثيرة . ومن هذه السوطيات ذات الجدل العميق والطريف ( قصيدة الطيز ، المنائكة ، الكسكسة ، الجرابيع ، الدين المخدّر، تفٍ على إسلامكم …الخ ) . لنر ماذا قال في قصيدته الموسومة (قصيدة الطيز) :

لكن بغداد العاصمة الترباءْ
نامت في فوهة كاتمْ
وضاجعها قائد ميليشيا
وداعشُ أنجبها مليونَ نغيلٍ ونغيل

ثم يكمل:

واذا بالمال العام غدا نهبَ الريحِ
ونهب السرقاتِ
واذا بالوضع العام
مجردُ طيزٍ
والطيز كما يعلم فخـّاذوهُ ثلاثةُ أنواعٍ
الاوّلُ يُدعى الميزان اذا سارَ
تسيرُ الانجمُ والاعينُ والاكبادُ وراءَهُ
والثاني الرجراجُ
يرفرف في دورتِهِ
سُمّاني في طعنتِهِ
غدارٌ ميليشياويٌ فتـّاكٌ !
والثالث
يُدعى الطائحُ حظـُهُ
وأما طيزُالشيخ المتصدّر مؤتمر الذلّ
فقد قرّر أن يدعو “الأعيرة النارية ”
أنْ تحتلّ الأطيازَ جميعا
أنْ تقعدنا في البيتْ
عطـّالين وبطـّالين
أن تسعدنا بعبوديتِنا
بالرعب وبالتزييف وبالافسادْ
وحرق الأولادْ
والشيخُ المأبون الضالع بالتخريبْ
لا يحتاجُ الى دهن كريز
فمضيقه سالكْ
ــــــــــــــــــــــــــ
يُفرغ خلدون جاويد بما في رأسهِ من شحناتٍ متراكمة ، فيكتب متماهيا مع احداث اللحظة ، لايفكر سوى بالوطن , يحاول أن يظهر الوطن الى الوجود ، الوطن المبتلى والمشلول منذ عقود ، خلدون يكتب بالأسلوب المشاكس ، الذي لابد له ان يحدث تغييرا في نفسية القارئ أوإندهاشا ذهوليا يجعل من المرء التساؤل عن هذا الوطن الذي يحتوي كل هذه الأمراض ، والعلل التي باتت تنخر فيه ، وها هو خلدون يفرزها كلها ويعطيها لنا على ورقٍ جاهز للقراءة لايحتمل التأخير للغد . أنه يفضح من جاء اليوم واتخذ الشمعة رمزا لحزبه أو إئتلافه الذي دخل الإنتخابات البرلمانية والتي فازت بطرقٍ ملتويةٍ من قبل الشعب الخانع لتقاليد باتت تشكل العقبة الرئيسية في التغيير ، وهاهم أولئك الأطيزة الذين أوصلوا البلد الى هذا المآل الضحل ، الذي غدا عبارة عن ميليشيات وعطالة لم نألفها من قبل ، كما وأن الإنسان أصبح كسولا لايحب التغيير ، وهذه الحالة لم تمر على العراقي المعروف بثوريته على مر الأزمنة ، مما جعلت منه بليدا هذه الأيام لايحرك ساكناً (إذا فرضتْ على الإنسان ظروفاً غير إنسانية ولم يتمرد سيفقد إنسانيته شيئا فشيئاً ….جيفارا).
خلدون شاعر ملفت للرقاب ، ومن سناء روائعه ننهل مصابيح العلى والسناء كي نتجاوز دجى المتخلفين لساسةِ هذه الأيام ، والذين يصح أن نقول عنهم منائكة كما لقبهم الشاعر خلدون في قصيدته المتميزة الموسومة أدناه (المنائكة ) :

منائكةْ . منائكةْ. منائكةْ.
أكلتموا القمرْ
ظناً بأنه رغيفْ
مِن بعدما نهبتموا كلّ حقولِ القمحِ
ياجرادْ
جَوّعْتموا الأطفالَ والشجرْ

ثم يستمر:

كلكامشُ العظيمُ لامَحالهْ
آتٍ لنا بعشبةِ الخلودْ
عشتار بالخصْبِ
وبالناقوس تموزٌ
وروحُ عبد الكريمْ
ستمطرُ العراقَ بالندى
لابالدموع والجراحْ
مسلة المجْدِ على الطريقْ

ثم يستمر:

دهليزَ سوسنٍ ونرجسٍ
يفضي الى بغدادْ
لابُدّ مِن بغدادْ
فانها أقرب مِنْ حبلِ الوريدْ
للريدِ للشريدِ للشهيدْ
وليذهب الطغاة للجحيمْ
جموعُهمْ عمّا قريبٍ هالِكهْ
منائكه
ما هُمْ سوى منائِكهْ
منائكهْ منائكهْ .
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(فاذا اصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما وعويل)…..
هنا الشاعر أعلن صرخته المدوية بلا مواربة ، لكنه يتألم حين يرى نفسه في تلك الدائرة المميتة والمقيتة (أنا اصرخ الاّ أنك لاتسمع صراخي …. ماريا اريك ريمارك ) . فمن جرّاء نفاذ صبرهِ ، أدى به أن يطلق كلمة المنائكة على هؤلاء القوم ، التي لها معنى كبير ويوخزُ في الصميم لدى شعوب الشرق المريض ، أطلقها عليهم وهم أحوج اليها ، أطلقها عليهم لغرض التنكيل نظرا لما فعلوه بشعبهم من خيانة وسرقات وقتل ، أطلقها عليهم لغرض الإستهانة وغرز روح الألم فيهم ولو أنهم ينتمون الى ( مالجرحٍ بميتٍ إيلامُ) ، أطلقها عليهم لغرض صب اللعنة والتشفي لا لغرض الدعابة كما فعلها يوما ابو نؤاس حينما طلب منه أحد الوزراء أن ينشد ابياتا بحق إبنه الشاب الوسيم ، فقال مداعبا إبنه بعدما رآه وسيما جميل الطلعة والمنظر ( قبلة ُّ منكَ ، نيكة ُّ من سواكا / وهما في المقياس عندي كذاكا / وإذا مارأيتُ وجهاً مليحاً / كان حظي من نيكهِ أن اراكا / خلق الناس كي يسوسوا إموراً قلّدوها/ وانتَ كي ما تناكا) . مما أدى الى غضب الوزير على ابي نؤاس ، فرد عليه ابو النواس وقال له ( والله أنه احوج اليها) . هذا هو تصور العرب على المنيكة والمنائكة ، ولذلك سمحَ الشاعر خلدون لنفسه أن يطلقَ هذه الكلمة الوجيعة على هؤلاء القوم ، لأنه ماعادت تنفع الكلمات المنمقة والشعر المهذب إتجاه ساسة لا يتصببون عرقاً واستحياءً من شعبهم .
يكتب الشاعر خلدون عن الأطفال في قصيدته أعلاه وكيف جاعوا في هذا الزمن الرديء،فالكثير من الأدباء العالميين قد كتبوا عن الأطفال بشكل مذهل وخصوصا الأطفال المشردين نتيجة الفقر المدقع , ومنهم الروائي الفرنسي الشهير فيكتور هيجو في رائعته البؤساء , وكيف نرى( جان فالجان) بطل الرواية( استطاع انتشال تلك الطفلة الفقيرة اليتيمة الأبوين والتي كانت تعمل خادمة وهي في سن الزهور , في بيت أعتى اللصوص . اشتراها جان فالجان وأخذها كإبنة له حتى كبرت وترعرعت في كنفه , وعرفت الحب ولواعجه , ونالت الحياة الحرة الكريمة التي وفرها لها جان فالجان بعد ان كانت في طفولتها تعاني من مرارة الفقرالمدقع . اما الطفلة الثانية فهي تلك التي كتب عنها ماريو بارغاس يوسا في رائعته ( شيطنات الطفلة الخبيثة) , تلك الطفلة البيروية التي يجعل الجوع منها مراهقة خبيثة , والتي كانت تحلم بالثراء السريع وبشتى الوسائل والطرق , أقامت العلاقات الغرامية والجنسية مع الأثرياء فقط , بغية الوصول الى مبتغاها وهو الثراء , وفي كل مرة تخرج من الحب ذليلة خالية اليدين , كتلك الفتاة في رائعة جوستاف فلوبير ) مدام بوفاري( ورقصتها البافارية الشهيرة) , التي كانت تؤذي زوجها الطبيب البسيط بعلاقاتها الطائشة مع النبلاء التي أوصلتها الى الخنوع واليأس حتى وضعت حدا لحياتها المؤلمة ، فانتحرت بالسم . أما بالنسبة لطفلة الشيطنات أيضا كانت أكثر ماتؤذي في خباثتها ، حبيبها الوحيد الذي أحبها ، من بين العشرات الذين تمتعوا في جسدها البض ورموها خارج اللعبة غانية ذليلة مهانة مع حفنة ضئيلة من المال ، الذي لايتناسب وحلمها الكبير . حتى أصيبت بالسرطان وهي لما تزل تلهث وراء مملكة المال والثراء ، لكنها وفي أيامها الأخيرة تبحث عن حبيبها الوحيد الذي أحبها ، وتلتقيه في أسبانيا وتعترف له بسلطان الحب ، لكنها جاءت ورياض الموت مترعة ، جاءت مع الندم , ولات ساعة مندمِ ، وكأن الطفلة هذه محكوم عليها , ان يرسَم الفقرُ لها تلك الميتة المأساوية ، والتي تبكي كل من يقرأ حالها ، تموت وتترك بيتا بسيطا ، ابتاعته من المال الذي جمعته من ثمن أخطائها ، تترك بيتا فارغا من أنفاسها ، لحبيبها الذي رافقها حتى الرمق الأخير . اذن هو الفقر الذي تحدث عنه الشاعر الكبير خلدون ، الذي يجعل من الأطفال حبيسي البيوت والسجون، الأطفال المشردين , الجوعى الذين يُحبسون من قبل الدخلاء وهم اللصوص الكبار , وقد تناول هذا الموضوع الروائي الكبير نجيب محفوظ في أكثر من عمل له , حيث يحكي لنا حال الأطفال والمراهقين الذين يتعرضون لشتى أنواع التمثيل بأعضائهم الجسدية من بتر وتعويق في سبيل الغايات الأخرى للاستجداء ، وقد مثلت رائعة نجيب محفوظ( الحرافيش) في فيلم سينمائي جميل ، من تمثيل عادل إمام ، وحيد سيف ، والممثل الشيوعي علي زين العابدين الذي سجنه جمال عبد النصر لسنين طويلة ، ثم سيد زيان ومجموعة من الأطفال . فما بالنا عن الدخلاء في زمن البعث المجرم والجلاوزة الذين كانوا دخلاء لئيمين على بيوت الفقراء ، حيث كانت مداهماتهم الفجائية للبيوت الهاجعة بينما الأطفال والنساء تنام ورؤوسهم مع أرجل الآخرين والعكس بالعكس , لضيق بيوت الفقراء .بوح فيه من الشفرات التي يمكن الدخول من خلالها ، وابداء الرأي وهذا اهم ما في البوح ، واذا ما أردنا ان نأخذ إنطباعا حقيقيا عن الأطفال، علينا ان نرى شارع المليون طفل حافي في حي الشعب ببغداد , في زمن الملعون صدام ، وحسب ظني أن الشارع مازال حتى يومنا هذا ، بل أسوأ ربما ، بسبب سرقات رجال ساسة اليوم والتي لايمكن أن يكون لها مثيل على مر تأريخ العراق الحديث والقديم . الطفل يستأهل أن نكتب عنه الكثير والكثير ، إنه ذلك الذي ينبهرفي الفن بل الأكثر إنبهارا من الفنان نفسه ، إنّ الطفل يستطيع إعادة الحلم الى الحقيقة فيأتي الإنبهار والتعجب للصورة الرمزية الغارقة في التأويل .

اترك تعليقاً