السيمر / فيينا / الجمعة 11 . 11 . 2022
كفاح الزهاوي
دخلت قاعة التهريج، رأيت القرود مجتمعين، متوضئين وملء أشداقهم أصداء ضحكات هازئة تتعالى مستهينة بالجموع النائمة في دائرة التحشيش الاسبوعي.
سمعتهم يلقنون الناس المواعظ السائغة والمهلكة، ويكسون أدمغتهم بمواد وقد هرأه الصدأ، سعياً منهم تجميد سوائل العقل، وتدمير الاتصالات الخلوية مع بعضهم البعض، واشاعة الفوضى في خطوط النقل، محدثة صدعاً متعرجاُ، وعطلا في البرنامج الذهني.
ومن فرط الورع جعلوا من الكذبة حقيقة، تلك الحقيقة المظلمة، المغلفة برداء نور خداع يُوهِم البصر بادعائها انها الحقيقة المطلقة التي لا تخضع للنقاش والمبادلة. ليست هناك حاجة للانخراط في تشغيل الفكر والبحث العميق، لأن هذا المجلس يشكل المرآة التي تعكس أمنياتك ورغباتك، ولكن ليست على هذا الكوكب تحديداً، وإنما في حياة لا يرغب اعضاؤه أنفسهم في تحقيق هذه الأمنية ولا حتى لأبنائهم.
وبهذه المواعظ يقوم مجلس العظماء بحقن الناس لقاح المناعة التامة حتى يتحرر من التفكير في معاناة البلاد وكوارثها، فيتمكنون بالتالي من الهيمنة على مقدرات الانسان وكرامته.
هذا الوهم الساري ينتقل كالفيروس المعدي من كائن الى آخر ويوسع دائرة الخطورة حوله، فيشكل منهجا عقلياً ذا عاهة مستديمة، بحيث يعرقل عملية تأهيل الفكر والتبصر حافلاً بالأضرار والريبة.
ومن صحراء الجهل تهب رياح الأوهام حاملةً معها الغبار السام الذي يحجب الرؤية ويكبح القدرة على المواصلة في الطريق الصحيح، مما يصيب قطيعاً من البشر وينتج عنه انفجار جماعي ونمو متزايد لخصوبة تربته. ثم ينشرون دعايات مضللة بإلقاء تبعات التخلف والفقر والحرمان على قوى بعيدة عن أسوار المجلس.
ولأجل تحقيق أهدافهم الخفية، من الضروري إنتاج بضاعة يمكنهم التعكز عليها كمصدر لتصريفها، لابد من فرض فكرة الاختلاف والتميز عن بقية البشر والتأكيد المتواصل على أهمية ما يسمى بالتقاليد والعادات المتناقضة. لقد اجتاحت هذه الأفكار البالية والمتأصلة رؤوسهم واستقرت في العمق، مستغلين بذلك غياب الشمس النائمة خلف الغيوم الوهمية.
ويرى هذا المجلس انه من الصواب ان يعيش المرء وسط قوم يعتاش على موائدهم وينال لقمته بفضلهم وفي نفس الوقت يحتقرهم ويقذفهم بأبشع النعوت. وكأنه بذلك قد أكمل رسالته وأرضى ضميره. والأنكى من كل هذا أن مجلس العظماء يرى الخطيئة والفاحشة في وجوه المضللين بهم، بينما تتجذر رواسبها في دمائهم.
يروون حكايات وينسجون قصصاً خيالية ويعزونها الى كتب وصفحات وأسماء مجهولة. ويقسمون بدلا من الله بالأئمة حتى ترسخت دون وعي في عقول المغيبين وأصبحت أكثر قداسة.
لقد تمرسوا على السير بثبات فوق حبل الكذب وجمعوا كل طاقاتهم في سلة تالفة لكي يبسطوا من امد التخدير ويجعلوا من سبات الناس مقبرة كبيرة تصب في خدمة المتسلطين.