السيمر / فيينا / الخميس 15 . 12 . 2022 —– بعد أن بيعت في سن الثانية عشرة كزوجة خامسة لزعيم قبلي في نيجيريا، عاشت هاديزاتو ماني، 10 سنوات من حياتها في العبودية.
وتحدثت لفريق بي بي سي 100 امرأة، من منزلها في النيجر، واصفة حياتها خلال تلك السنوات العصيبة: “كانت حياة مروعة، لم تكن لدي أدنى الحقوق التي يتمتع بها البشر، لم يحق لي اختيار الحياة التي أريدها ولم أمنح أي استراحة من العمل وحتى كنت أحرم من الطعام عند الجوع”.
بعد إطلاق سراحها في عام 2005 ، بعد صدور قانون مكافحة الرق في البلاد، تزوجت من رجل آخر لتبدأ حياة جديدة، لكن سيدها السابق رفع دعوى قضائية ضدها متهماً إياها بتعدد الأزواج، وحكم عليها بالسجن وهي حامل.
وفي النهاية، بعد مرور أكثر من 10 سنوات، أبطلت المحكمة الحكم السابق وألغته.
لقد كان ذلك الموقف تاريخياً في النيجر، التي ما زالت العبودية فيها مستمرة على الرغم من الجهود المستمرة لحظر هذه الممارسة.
واليوم، تعيش هاديزاتو في بلدة زونغو كاغاغي في جنوب النيجر، وتقوم بحملات من أجل النساء الأخريات لفهم حقوقهن والخلاص من حياة العبودية.
وظهر إسم هاديزاتو، على قائمة بي بي سي لأكثر 100 امرأة إلهاماً وتأثيراً حول العالم لعام 2022.
وتقول: “أشعر بفخر كبير بمكانتي كامرأة حرة، فبفضل عزيمتي ومثابرتي في النضال من أجل الحرية للجميع، باتت كلمة عبودية من المحرمات أكثر من أي وقت مضى”.
على الرغم من الأحكام الصادرة في المحاكم، وإطلاق الحملات من قبل أناس أمثال هاديزاتو، يُعتقد أنه لا يزال هناك أكثر من 130 ألف مستعبدة في النيجر في يومنا هذا، وفقاً لأرقام مؤشر العبودية العالمي.
بيعت هاديزاتو في الأصل بموجب تقليد “الواهايا”، أي الزوجة الخامسة.
ما هي الواهايا؟
الواهايا، شكل من أشكال العبودية السائدة في جنوب النيجر، يشتري الرجال الأثرياء والمتنفذون، تحت إسم الواهايا، فتيات يافعات بمبلغ 200 دولار تقريباً، لجعلهن الزوجة الخامسة، بطريقة يتحايلون فيها على الشريعة الإسلامية، التي لا تسمح للرجل بالجمع بين خمس زوجات في آن واحد، بل أربع كحد أقصى.
كما يتم تقديمن أحياناً كهدايا إلى الأثرياء.
وتكون الزوجة الخامسة فعلياً وعملياً، مجرد عبدة تُسخر لخدمة وطاعة سيدها وزوجاته الأربع الشرعيات وأطفالهن.
تتعرض الواهايا (الزوجة الخامسة) للإيذاء النفسي والجسدي والجنسي، وكثيراً ما يُحرمن من الطعام والاحتياجات الأساسية الأخرى، ويُجبرون على القيام بكافة الأعمال المنزلية ورعاية الماشية وزراعة المحاصيل في الحقول إلى جانب الخدمة المنزلية.
كانت هذه بالضبط هي حياة هاديزاتو، بعد أن اشتراها أحد الأثرياء من زعيم القبيلة واصطحبها معه إلى نيجيريا المجاورة.
وتقول هاديزاتو، إن زعيم القبيلة المتنفذ “حصل على صفقة جيدة” حين اشتراها هي وسبع نساء وفتيات أخريات دفعة واحدة، وبالطبع دون موافقة أسرهن وآبائهن.
وكانت هاديزاتو، التي حاولت الهرب إلى النيجر مراراً، تعاد إلى مالكها لتلقى أقسى وأشد انواع العقوبات.
“كان يقول إنه يستطيع فعل ما يشاء بي لأنه اشتراني كما يشتري نعجة”.
لم يتوقف الأمر عند الإيذاء الجسدي، بل وللاغتصاب أيضاً مراراً وتكراراً، وأجبرت على إنجاب الأطفال له أيضاً.
بؤرة تجارة الرقيق
كانت النيجر واحدة من البلدان التي تعد مركزاً لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، حيث تم نقل العبيد الأفارقة قسراً، وبشكل أساسي إلى الأمريكتين من قبل الأوروبيين الغربيين.
يعود تاريخ العبودية في المنطقة إلى أبعد من ذلك، مما يجعل هذه الممارسة راسخة في المنطقة بعمق.
وعلى الرغم من حظر المستعمرين الفرنسيين لهذه الممارسة في أوائل القرن العشرين، إلا أنهم في الواقع تجاهلوا هذه القضية.
في عام 1960، بموجب دستور النيجر الجديد، تم حظر العبودية مرة أخرى، لكن الدستور لم يردع مرتكبيها قط.
وفي عام 2005، اتخذت النيجر خطوة مهمة لمكافحة العبودية من خلال تعريفها وتجريمها رسمياً بموجب قانون العقوبات.
بعد الحكم لصالحها، مُنحت هاديزاتو شهادة الحرية، وغادرت منزل مستعبدها مع طفليها واثنين من صديقاتها الواهايا.
ولكن عندما تزوجت من زوجها الحالي، رفع عليها سيدها السابق دعوى قضائية متهماً إياها بتعدد الأزواج، مؤكداً للمحكمة بأنها لا تزال زوجته، فأدانتها المحكمة وبدأت معاركها القانونية من جديد.
تم إبطال الحكم لاحقاً، لكن هذه المرة رفعت هاديزاتو الدعوى القضائية ضد حكومة النيجر لدى محكمة العدل التابعة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ( ECWAS).
وقضى القضاة بأن النيجر انتهكت قوانينها الخاصة بمكافحة العبودية لعدم إدانتها الرجل الذي استعبدها وإدانة الضحية بدلاً من ذلك، وبسبب فشل الحكومة في تحمل مسؤوليتها القانونية لحمايتها.
ربحت هاديزاتو الدعوى، وحصلت على مبلغ 20 ألف دولار، دفعتها لها حكومة النيجر.
ساعدها ودعمها في كفاحها من أجل العدالة منظمة ( Anti-Slavery International) وجمعية (Timidria).
وقال رئيس جمعية تيميدريا، علي بوزو، إن العبودية لا تزال منتشرة في مناطق “كوني” و”مدوة بوزا” و”إيلا” وهي منطقة أطلقوا عليها اسم “مثلث العار”.
ويقول: “هناك قرى كاملة في” مثلث العار ” نصف سكانها من الواهايا”.
تجري بعض المحاكمات في النيجر بموجب قانون مكافحة الرق.
وحسب بوزو، كانت هناك 114شكوى متعلقة بالعبودية ما بين عام 2003 وأوائل عام 2022 ، انتهى الأمر بـ 54 منها بالمحاكمة، وستة بالإدانة فيما تم تعليق أربع منها.
لكن يبدو تحقيق أهداف المعركة ضد العبودية لا تزال بعيدة المنال.
من المفترض أن تكون الاحكام الصادرة حول جرائم العبودية السجن تتراوح بين 10 و 30 عاماً، لكن الأحكام الأخيرة الصادرة كانت أقصر بكثير، وتراوحت ما بين عام واحد إلى 10 أعوام.
تفاقم
يدعو الخبراء إلى مجموعة من التدابير لمعالجة مشكلة العبودية المستمرة، بما في ذلك دعم الفتيات للوصول إلى التعليم كفرصة للنجاة.
ويوصي بوزو، بتجريد الزعماء التقليديين – الذين يقفون في الغالب وراء هذه الممارسات – من سلطاتهم. كما يدعو إلى تحدي المفهوم الخاطئ السائد بأن “الواهايا” تتماشى مع الشريعة الإسلامية.
يقول البروفيسور دانوود تشيروا، عميد كلية القانون في جامعة كيب تاون ورئيس صندوق الأمم المتحدة لأشكال الرق المعاصرة، إن العبودية كانت في ازدياد في السنوات الأخيرة وتفاقمت بسبب جائحة كوفيد والحرب في أوكرانيا.
ويقول: “تقرير سبتمبر/أيلول 2022 الصادر عن منظمة العمل الدولية والمنظمة الدولية للهجرة و Walk Free يظهر أن هناك 50 مليون شخص يعيشون في العبودية على مستوى العالم، منهم سبعة ملايين من أفريقيا”.
وحاليا، هاديزاتو متزوجة وسعيدة، وهي أم لسبعة أطفال تتراوح أعمارهم بين عام واحد و 21 عام.
تقول: “لا أشعر بالأسف على ما حصل لي، لأن ما حدث لم يأت عن عبث، فقد سلطت محنتي الضوء على قضية الواهايا وعرف كل العالم بها”.
لقد ساعدت هاديزاتو العديد من النساء – بما في ذلك شقيقتها – على الهروب من ثقافة الواهايا والعيش بحرية وكرامة.
و تقول: “أُعلم هؤلاء النساء بشكل خاص وأعرفهن بحقوقهن وحرياتهن التي يكفلها القانون، وأتطلع إلى اليوم الذي سيتم فيه القضاء على العبودية في النيجر بشكل كلي، ليعيش جميع الرجال والنساء والأطفال بحرية”.
المصدر / بي بي سي