السيمر / فيينا / الأحد 21. 05 . 2023
لم يعد خفيا على جمهور كان موضوع “بنات ألفة” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، بحكم أن الكثير من وسائل الإعلام أثارت ذلك، وإن كان متشوقا لمعرفة التفاصيل. إذ كان المتفرجون عموما يتحرقون للتعرف على الأسلوب السينمائي الذي استخدمته في طرح قصة واقعية لأم، لها أربع بنات، مع الإرهاب الذي سرق منها اثنتين. واكتشف هذا الجمهور أن بن هنية قدمت عملا، بمشاركة الأم شخصيا، في قالب سينمائي مثير.
كان جمهور مهرجان كان ينتظر بشوق كبير عرض فيلم “بنات ألفة” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، ولا يبدو أن هذا العمل السينمائي المثير للجدل الذي عرض الجمعة، قد خيب آماله وانتظارات محبي السينما التونسية عموما.
وظهرت بن هنية وفريقها على السجاد الأحمر بفساتين زاهية متعددة الألوان، بحضور الشخصية الحقيقية لقصتها ومرآتها الممثلة هند صبري، التي جسدت دورها، ولعب الاثنان في الفيلم نفس الشخصية بإخراج لم تعتده العين السينمائية، وضع قصة واقعية لمعاناة أم وأسرتها مع التطرف في قالب فني مثير.
كان مثيرا على المستويين: شكلا ومضمونا، وفتح نقاشا واسعا وسط النقاد والمهتمين بالشأن السينمائي حول الأسلوب الذي اعتمدته المخرجة في سرد قصة فيلمها، بمزج ذكي بين الخيال والواقع، اختلطت فيه دموع الشخصيات بابتساماتها وضحكاتها.
ونجحت المخرجة التونسية إلى حد كبير في توصيل فكرة خطر التطرف، وما قد يصنعه بأطفالنا في عمل سينمائي ثقيل وخفيف على النفس في الوقت نفسه، لم تغب عن العديد من مشاهده مواقف كوميدية للممثلات الستة، فتمكنَّ في عدة مناسبات من انتزاع ضحكات الجمهور بالرغم من قتامة الموضوع.
فيروس التطرف
يروي الفيلم قصة حقيقية لأم لها أربع بنات، التهم الإرهاب اثنتين منهن. الأم تدعى ألفة اشتهر اسمها قبل سنوات عبر وسائل الإعلام في مرحلة توسع فيها غول التطرف. وكانت صرخاتها في بلاتوهات التلفزيونات بمثابة ناقوس خطر للآباء حول التهديدات التي تحيق بفلذاتهم أكبادهم.
وكانت الفتيات الأربع يعشن حياة عادية فيها الكثير من الفرح على الرغم من قلة ذات اليد والفقر. لكن وقوع ابنتيها رحمة وغفران بين أنياب التشدد، أزم الأجواء في هذه الأسرة، وصار هم الأم هو استعادة ابنتيها، وحماية الاثنتين المتبقيتين معها من فيروس التطرف.
هذا الفيروس القاتل لحب الحياة لدى الشباب، بدأت أعراضه تظهر مبكرا لدى رحمة وغفران. وكشفت المخرجة سينمائيا، انطلاقا من واقع مرير لهذه الأم، كيف استفاد التطرف والمتطرفون من التحول الجذري الذي وقع في النظام السياسي التونسي، علما أن البلد كان السباق في تجسيد ما سمي بـ”الربيع العربي” منهيا سنوات من الحكم البوليسي للرئيس الراحل زين الدين بن علي.
فبسبب قمع النظام السابق، لم يكن بإمكان المتطرفين أن يصولوا ويجولوا في تونس، لكن بعد سقوطه فسح لهم المجال في الحقبة الجديدة بنشر أفكارهم المتشددة دون رقيب، حسب ما تظهر مشاهد من الفيلم، وتحول الشباب، كابنتي ألفة، للقمة سائغة في أفواههم.
لم تنف ألفة ابتهاجها في بادئ الأمر بارتداء ابنتيها النقاب. السير في هذا الطريق، كان بالنسبة لها، تصحيح ما يمكن تصحيحه من ممارسات غير مقبولة مجتمعيا وأخلاقيا لدى رحمة وغفران. لكن ستكتشف فيما بعد أن ابنتيها سرقتا منها، وطار بهما الإرهاب إلى ليبيا. ويقضيان اليوم عقوبة السجن في هذا البلد عقب اعتقالهما.
“رأس حربة”
ينظر لبن هنية إلى جانب زميلتها السينغالية راماتا تولاي سي كـ”رأس حربة الجيل الجديد من صناع السينما في أفريقيا”، حسب ما صرح به مدير المهرجان تيري فريمو. والاثنتان تخوضان المسابقة الرسمية في أكبر عرس سينمائي عالمي ضمن سبعة نساء أخريات في سابقة هي الأولى في تاريخ المهرجان.
وكانت المخرجة التونسية قد عبرت عن بهجتها باختيار فيلمها ضمن المسابقة الرسمية. وكتبت في تدوينة جاء فيها: “يا لها من فرحة. يا له من فخر. فيلمي الوثائقي ’بنات ألفة‘ في المسابقة الرسمية لمهرجان كان”، قبل أن تضيف: “رؤية اسمي بين كل هؤلاء المخرجين، تجعلني أستوعب عظمة ما أعيشه”.
وأخرجت بن هنية مجموعة من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة، بينها “الرجل الذي باع ظهره” المتوج بعدة جوائز سينمائية، كما بلغ التصفيات النهائية لجوائز أوسكار عام 2021. وللمخرجة التونسية تجربة سابقة مع الفيلم الوثائقي، وكانت قد أخرجت في 2010 “الأئمة يذهبون إلى المدرسة”، وفي 2017 “على كف عفريت”، مرورا بـ”شلاط تونس” في 2014 و”زينب تكره الثلج” في 2016.
قصة ضمن قصة
وبرأي بعض النقاد، جربت بن هنية أساليب أخرى في الإخراج السينمائي، توجت بنمط جديد في عملها الأخير، الذي حظي بشرف المشاركة في المسابقة الرسمية لأكبر تظاهرة سينمائية عالمية. وهي الثانية لتونس منذ 1970 بعد حضور المخرج الراحل عبد اللطيف بن عمار في المنافسة.
فـ”بنات ألفة” هو قصة ضمن قصة، كما علق عدد من النقاد. فالمخرجة عرضت معاناة أم مع الإرهاب، الذي سرق منها ابنتيها، وعبرها كشفت أجزاء من كواليس التصوير. وقد يخيل للمشاهد أنه يقف بجانب المخرجة خلف الكاميرا ويعيشان معا لحظات حكي التجربة المرة لألفة.
هذا الأسلوب السينمائي يكسر إلى حد ما حاجز الكاميرا بين المخرجة والجمهور، وتقف هي والمشاهد في صف واحد. ولربما أرادت أن تحضره كشاهد لتكون الرسالة أبلغ. فكوثر بن هنية تعتبر مخرجة منخرطة إلى حد كبير في الهموم اليومية للمواطن التونسي. وهي تمرر خطابا للآباء بأن الإرهاب سرطان قاتل، لا يميز لدى اختيار ضحاياه.
لكن قد تختلط الأشياء في ذهن المشاهد أحيانا خاصة في بداية الفيلم، ولا يعرف إن كان الشريط قد بدأ فعلا أم أن مدخله هو تمهيد فقط لبدايته. لكن السيناريو يتكرر طيلة هذا العمل. ويفهم المشاهد أن الأمر يتعلق بـ”مؤامرة” فنية أحيكت بمهارة سينمائية عالية، أضفت نكهة فريدة على الفيلم.
موفد فرانس24 إلى كان