فيينا / الثلاثاء 12. 03 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
مصطفى منيغ / المغرب
الكتابة عن الجزائر تقتضي المعرفة المعمَّقة بجل ما يخصها كدولة وشعب ، في هذه المرحلة التي تعيد ميلادها من جديد على إيقاع بها أَنْسَب ، وتطوُّر يلازم كل إقلاع لإصلاحٍ جذري أَحَب ، فاصل )ما أمْكَن( الذي مَضَى من تعَتُّرٍ مقصود عن المستقبل المعرَّض كل مقصّر فيه لأشد حساب ، كما أراد مَن للجزائر الحالية الازدهار على المدى الأقرب ، ليستمر في التصاعد المحمود حتى تعود مفخرة الشرق والغرب ، محكمة دستورية وبرلمان بغرفتين وسلط مستقلة الواحدة عن الأخرى الملتحمة كلها لخدمة الوطن الأب ، بما يُرضي وصايا الشهداء ويزكي ضمائر الحرائر والأحرار ويفتح حيال الأجيال كل الأبواب ، في تناغم بين القول والفعل لضمان العمل المتكامل قياما كما وَجَب ، بعد التَمكُّن وبالقانون من حَقٍ مُكتَسَب ، إذ لا فضل ساعتئذ لأحد على آخر مهما بلغ الدرجات الكِبار أو جعله البدء منتَظِراً رفقة الصِّغار إذ الكل سائر كنهرٍ نحو مَصَب ، قد يكون بحراً للسباحة فالاستجمام أو مستنقع مقذوف داخله صحبة الأسى والندم وبعدها كل المحن على رأسه تَنكَب ، كل موهوب بالعلم المُحَصَّل للجزائر الجديدة أفضل ما عنده وهب ، وكل حالم لغسلها بماء الورد من عرق جبينه في اليقظة على ثراها الشريف صب .
… إختصاراً الجزائر حالياً قائمة على التغيير بالمُتاح عندها ، دون الالتجاء إلى القروض ممَّا جعلها من الدول الجد قليلة في العالم لا ديون عليها ، بما يعني التمتُّع باستقلالية القرار وحرية التوجُّه و العيش كما يحلو لها ، لذا عمدت للاهتمام مهما كان المجال لما يتفاعل داخلها ، من استحسان جماهيري كما أرادت للإقلاع التنموي خطتها ، وإن كان التنفيذ لمضامينها يتم ببطء لا يناسبها ، النتائج الأولية تبشّْر بحصول إصلاحٍ جوهري يطال جل الميادين ذات الارتباط الأساسي بحياة الجزائريين اليومية بما لها وما عليها ، منها إنتاج البعض من المواد التي عرفت الأسواق شحاً ملحوظاً لوجودها ، فانتقل الاعتماد الكلي على واردات المحرقات إلى مداخل مستخلصة من تصدير منتجات مصنعة كليا أو جزئيا داخل الجزائر وبأيادي جزائية برهنت عن كفاءاتها ، حينما وجدت في المسؤولين على تدبير الشأن العمومي يحملون نفس الهدف أعمالا على أرض الواقع مترجمة وليس شعارات دعائية متجاوزة مقاصدها ، فحدث ذاك التحوُّل الفارض أسلوبه الجديد ذات الخاصية الجزائرية الراغبة الآن في تطوير معالمها كعلاماتها ، الممتازة بدءا من كونها الدولة الوحيدة ربما في العالم أجمع المانحة دور السكن لمواطنيها المحتاجين بالمجان سعيا للتخفيف من حدة فوارق مجتمعها ، الذي عمدت الأنظمة البائدة على تكريسها ، خدمة لخلق جزائر مكتظة بالفقراء المعوزين النُّكساء وهي من الأغنياء القادرة (إن كانت الأمور تسير على أحسن ما يرام) لتصبح من أكثر البلاد الإفريقية ثراء وعيشاً يساير متطلبات الحياة السعيدة لها و شعبها ، كما رفعت أجور موظفيها بنسبة 47 في المائة وذاك شأن غير معهود وتصرُّف يُظهر نجاعة سياسة توزيع الثروة الوطنية بما يناسب تغطية حاجيات المواطنين دعماً لمضاعفة مجهودهم المبذول للارتقاء بدولتهم صوب التقدم المنشود ضمن مستحقاتها . كما تتهيأ قوانين تنظيمية تخصّ مختلف المكونات الأساسية أكان الأمر متعلقاً برجال ونساء التعليم الشامل مختلف تصنيفاته أو بهيأة الأطباء أو حرف متعددة أخرى لتسهيل الارتباط الواجب تمكين التعامل به لفائدة أطراف مخوّلة لخدمة المجتمع بما يضمن تصريف العدالة بين الجميع ومحاسبة المقصرين مهما كانت العلل والأسباب بما يناسب الانضباط الرامي للاستقرار الاجتماعي الحقيقي .
الارتقاء يسمُو إن كان مسبوقاً بمراحل تأخُّرٍ وتقهقرٍ وانتكاس ، يسَعى مَن حقَّقَهُ تعويضَ ما ولَّى (مِن عهدٍ تربَّعَ وسطه الممكن جعله المُضيِّع عن هدف مُشيد على منافع ذاتية ضيِّقة بتسَخَّيرَه كأعلَى نفوذٍ سلطَوِيٍّ الفسادٍ الممنهجٍ المُتدرُّجٍ وفق نية غير سليمة في هندسة عمليات مُخرٍّبة للدعامات التي لا بقاء لأي دولة بدونها كأساس،) للحفاظ على مداخل سبل مكتشَفَة من لدن حملة مسؤولية انتسابهم لوطن استشهدت الملايين من النساء والرجال لغاية تحريره من أسوَأَ احتلال فرنسي ألِفَ الاستحواذ على جل أوطان الإفريقيين بكل وسائل القوَّة وما يسبقها من مؤامرات وتحركات مشبوهة واختلاس . الجزائر لؤلؤة تتوسَّط عقد شمال إفريقيا ستُصبح دون مهرجانات دعائية غوغائية ولا طموحات تبَقَى حبيسةَ تخميناتٍ الواثبين بغير دراية لمسافة تفصل الفراغ عن ضفة الملء المفيد المُنتظِر كل ذي عقل عاقل المعتمِد على مقوماته المادية بعد الروحية الفارضة التزود بالحلال المُحرِّم سخاء الضلال ، إذ لها برنامج تدخل بمقتضاه القارة السمراء بأساليب وإرادات جديدتين شكلاً ومضموناً لمساعدتها الحقيقية على النهوض ما دامت عذراء لا زالت مستعصية على طالب الزواج ممَّن يدفع مهرها ليستعيده أرباحاً مُضاعفة ، وهي أدرى ممّن يتوهمون أنها لا تدري لينشرون عنها ذاك الترابط المسخَّر سياسياً كمظهر القابل للتراجع في أي وقت جوهرياً ، عملاً بواقعية تصرُّف المُحتاج ريثما يستولي على ما يحتاج ، الجزائر خصَّصت مليار دولار لإنشاء ما ترغب إفريقيا نفسها انجازه وفق تنمية مصالحها غالباً في ميداني الصحة والتعليم ، وحتى تكون الجزائر فريبة من نقط جد حيوية فتحت خطوطاً بحرية لتصريف موادها الحاملة شارة “صُنع في الجزائر” واستقبال ما يرفع من المبادلات التجارية بينها ودول تختار التعامل بما يؤكد التضامن الحقيقي والمساندة الموجهة لنصر الحق المؤدي لمعايشة الأمن والاطمئنان والسلام ، كما عمدت لإنشاء خطوط جوية تتيح سرعة الوصول لمحطات افريقية مستعدة لعقد مشاركات تنموية ضامنة الولوج في متطلبات الألفية الثالثة وبخاصة ما تحتمه تحديات المنافسة الشريفة من شروط وأسباب أولها أهمية الاستثمارات الضخمة لتحقيق الضخم من المشاريع الحضارية المتحضرة حاضراً كتوطئة حميدة محمودة لمستقبل مُشرق ، وليس الترقيع مهما كان المجال بالإبقاء المتكرِّر المحافظ على القشور دون التفكير في سلامة النواة ، وعبر روسيا والصين تحركت لمباشرة ما يلزم حتى تُعقَد في شأنه اتفاقات تفتح المجال لتنوع مثمر تجاري اقتصادي لا يعرقله بعد مسافة ولا يسمح لمعاودة انغلاق خدمة كان للانسياق خلف سياسة فرنسية كان لها في الجزائر على مستوى سامي من العملاء المتخصصين في مصِّ رحيق الاقتصاد الوطني بكيفية لا زالت تاركة علامات الاستفهام حول أناس مهما شبعوا بتجويع الشعب أعادوا الكرة لإبقاء الجزائر مجرد هيكل لبقرة حليبها يتقاسمونه مع حبيبتهم وحاميتهم فرنسا ، وإذا كانت السلطات الجزائرية الحالية قد استرجعت داخلياً ما يُقارب الثلاثين مليار دولار المنهوبة كانت من طرف هؤلاء ، فهي ماضية في حوارها القانوني مع دول خارجية لاسترداد كل المبالغ المحولة لمصارفها المهربة من طرف من حسبوا أنفسهم أنهم أقوى بتركهم الوطن الجزائري ضعيفا ، متجاهلين أن الجرائر دولة وشعب لها من الصَّبر الذكي ما يجعلها منتصرة في الأخير ، قادرة على بناء ما هُدّم ، وترميم كل أصيل مُهم ، و وفتح كل طريق مستقيم ، واستعادة ما ضاع منها أثناء ظرف عقيم ، وما هي إلا مرحلة قصيرة والجزائر منارة عرفان ، ومنبع خير على امتداد الآتي من الزمان .
ثقافة شَحنِ العُقولِ بحقائق معكوسة صَحَّحَ الزمان مضامينها لتبدو متذبذبة لا تَقْوَى على الوقوف متصدِّية تلك المبنية على حقائق حقيقية ، تجعل منها ثقافة المرحلة الآنية ، والجزائر وسطها عازمة على بناء تكتُّل إعلامي متمكِّن من حرفة التبليغ المُؤثِّرِ عن حقٍ في الرأي العام الدولي بعد الوطني ، قد يكون على شكل “نقابة” تخاطب الدولة لتحقيق توازن بين المطلوب المادي والتكيُّف مع الإبداع الفكري لتحريك الايجابي المُوجَّه لكسب ثقة المُتَلَقِي الأجنبي ثانياً والوطني أولاً ، نقابة بمفهومٍ جزائري ذي القاعدة التحَرُّرية الرافعة شعار “المهم في الفهم لتتأتَى مصداقية الأحكام ” ، ثم الابتعاد ما أمكن عن تكرار أن “كل شيء على أحسن ما يرام” ، ما دامت العاطفة خصم لإعلام نزيه ، والسباحة فيه عكس التيار ، لمُجرَّدِ إرضاء الآخَر ، يجعل منه غير مناسبٍ لجزائر جديدة رفعت مشعال الصراحة في الأقوال ، والوضوح في الأعمال ، استدراكاً لحُسْنِ مآل .
… هناك اتفاق معنون بما يحتاج لوقفة تأمل في دولة جزائرية استطاعت أن تنال ثقة روسيا الاتحادية وتبرم معها الشراكة الإستراتيجية المعمَّقة ، تفاصيلها مستعصية على العاديين ، مقلقة تكون لمن أجهزتها المخابراتية تستعد بكيفية استثنائية لملاحقة التفاصيل المجزأة ظهورها على ظروف متقاربة أو متباعدة التوقيت لتمنح الدليل أن عصر التقارب الند للند إتباعاً لمواقع جغرافية معيَّنة ، ذات أهمية بالنسبة لمن ستسود مستقبلاً كأداة للتواصل الأسرع من سرعة التخلص من الغلاف الجوِّ الأرضي إلى رحابة الفضاء ، بما يعني أن سلاحاً غير مسبوق سيكون من حق الجزائر امتلاكه لمقارنة تنفيذ برامجها الإصلاحية الكبرى بقوة حريصة على استعدادها المطلق للدفاع عن نفسها مادام الغرب وأمريكا في المقدمة ، لن يغفر للجزائر كسر الحصار التجاري الموجَّه ضد روسيا عقاباً لاجتياحها أوكرانيا ، ولو كان الغرب ومعه الولايات المتحدة الأمريكية (في عهد جو بيدن) يفهم العقلية الجزائرية لابتعد عمَّا تراه اختياراً تتحدى به العالم لتمسُّكها عن قناعة وليس إتباعا لسياسات ظرفية ، أنها دولة حرة لا تُقاس حريتها بالتنقُّل من موقع إلى آخر ، وذاك سر استمرارها مُهابة الجانب .
… أعمال في مستوى قطع المراحل بسرعة تتخلَّلها ما يفيد تغيير العقلية ليتم التكيف مع المُدْرَك انجازه بسلاسة تؤدي لمسك المواطن الجزائري خيوط مستقبله وهو أحسن بكثير ممَّا كان عليه خلال عقد مرّ والمآسي تتعاظم حياله ولا يستطيع سوى المثول مهما كان المطلوب حتى لا يُحرَق بنار انتقام مسببيها أو يحيا في منأى عن الهوية الجزائرية فاقد الكرامة ومعها كل حقوق المواطنة في بلد من أغنى بلاد الكرة الأرضية . أعمالُ تُصنِّع ما لم يكن مُصنَّعاً ، وتُشيِّد ما يكون به المحتاج قانعا ، وما يرخِّص للمورد الحلال وللحرام منه مانعاً ، وما يجعل مُعوِزَ الأمس لرأسه بما امتلكه اليوم رافعاً . هناك منحة مالية تخص العاطلين ريثما تفسح الدولة المجال لاستيعابهم مادامت مقبلة على إنصاف طبقة محرومة ظلت عن تدبير مشكوك تتقاذفها إجراءات لا يخشى روادها عقاب الدنيا قبل الآخرة .
الخاسرة الكبرى في استرجاع الجزائر قيمة تحررها من التبعية بالكامل فرنسا وخدامها الأوفياء ، فأرادت التقرُّب من المغرب لتعويض مكانة بأخرى تابعة مَنْ حسبوا أنفسهم من الأذكياء ، يقفزون على حبال الظروف المواتية لينسجموا مع الرابحين دخرَّتهم الخارجة مِن سيطرتها على الجزائر ردحاً لا يُستهان به لتقذف بصنارتها عساها تصطاد في “الرباط” ثقة النظام العالمة كما تدعي بخباياه ومنها حاجته لتأمين ما يملكه فوق أرضها على تنوُّع قيمته بطول أصفار يجرها الرقم الصحيح من ورائه جرا لا يقدر على عرقلته أحد لحصانة لا يُمسُّ ثقل نفوذها حتى رئيس الجمهورية الفرنسية نفسه ، إذ تمة اتفاقات سيادية متبادلة من الصعب التفكير في طرح مضامينها على الملأ تتجاوز السياسة الرسمية المطبقة في كلتا البلدين ، الظاهر منها تسوس الضعفاء أما الأقوياء فلهم سياسة الظل يمرحون بها كما شاءت مصالحهم الخالية من تأثيرات العواطف البشرية ، فلا ديمقراطية يصغون لشعاراتها ، ولا قوانين يلتزمون بتطبيقها ، ولا إخلاص لقيم نبيلة يأخذون بصفاء أحقِّيتها ، فقط هذا لكَ وذاكَ لِي وتِيكَ لتوزيعها على المقرَّبين وإذا بقي من المجموع بقيةَّ يتنافس على أخذها المتنافسون المنضوون تحت لواء الحكومات المنتخَبة ممَّن خاب ظنهم ومِن زمان ، في مثل الأحوال الدائرة مع دوامة لا تكف عن الدوران ووسطها اليائس والحالم والصبور و الجائع والمظلوم و المضحوك عليه والمحروم والمحبوس في الهواء الطلق والمُصفِّق عسى منظره للآخرين يليق .
… الجزائر اكتسبت على امتداد تجربتها مع الفساد والمفسدين ما يجعلها كفيلة بوضع اليد على بؤر متخصصة في زرع فيروس التشكيك بخلق عرقلة تبدأ طفيفة لتتضخَّم مع حِيَلِ التَّطبيق ، الغرض منها الإبقاء على الفساد والمفسدين ، الجزائر اليوم كفيلة بطمس تلك البؤر بما وضعته من برنامج لا يترك فراغاً إلا وملأه مشاريع تستوعب العاطلين عن العمل ، ثم تفك به العزلة عن مناطق شهدت ما شهدته من حيف و إقصاء بسبب قلة المواصلات ، مِن هذه المشاريع والكبرى ترميم أو إصلاح أو فتح خطوط جديدة لشبكة السكك الحديدية ، مثال ذلك ربط “تندوف” بالعاصمة “الجزائر”، فالشروع بالاهتمام المُؤكَّد لقطاع السياحة بكل ما تتطلب مرافقها من تجهيزات وطرق سيارة وتكوين ينهي الحاجة الماسة لمرشدين سياحيين على دراية تامة بتاريخ وجغرافية بلدهم الجزائر ، يتحدثون بكل اللغات الحية ، ولهم الموهبة لنقل ما ترمز إليه بعض المعالم التراثية لعقلية الوافدين من أقطار شتى ، وفي هذا الصدد للجزائر أرضية مهيأة للنجاح في هذا التخصص المطل على التواصل الحضاري مع محبي الجزائر عبر العالم .
لاَ ولَنْ نمدح أو نُحاكم أحداً على الإطلاق ، فقط نُعبِّر عن ارتياحنا والجزائر تستبدل جلبابها المرقَّع كان بآخر جديد لبسته قبل الانطلاق ، قماشه منسوج بعزة ومفصَّل قياسه بكرامة يرمز للثراء وليس الإملاق ، فريد من نوعه لا وجود لشبيهه مهما كانت الدول – الأسواق ، عارضة للمنجزات وأصناف عالمية من الأرزاق ، جلباب تلائمه عمامة مطرَّزة بماضي كفاح يجلب لذِكْراه الراغبين قي تحرير بلدانهم بما تركه للأمجاد خَلاق ، ماضي لم يستطع الاحتلال الفرنسي لمدة قرن أن يُلوّثَ أصالته إذ بقي على عهده وقهر المحتل حيث ساقه الانزلاق ، في جرم صنيعه مجرور من قفاه لحجرة الاستنطاق ، في ضيافة التاريخ الإنساني المتحدث بالكلمات المقروءة بكل لعات العالم عن ملحمة الجزائر الخالدة التي أودت بحياة المليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار مُحقِّقة معجزة الاستقلال ، بعدما كانت فرنسا قد ضمتها ولاية تابعة لباريس كإجراء دائم يدخل في إطار سيادة ترابية ليس لأحد القدرة على تغييرها .
… تمنينا أن تكون الجزائر دولة جاعلة من إفريقيا عالماَ مستقلاً فارضاً قيمه القيِّمة كقوة اقتصادية ، كل دولة داخله لها ما يربو عن حاجاتها لضمان حرية أخذ قرارها ونبذها بلا هوادة أي شكل من أشكال التبعيّةَ غير المتكافئة ، تلك المتورطة تكون دوماً لخدمة ظالم يسعى لتوسيع ظلمه فيتوسط للهيمنة والاستغلال وحصاد المزرؤع من طرف سواه بلا تعب أو عناء . مهيَّأة الآن لملء مكانتها بالحُسنَى والسياسة المدروسة المانحة كل ذي حق حقه بغير ميل لعصبية أو تزكية خطأ مُرتكب ممَّن كلفوا الجزائر ما لا يُطاق ، سياسة واضعة صوب مواقفها طموحات الأطراف الأخرى المشروعة للتقدم والازدهار ، إذ الإنسان هو الإنسان ، فوق الضروريات إن استطاع شرعاً وقانوناً إدراكه على الصعيد الدولي وجد من يسانده ولو بالكلمة الطيبة كأضعف الإيمان ، مُبعداً الحسد من قاموس اندفاعه ليتفرَّد ، ودون أن يشعر يجد نفسه صرف ما كان الأجدر صرفه على مصالح من يشاركوه الوطن وهم بالملايين .
… المؤشر واضح أمامنا ينبِّه بحصول تغيير جذري والرئيس الجزائري يخاطب رئيس روسيا الاتحادية وجهاً لوجه وحرفياً بقوله : “علينا بِعَدَمِ مزج التجارة بالسياسة ” قد تكون في المواد الضرورية لاستمرار الحياة في وقت قد تصل فيه السياسة لنزع سبل ومقومات نفس الحياة ، طبعاً لبّ الكلام موجه للولايات المتحدة الأمريكية الفارضة حصاراً على روسيا بما يطال بيع الحبوب ، لكن عمومية الفهم ولجت عقول سكان المعمور ، لتُستقبل مثل القناعة برَصْدٍ جديٍّ واسع الاهتمام لتصرُّف الدولة الجزائرية في هذا الصدد ، الرئيس بوتين لم يفوِّت الفرصة دون إعلان موافقة روسيا الاتحادية على تحمل الجزائر وساطة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ، وفي العملية تلميح لَطِيف لتحالف له أبعاده ، يربط الجزائر بروسيا الاتحادية بدرجة تقلق حكام البيت الأبيض وتصعِّد من وتيرة البحث السريّ عن مشاكل تسلطها على هذه الدولة الإفريقية التي لا يهمها الضغط الأمريكي حينما يتعلق الأمر بسيادة أي دولة تحترم نفسها وتشق طريقها بكيفية سليمة .
الشجاعة تقتضي التفكير في الأقصى قبل إقحام ما تتضمنه من جرأة البدء مهما كان التحدي غير مشبع بالكافي من المعلومات المفروض الحصول عليها كأنجع سلاح ، وهذا ما ذهبت إليه الجزائر الجديدة بمقتضى تخطيطات مجزأة على مراحل أولها إعادة ثقة الشعب بمن يتدبرون أمره ، ثانيها توزيع مستحقات مالية لضمان توفير القدرة الشرائية بصفة عامة وثالثتها الوقوف على إمكانيات المسؤولين السامين في التأثير المباشر لضبط مناصري الجزائر خارج الحدود ليكون التعاون فيما بينها نابع عن تقارب في التوجهات التي تصب في جعل الشعوب الحاكمة الفعلية للأوطان وليس “قلة” من المحظوظين يستغلون مناصبهم المتقدمة لإحكام وجودهم ككلمة أخيرة تمنع أو ترخص ، للأسف تُرِكَت الدولة الجزائرية لفراغ من أي قيادة في مستوى تدبير الشأن العام وتوفير ما من شأنه الحفاظ ولو في الأدنى على ما يُقدِّم ويُطوِّر ويتناسب مع تغيُّر الأحوال الدولية وفق متطلبات مفروضة على كل ناشد الاستمرارية بدل التوقف فالجمود ، بدايته انتهاء عهد الراحل الهواري بومدين الذي كان بمثابة الميلاد الأول لجزائر حرة مستقلة وكان لي الشرف في إطار تخصصي المشاركة في دعم جانب من جوانبها كما استرجع الآونة ما تضمنه المسلسل الذي الفته لفائدة الإذاعة والتلفزة الجزائرية بحكم عملي فيها كمنتج ، تحت عنوان “السنبلة الحمراء ” ، وأنا أقرا ما جاءت به حلقاته أتذكر هؤلاء العظماء وقد جمعنا حب الجزائر والتفاني في إبراز محاسنها ، ومنهم عبد الرحمان شريط وكاتب ياسين والشيخ الدحاوي وأحمد بلعواد والتونسي الكيتاري والسوري تيسير عقله والقائمة طويلة ، ونهاية ذاك الفراغ ما تحياه الجزائر حاليا من ميلاد ثاني يُرجى منه تحقيق ما يطمح اليه الشعب الجزائري العظيم من مكانة مشرفة أولها في إفريقيا وبعدها في العالم .