فيينا / الأربعاء 24. 04 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
لا يمكن لأي خبير اقتصادي ان يقر تحول ” طريق الحرير ” الذي كان ولا زال حلم اغلب العراقيين ، ليكون بديلا عنه وفق ما قررته امريكا ، وما سمته بـ” طريق التنمية ” ، وخاصة الاتفاق الرباعي الذي اذهل الجميع لما يعرفونه عما فعلته ولليوم تركيا والسعودية وغيرها بالعراق ، ودليلهم دواعش يملئون سجون العراق .. / السيمر الاخبارية
*******
بعد المذكرة الرباعية التي عقدتها بغداد مؤخراً مع أنقرة والإمارات وقطر، للمضي بوضع المخطط النهائي لطريق التنمية، المشروع الاقتصادي العملاق، تتبع “إيشان” الجدية الحكومية والإقليمية، للمضي بهذا الطريق الذي قد يغير خارطة العالم التجارية، ويربط ميناء الفاو في البصرة، بقلب أوروبا.
وتحاول منصة “إيشان”، خلال هذا التقرير، تسليط الضوء على أبرز التحديات التي تواجه هذا “الحلم” الذي تراه فئة من الخبراء “بعيد المنال”، بينما يراه آخرون بأنه “بات ضرورة إقليمة ودولية في ظل المتغيرات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العالم”.
وبينما يرى بعض خبراء الإقتصاد صعوبة تحقيق ذلك، في ظل الصراعات والانقسامات الداخلية والتي يعيشها العراق، والصراع النفوذ الأمريكي- الصيني على مقدرات التجارة الدولية، يقول آخرون أن هناك اتفاقاً دولية على إنجاز هذا الطريق لما سيمثله من مصالح كبرى لدول آسيا وأوروبا وبلدان الخليج العربي.
وقبل يومين، قال بيان صادر عن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أن الأخير رعى مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مراسم توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والإمارات للتعاون في “مشروع طريق التنمية”.
وتتضمن المذكرة قيام الدول الموقعة بوضع الأطر اللازمة لتنفيذ المشروع.
من سيدفع 17 مليار دولار
وأطلق العراق العام الماضي، مشروعاً بقيمة 17 مليار دولار العام الماضي، لربط ميناء الفاو في محافظة البصرة بالحدود التركية عبر سكك حديدية وطُرق برية، تتراصف معها مدن صناعية وزراعية، ومنشآت بمختلف مجالات الإنتاج، وهو مشروع تروج له بغداد على أنه “حلم النهضة الاقتصادية”.
ويعول العراق على طريق التنمية، أو ما يُعرف محليا “بالقناة الجافة”، لربط الأسواق الآسيوية بالأوروبية عبر ميناء الفاو الكبير في محافظة البصرة (جنوبا)، ثم القناة الجافة التي تبدأ من الميناء جنوبا وتنتهي بالحدود العراقية التركية شمالا.
وفي السياق أيضا، أعلن رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي، اليوم، أن العراق وقّع مع تركيا اتفاق إطار إستراتيجي يشرف على التعاون في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد بين البلدين.
يبلغ طول طريق التنمية وسكة الحديد 1200 كيلومتر داخل العراق، بميزانية استثمارية للمشروع نحو 17 مليار دولار، كما سيتم إنجاز المشروع على 3 مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية في 2033 والثالثة في 2050، سيوفر المشروع 100 ألف فرصة عمل كمرحلة أولى، ومليون فرصة بعد إكماله وإنجازه، (وفق البيانات الرسمية).
ويقول وزير المواصلات والبنى التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، إنه “عند اكتمال مشروع طريق التنمية الذي يمر من العراق والأراضي التركية، فإن عملية شحن البضائع ستنخفض إلى 25 يوما”، حسبما نقلت عنه وكالة “الأناضول”.
وأوضح أورال أوغلو، أن “حركة السفن التي تمر عبر قناة السويس تستغرق 35 يوما، وأكثر من 45 يوما عبر رأس الرجاء الصالح، أما عند اكتمال طريق التنمية فإن الوقت سينخفض إلى 25 يوما”.
حلم إبليس بالجنة
وتتضارب التصريحات من قبل خبراء الاقتصاد العراقيين والأجانب، حول فرصة أن يتحقق طريق التنمية كما هو مخطط له، وانطلاقه في عام 2055، كما هو الحال على الورق.
حيث يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة العربية الدكتور عبد الرحمن المشهداني، أن هذا المشروع يعد إحياء لمشروع “البصرة-برلين” الذي كان قد اتفق عليه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني قبل أكثر من قرن من الزمان، بهدف ربط الشرق الأوسط بالقارة الأوروبية.
ويوضح المشهداني أن أكبر مكسب للاقتصاد العراقي من هذا المشروع هو تطوير قطاع النقل المتهالك، والذي سيجلب معه نهضة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وغيرها من القطاعات التي عانت خلال الأربعين سنة الماضية.
“ستُبنى مدن صناعية قريبة من هذا الطريق، ومدن سكنية جديدة تبعد عن مراكز المدن الكبرى من 10 إلى 20 كيلومترا على الأقل، تستوعب عددا كبيرا من السكان في ظل الكثافة السكانية التي أدت إلى أزمة سكنية في العراق”.
إلى جانب الانتعاش التجاري، إذ سيوفر هذا الطريق آلاف فرص العمل، لاسيما بعد أن تتحول الفاو إلى مدينة صناعية كبيرة قد تُنقل إليها بعض المصانع الدولية.
“الصين أبدت استعدادها مرارا لنقل جزء من معاملها إلى مدينة الفاو، مستفيدة من قِصَر المسافة وتوافر المواد الأولية والأيدي العاملة”.
كما سيصب المشروع الضخم كذلك في مصلحة قطاع المياه في العراق، حيث يتضمن خطة لتحلية مياه البحر، في الوقت الذي يشهد فيه العراق أزمة شملت مياه الشرب. وكان وزير الموارد المائية العراقي مهدي الحمداني قد صرح بأن مخزون المياه في البلاد انخفض العام الماضي إلى النصف مقارنة بعام 2021.
وفق المشروع، تخطط الحكومة العراقية لإنشاء قطارات عالية السرعة لنقل البضائع بسرعة تبلغ 140 كيلومترا في الساعة، في حين تُقدر السرعة القصوى لنقل الركاب بـ 300 كيلومتر (186.41 ميلاً) في الساعة.
ويقارن المشهداني بين هذه السرعة وسرعة الخطوط الحالية في العراق، التي تتراوح بين 60 إلى 70 كيلومترا في الساعة، حيث يقطع القطار مسافة أقل من 600 كيلومتر في أكثر من 12 ساعة.
“كانت خطوط سكة الحديد تبعد عن مراكز المدن العامة، لكن مع الضغط السكاني أضحت داخل المدن، ما عرقل عمل القطار وأدى إلى بطء حركته”.
ويوضح أن الخط الحالي الذي يربط العاصمة بمدينة البصرة حيث يوجد ميناء الفاو الكبير، هو خط واحد وصفه بالمتهالك، ينطلق من بغداد ويمر بمحطات رئيسية معينة قبل أن يصل إلى البصرة، ليعود مرة أخرى إلى العاصمة.
وتُقدر التكلفة الأولية لمشروع “طريق التنمية” بـ17 عشر مليار دولار، ويقول المشهداني إن المؤتمر الحالي طرح ثلاثة سيناريوهات تمويلية.
أول هذه السيناريوهات يدور حول التمويل الحكومي، لكن المحلل الاقتصادي يستبعد قدرة الحكومة على تحقيق ذلك في ظل العجز الكبير في الموازنة العامة.
الخيار الثاني هو الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، والذي يواجه كذلك تحدي توفير المال اللازم في ظل إدارة حكومية.
“السيناريو الثالث يقترح التمويل من خلال استثمار مجموعة من الشركات العالمية مع شراكات محلية، وهو الحل الأكثر منطقية لتنفيذ المشروع خلال سنوات قليلة” .
ويتوقع المشهداني أن تشهد الخطوة التالية تعاقدات مع شركات استثمارية، وأن يحظى المشروع بتمويل من تركيا والسعودية والإمارات وقطر.
ومن المخطط أن تنتهي المرحلة الأولى من هذا المشروع بحلول عام 2028، على أن تنتهي المرحلة الثانية بعدها بعشر سنوات، إذ تزداد معها الطاقة الاستيعابية للنقل إلى 400 ألف حاوية، وصولا إلى المرحلة النهائية المقررة عام 2050.
ضرورة عالمية
ويرى الدكتور صادق ركابي، مدير المركز العالمي للدراسات التنموية، أهمية دولية كبيرة للطريق الذي سيربط جنوب العراق بالجانب الأوروبي؛ من حيث تقليل تكلفة نقل البضائع بين أوروبا وآسيا وصولا إلى الهند والصين.
“تعول الصين والهند على هذا المشروع في زيادة صادراتها إلى أوروبا عبر الموانئ في العراق وتركيا، كما تعول عليه تركيا أيضا التي تريد أن تزيد من ميزانها التجاري مع العراق”.
وقد شهد المؤتمر نقاشا حول ضم السكة الحديد الخاصة بمشروع العراق، مع سكك الحديد الخليجية، وهو ما سيربط بين الخليج وتركيا، و”سيساهم في تنشيط التجارة من موانئ عُمان وصولا إلى أوروبا” وفق ركابي.
وبشكل عام، سيلعب المشروع دورا محوريا في تنشيط الحركة التجارية، وزيادة العلاقات بين أوروبا والشرق، إلى جانب تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة؛ في ظل احتياج الطرق الجديدة إلى التأمين.
مع وجود طريق بري ينقل المسافرين بين العراق وتركيا، قد تلوح مخاوف من أن يزيد المشروع من الهجرة غير الشرعية، لاسيما وأن المهاجرين لطالما اعتبروا أنقرة محطة انتقالية في محاولتهم الوصول إلى القارة الأوروبية.
لكن الدكتور صادق ركابي يعتقد أن تلك المخاوف رغم وجودها إلا أنها ليست بالشكل الكبير الذي قد يعرقل طريق التنمية، معولا على التشديد الأمني عبر العديد من النقاط، الذي يعتقد أنه سيحد من تلك المخاوف.
ما مصير قناة السويس؟
إن تحويل العراق إلى مركز عبور يختصر زمن السفر بين آسيا وأوروبا، قد ينظر إليه البعض على أنه محاولة لمنافسة قناة السويس، وهو ما تحدثت عنه بالفعل بعض التقارير الإعلامية.
ومع ذلك، فإن مدير المركز العالمي للدراسات التنموية، قلل من تأثير الطريق الجديدة على قناة السويس المصرية.
وأوضح ركابي أن عدة عوامل تلعب دورا في ذلك، من أهمها زيادة التجارة الدولية بشكل سنوي، ما سيجعل نشاط طريق التنمية “رديفا داعما للنشاط التجاري لقناة السويس”.
وبعقد مقارنة بين الحمولات عن طريق البحر والبر، فإن كفة النقل البحري هي الراجحة نظرا لمرونة النقل، “فعربات القطارات لديها سعة محدودة وحجم محدود”، أما الحاويات البحرية فتستوعب أحجاما متفاوتة وفق حجم كل سفينة.
“الحمولات الكبيرة جدا يُفضل نقلها بحريا وهو ما يعود بالمنفعة على قناة السويس، أما الحمولات الأقل حجما ووزنا فقد تُنقل عبر السكك الحديدية، لذا فلكل طريق فوائده، لكن بالنسبة للمعدات الأكبر والأثقل فإن الخيار البحري هو الأفضل”.
وأضاف ركابي أن الضمانات وعنصر الأمان الموجود في قناة السويس أكبر من ذلك الموجود في طريق التنمية، الذي قد يكون عرضة لبعض المخاطر مثل تلك التي قد يمثلها حزب العمال شمال العراق، أو مخاطر الحدود بين تركيا وأوروبا.
“تتمتع قناة السويس بحالة أفضل من الاستقرار، وإدارة ذات خبرة تتمكن من تسيير هذه العمليات البحرية التجارية”.
وأكد ركابي أن مشروع العراق لن يكون ذا تأثير سلبي أو كبير في الوقت الحالي أو في المستقبل، فالنشاط التجاري الجديد سيكون داعما للقناة المصرية.
وأضاف: “لن يكون طريق التنمية بديلا عن قناة السويس”.
الفساد والسلاح والمؤامرات.. هل توقف الطريق؟
ويفصل الأكاديمي الاقتصادي والسياسي، مثنى العبيدي، الاستاذ بجامعة تكريت، التحديات التي تواجه طريق التنمية، حيث يقول “لا ريب في القول، إن تنفيذ مشروع طريق التنمية لا يأتي في بيئة داخلية وخارجية مواتية، أو حتى اعتيادية بقدر ما فيها من التعقيد الكثير، وقد يواجه هذا المشروع تحديات وعقبات عدة، منها ما هو نابع من الوضع العراقي بكل ما يحمل من تعقيدات وتأزّم، ومنها ما هو نتيجة لمتغيرات الوضع الإقليمي وما فيه من محفّزات وكوامن للتنافس والصراع وتضارب المصالح، ويمكن إيجاز أهم هذه التحديات والعقبات التي تواجه عملية تنفيذ مشروع طريق التنمية الدولي في العراق بما يلي:
تَهالُك البنى التحتية، لا توجد بنى تحتية خاصة بقطاع النقل كافية تفي بمتطلبات مشروع طريق التنمية، فقد عانى العراق تدهورًا وتهالكًا في بنيته التحتية منذ عقود؛ نظرًا لخوضه حروبًا عديدة، بدءًا من الحرب العراقية-الإيرانية 1980-1988، ثم أزمة وحرب الخليج الثانية 1990-1991 والعقوبات الدولية، ثم الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والحرب مع تنظيم داعش منذ عام 2014 وما سبَّبَه كلُّ ذلك من تدمير وأضرار وخسائر فادحة في طرق النقل وسكك الحديد والمطارات والمرافق العامة في مختلف مدن العراق.
التجاذبات السياسية الداخلية، على الرغم ما للمشروع من أهمية وتأييد من قِبَل غالبية القوى السياسية العراقية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، فإن هنالك معترضين على المشروع حتى من داخل تحالف الإطار التنسيقي الذي شكّل الحكومة الحالية وينتمي إليه محمد شياع السوداني، رئيس هذه الحكومة التي تبنّت المشروع، فقد رفض المشروع النائب في البرلمان العراقي، حسن سالم، من كتلة (صادقون) الممثِّلة لحركة (عصائب أهل الحق) في البرلمان، ووصف المشروع بأنه: “وصمة عار في تاريخ ساسة العراق”، وأضاف أنه يمثّل: “فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبّعت بفيروس الفساد”، فضلًا عن معارضات أخرى، ولاسيما من تلك القوى السياسية والشعبية المؤيِّدة لمشروع “الحزام والطريق” الصيني.
وأزمة الفساد، لعل من أهم التحديات التي يتعرض لها مشروع طريق التنمية، أزمة استشراء الفساد الإداري والمالي والسياسي في مختلف القطاعات والمفاصل والمؤسسات وبشكل هائل، ولعل الكثير من المشاريع الخدمية والاستثمارية الضخمة قد أفشلها الفساد والأجندات الغامضة للقوى السياسية والفصائل والميليشيات المسلحة التي تتدخل في مختلف المشاريع والقطاعات لتحقيق مصالحها، وهنالك من يرى أن أول بوادر الفساد في هذا المشروع -وفقًا لبعض التصريحات- أن دراسة الجدوى للمشروع قد أُحيلت بشكل مباشر إلى شركة إيطالية هي Progetti Europa & Global S.p.A ترتبط بعلاقة مع بعض الفصائل المسلحة التي مارست تأثيرها على الحكومة لإحالة دراسة الجدوى إلى هذه الشركة حتى من دون طرح عطاءات أخرى، الأمر الذي يثير مسألة مدى قدرة الحكومة على تنفيذ مشروع “الطريق” من دون فساد أو تأثير أو تدخّل القوى السياسية والفصائل المسلحة فيه وفي بقية المشاريع والمرافِق التي يتطلَبها هذا المشروع، وأن هذا التأثير والتدخل يتسببان بهدر كبير للأموال كما حصل في مشاريع أخرى أو ربما إعاقة المشروع وعدم تنفيذه مستقبلًا.
أما تعقيدات الوضع الأمني، لا يزال الاستقرار الأمني في العراق نسبيًّا، وقد يتعرض للاهتزاز في أيّ وقت، وذلك لعدة أسباب، منها: وجود خلايا لتنظيم داعش في بعض المناطق وتقوم بين الحين والآخر ببعض الأعمال الإرهابية، حيث لم يتم القضاء على التنظيم بشكل كامل على الرغم من إنهاء سيطرته منذ عام 2017، كما أن هناك وجودًا لحزب العمال الكردستاني في بعض المناطق الشمالية التي تمر منها خطوط نقل وسكك حديد طريق التنمية، ما يجعلها عُرضةً لهجماته في أيّ وقت، الأمر الذي يضيف عائقًا أمنيًّا أمام تنفيذ المشروع وعمله. أما المناطق الجنوبية، فهنالك فصائل مسلحة وموالية لإيران لها مصالحها الاقتصادية وأجنداتها التي تتعارض مع مشروع طريق التنمية، وستكون بنى المشروع عرضة لتهديداتها، فضلًا عن مسألة وجود “سلاح خارج سيطرة الدولة” الذي لم يتم حسمه من قِبَل الحكومات العراقية المتعاقبة، الأمر الذي يُشعِر الشركات والدول المستثمرة بأن العراق ليس منصة آمنة لمرور بضائعها من خلاله أو استثمار أموالها، ما لم يُحسم هذا الملف لصالح الدولة العراقية، فضلًا عن أن الفصائل المسلحة تفضّل الشركات الصينية والإيرانية على حساب الشركات الغربية، ما جعل الشركات الأخيرة تنظر إلى العراق “كمناخ غير ملائم للاستثمار”، ولكنه مثاليٌّ للصين وغيرها.
توفير التكلفة والمتطلبات، يحتاج مشروع طريق التنمية إلى تكلفة مالية تُقدَّر بـ 17 مليار دولار، وكذلك إنجاز بناء ميناء الفاو الكبير، وتوفير الطاقة وباقي المتطلبات الأخرى، ولكن الحكومة العراقية لم توضّح بعد مصادر هذه التكلفة والمتطلبات، ولم توضّح كذلك ما إذا كانت قادرة على جذب أو استقدام الاستثمارات الأجنبية للمساهمة في تمويل المشروع، فضلًا عن أن المشروع يتطلب توفير الطاقة الكهربائية في الوقت الذي يعاني فيه العراق أزمة كهرباء مزمنة منذ سنوات، على الرغم مما يتم تخصيصه من أموال طائلة لهذا القطاع ولكن من دون جدوى.
المشروطية التركية، على الرغم من ترحيب تركيا بإعلان المشروع، كونها الدولة التي سيتم ربط الطريق بها لتكون منفذ العراق والدول العربية الشريكة في المشروع إلى الدول الأوروبية والبحر الأبيض المتوسط، بَيْدَ أن لتركيا مطالبها ومشروطيتها متمثلةً بضرورة إنهاء ملف وجود حزب العمال الكردستاني الذي يتخذ من المناطق الشمالية في العراق مقرات له ومناطق لنشاطه ضد تركيا، ولم تتخذ الحكومات العراقية الإجراءات المناسبة لإنهاء هذا الملف. يضاف إلى ذلك أنه قد يكون لتركيا مسعى لزيادة صادراتها إلى العراق، الأمر الذي يتنافى مع ما يهدف إليه العراق من السعي إلى الاستفادة من المشروع لتعزيز وتطوير الصناعة والإنتاج المحلي.
التحدي الإيراني، عند النظر إلى مشاريع إيران للنقل وعلاقاتها الاقتصادية في العراق، ولاسيما في مجال تصديرها للغاز والكهرباء وباقي السلع والبضائع، فإن ذلك يتعارض مع مضامين وأهداف مشروع طرق التنمية، الذي يعني بالضرورة التحرر من التبعية لإيران اقتصاديًّا، وبخاصة في موضوع الطاقة الكهربائية والغاز، الأمر الذي قد تتحفَّظ عليه إيران على أقل تقدير، إن لم تعارضه أو تعيق تنفيذه أو عمله، كما أن إيران ترى أن المشروع الأهم هو مشروع الربط السككي الثلاثي (إيران – العراق–سوريا)، وقد جاء على لسان وكيل وزارة النقل الإيراني عند مشاركته في مؤتمر إعلان مشروع طريق التنمية، أن: “المشروع الكبير بين العراق وإيران هو ربط مشروع سكك الحديد من الشلامجة إلى البصرة”، وهذا الخط هو امتداد لسكة حديد من ميناء الخميني، وبالتالي، فإن المشروع الإيراني الذي تعمل إيران على تنفيذه يتعارض مع مشروع واتجاه طريق التنمية العراقي. ولا يخفى ما لإيران من تأثير وأدوات في الساحة العراقية تُمكِّنها من تعطيل أيّ مشروع يتعارض مع مسار مصالحها وبشتى السُّبل.
يمكن القول، إن مشروع “طريق التنمية” الاستراتيجي، الذي أعلن عنه العراق بشكل رسمي في 27 مايو 2023 لا يُختلف على أهميته سياسيًّا واقتصاديًّا، وعلى الصعيدَيْن الداخلي والخارجي، ولكن تبقى مسألة قدرة الحكومة العراقية على العمل به وتنفيذه وتجسيده على أرض الواقع مستقبلًا، كونه يحتاج إلى العديد من المتطلّبات والمقوّمات، التي تبدأ بإكمال بناء ميناء الفاو الكبير وضمان المخصصات المالية الكافية وتحقيق التوافق السياسي حوله وترسيخ الاستقرار السياسي والأمني اللازمَيْن لجذب الاستثمارات الأجنبية ومباشرتها بالعمل واقعيًّا، فضلًا عن إبعاد الفساد والنفوذ وعدم تدخُّل القوى السياسية والفصائل والميليشيات النافذة، عن التأثير في مجريات تنفيذ المشروع التنموي المهم.
من جهة أخرى، لكي ينجح مشروع طريق التنمية، فإنه يحتاج إلى عَقْدِ تفاهمات مع دول الجوار العراقي التي رحّبت بالمشروع، وهناك عدد منها أبدى استعداده ورغبته في الاستثمار فيه، باستثناء إيران التي لها مشروع آخر قد يختلف مع المشروع في بعض جوانبه، وهذا الأمر لا يمكن تجاهله؛ نظرًا للتأثير الإيراني في العراق.
ملخص عن طريق التنمية
يبدأ من البصرة في أقصى جنوب العراق ويمر بعشِ محافظات عراقية وصولا إلى تركيا ومنها إلى أوروبا.
من مزاياه، ربط تجارة شرق العالم بغربه، فيما ستصل الأرباح السنوية إلى قرابة (4) مليارات دولار فضلا عن توفيره (100) ألف فرصة عمل.
من نقطة محددة في ميناء الفاو الكبير، يبدأ طريق التنمية متعدد الوسائط (مزدوج الاستخدام) من طرق سريعة تمر عبرها شاحنات نقل البضائع، وسكك حديدية لنقل السلع والمسافرين.
ويتحول من خلاله العراق إلى محطة رئيسية للتجارة ومحطة نقل كبرى بين آسيا وأوروبا ينخفض فيه زمن الرحلة البحرية من (33) إلى (15) يوما.
وتصل كلفة المشروع إلى (17) مليار دولار، (10) منها لشراء قطارات كهربائية سريعة تنقل الحمولات في غضون (16) ساعة، فيما ينفق المتبقي لمد شبكة سكك الحديد بطول (1200) كم.
وبحسب وزارة النقل العراقية، سينجز المشروع بحلول عام 2028 وقد وصلت نسبة إنجازه حاليا إلى (40) ٪ من نقطة انطلاقه في مرفأ الفاو الكبير.
وتبلغ السعة القصوى لمرفأ ميناء الفاو الكبير حوالي (3.5) مليون وحدة مكافئة وفق الأفق المفترض عام 2028 فيما ستبلغ حوالي (7.5) مليون وحدة مكافئة وفق الأفق المفترض عام 2038.
ويعد مشروع طريق التنمية والقناة الجافة ليس للعراق وتركيا فقط بل للعالم والمنطقة، وهو يربط الشرق بالغرب وهو الممر العالمي لنقل البضائع.
وسيكون هناك خط للسكك الحديدية وخطوط للنقل البري ومرفأ الفاو الكبير وهو أكبر ميناء في الشرق الأوسط والمدينة الصناعية للطاقة التي ستكون من أضخم المدن الصناعية في الشرق الأوسط.
قراءة عراقية للمشروع
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي، الدكتور إحسان الشمري، أن إعادة طرح مشروع القناة الجافة، الذي حاولت حكومات سابقة منذ عقود العمل على تنفيذه وكان مصيره التأجيل لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية أو نتيجة ارتباط هذا المشروع بعوامل جيوسياسية خارجية لم توفر المناخات الدولية آنذاك لتنفيذه؛ إلا أن ذلك لم يمنع السوداني من أن يكون هذا المشروع ” طريق التنمية” أحد أهم أولوياته الاستراتيجية والاقتصادية أو حتى تحويله إلى بوابة لانفتاح العراق.
وفقاً للشمري فإن طريق التنمية يمثل مشروعًا استراتيجيًا فريدًا بالنسبة للعراق ينتهي العمل به كمرحله أولى وفق ما خطط له في العام 2028م، بتزامن قريب من افتتاح ميناء الفاو أمام السفن والتجارة الدولية، فالخط الاستراتيجي الأساسي سيكون الطريق البري بطول 1190 كيلومتر والسكة الحديدية بطول 1175 كيلومتر، وسيكون للطريقين مساران مختلفان في جنوب البلاد، إلا أنهما سيلتقيان في شمال محافظة كربلاء، وبعدها سيسير الطريقان جنبًا إلى جنب حتى وصولهما إلى منطقة فيشخابور قرب الحدود العراقية السورية التركية؛ يمثل ميناء الفاو المطل على الخليج العربي نقطة بدايته ليمر بأكثر من 10 مدن كبرى وينتهى على الحدود العراقية ليرتبط بخطوط الطرق البرية وسكك الحديد على الجانب التركي ليصل إلى أوروبا، وبناءً على العقلية التي رسمت هذا المشروع سيعمل على اختصار الطريق البحري ما بين آسيا وأوروبا إلى ما يقارب 15 يومًا بدلاً من 30 إلى 40 يومًا بالطريق القديم، مع التخطيط بربط أنابيب وخطوط نقل الطاقة والغاز في مراحل لاحقه، وأيضًا التباحث مع عدد من الدول العربية والإقليمية لإيجاد تفرعات حيوية تؤمن مرونة أكبر في الربط لنقل البضائع وتشابك خطوط الصناعة والتجارة بين الدول المستهدفة من هذا المشروع ومنها المملكة العربية السعودية للوصول إلى موانئ البحر الأحمر وسوريا للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والأردن بهدف الوصول إلى ميناء العقبة وإيران بهدف الارتباط بما يعرف بطريق الحرير وبما يحقق تكاملاً استراتيجيًا كبيرًا .
وتضع الحكومة العراقية كل إمكانياتها لغرض نجاح مشروع طريق التنمية لتغيير الواقع نحو بنية اقتصادية متينة، لذلك انطلقت للدعوة إلى مؤتمر تحت عنوان ( طريق التنمية ) عقد في 27-5-2023م، اشترك فيه 10 دول عربية وإقليمية ومنها المملكة العربية السعودية وتركيا والكويت وقطر والإمارات وعمان والأردن وسوريا وإيران، إضافة إلى ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، الأمر الذي يؤشر بأن هناك سعي لجعله واقعًا تشترك فيه العديد من دول المنطقة ، فضلاً عن ذلك فإن الاجتماع شهد للمرة الأولى ( بتاريخ هذا المشروع ) مشاركة من دول المنطقة وحتى الاتحاد الأوروبي لبحث آلياته، الأمر الذي يعكس الجدية نحو تنفيذه كأولوية من أجل تعزيز العوائد وتحقيق تنمية اقتصادية بعيدًا عن إيرادات النفط، فضلاً عن أهداف التشبيك الاقتصادي مع الدول بمختلف القطاعات الاقتصادية والذي يفتح نافذة لنمط مختلف في العلاقات الدبلوماسية معها.
إن إصرار الحكومة العراقية على تنفيذ هذا المشروع لا يعني بالضرورة غياب التحديات التي تواجه تنفيذ طريق التنمية “القناة الجافة” ففي الوقت الذي طرح فيه هذا الملف تولدت العديد من الأسئلة من مختصين ومراقبين حول قدرة رئيس الحكومة على تجاوز هذه التحديات مع ما تعانيه الدولة العراقية من أزمات بكل المستويات والتي تؤثر بشكل أو آخر على مراحل التنفيذ . ومن هذه التحديات:
وبالنسبة للشمري فإن “طريق التنمية كغيره من المشاريع الاستراتيجية التي أطلقتها الحكومات العراقية بعد العام 2003م، ( والتي لم تنفذ إلى الآن )، يواجه طريق التنمية تحديًا سياسيًا للبدء به أو إكماله، إذ أن الصراع والتنافس والخصومات السياسية بين القوى والأحزاب كان عاملاً أساسيًا في إحباط عدد من الخطط الاستثمارية في عدد من القطاعات الحيوية لأن هذه الأحزاب لا تنظر للمشروع على أنه مصلحة عامة بقدر ما تنظر إليه على أنه سيكون إنجازًا لرئيس الوزراء وحزبه ومن ثم تعمل على إنتاج أزمات تساهم في عرقلة هذه المشاريع، لذا فالسوداني لا يختلف عن سابقيه بظهور هذا التحدي السياسي لطريق التنمية، ومما يؤكد ذلك أن حليفه الأساس عصائب أهل الحق عدت المشروع “وصمة عار في تاريخ ساسة العراق ويمثل فاتورة أخرى يدفعها الشعب العراقي بسبب الطبقة السياسية التي تشبعت بفيروس الفساد الذي جعلهم لا يميزون بين الضار والنافع” ، كما هاجم ائتلاف دولة القانون أحد أهم الداعمين لرئيس الوزراء، المشروع بأن ” مشروع التنمية لن يخدم العراق، وأن الفائدة الاقتصادية من إنشاء طريق التنمية الحالي ليست بحجم إنشاء مشروع طريق الحرير الذي يجعل العراق هو الممر العالمي للتجارة العالمية” ، وبذلك يمكن أن نؤشر أن السوداني إلى الآن لم يقنع شركاءه السياسيين بأهمية المشروع السياسية منها بالتحديد”.
“كذلك شنت مواقع تواصل اجتماعي ( قريبة من الإطار الشيعي الحاكم ) حملة انتقادات للمشروع تحت مبررات طول مدة إنجاز المشروع، وعدم إحالة تنفيذه إلى الشركات العراقية التي نجحت في إنشاء العديد من الطرق الحديثة والمتطورة، إضافة إلى غياب الضمانات الدولية تجاه تركيا التي قد تعمل على إغلاقه في حال تم الاختلاف على بعض النقاط ؛ فضلًا عن ما أصدره ما يسمى الحراك الشعبي من أجل الحزام والطريق، من موقف حين عبر عن رفضه القاطع لمشروع تحويل العراق إلى القناة الجافة والربط السككي، معتبرًا الأمر التفافًا على مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأن العراق سيكون مجرد ممر وطريق لنقل بضاعة دول أخرى”، يقول الشمري.
ويضيف “ولا يقتصر هذا الرفض لطريق التنمية على شركاء السوداني بل شكل عدم مرور طريق التنمية بالكامل لإقليم كردستان، نقطة خلاف بين بغداد وأربيل، إذ عد إقصاء كردستان من خطة جديدة للبنية التحتية خطوة محض سياسية على الرغم من المبررات التي تُساق في هذا المجال بشأن عدم الجدوى الاقتصادية، وإيمانهم بأن إبعادهم من مشاريع البنية التحتية هي عامل سياسي على الدوام، لا سيما حين يتعلق الأمر بمشاريع على مستوى البلاد وهذا سيجعل الأكراد العراقيون ينظرون إلى طريق التنمية جزءًا من استراتيجية تقويض التنمية المتصاعدة لديهم مما يؤدّي إلى تفاقم الخلاف الوطني”.
تحديات التمويل والاستثمار
يمثل تمويل طريق التنمية واحدة من أعقد التحديات الاقتصادية التي سيواجهها المشروع ورئيس الوزراء العراقي، خصوصًا مع وجود اقتصاد عراقي ضعيف غير قادر على النمو وأزمة مالية سواء على مستوى العجز الكبير في موازنة الثلاث سنوات التي أقرها البرلمان العراقي في 2023م، وسجلت عجزًا ماليًا كبيرًا يقدر بنحو 48 مليارًا سنويًا يعد الأعلى في تاريخ الموازنات ، ويزيد على أكثر من ضعفي العجز المسجل بآخر موازنة لعام 2021م، حين بلغ 19.7 مليارًا ، فضلًا عن أن تمويل العجز سيكون من الاقتراض الداخلي والخارجي بنسبة 66%، الأمر الذي سيزيد من المديونية المسجلة على الحكومة الحالية والحكومات القادمة ؛ ومع حجم العجز والمديونية للموازنة العامة سيكون من الصعب تغطية النفقات المالية لطريق التنمية والتي تقدر بــ ( 17 ) مليار دولار ، خصص مبلغ (10.5 ) مليارات دولار من النفقات الإجمالية لمد سكة حديدية جديدة من ميناء الفاو إلى منفذ فيشخابور ، ومبلغ (6.5 ) مليارات دولار لطريق النقل البري ، إذ تسعى الحكومة إلى احتكار البنى التحتية الأساسية من طرق برية وسكك حديد (مما يعني ميزانية مالية تقترب من 12 مليار دولار )، الأمر الذي يثير تساؤلات حول إمكانية توفير هذه المبالغ، ونوع التسويات والصفقات التي يتطلبها ذلك مع الأطراف السياسية بغية تمريرها، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن طريق التنمية سيتطلب تخصيصات من الطاقة الكهربائية، خصوصاً أن نوع القطارات المخطط تسييرها تعتمد بشكل أساسي على الكهرباء، فإنّ توفير هذه الطاقة سيكون في محل شك في ظل أزمة الكهرباء التي يواجهها البلد حالياً، رغم المشاريع الكبرى المتعلقة بالكهرباء التي نُفِّذَت في قطاع الكهرباء وشابها فساد وهدر كبيرين.
إن هذا الواقع المالي المنهار يدركه المتحمسون لتنفيذ طريق التنمية وهذا الإدراك دفعهم لطرحه كمشروع استثماري للدول العربية والإقليمية والغربية أو للمنظمات الدولية المالية بهدف توفير السيولة النقدية له، وهذا من أهم الأسباب التي حفزت العراق لعقد مؤتمر طريق التنمية، الذي مثل حضورها رغبة أولية بالدخول كمستثمرين مشاركين، إلا أنه ما بعد أشهر من عقد المؤتمر لم تعلن وزارة النقل العراقية عن تعاقدات استثمارية مع أي دولة حاضرة أو حتى البنك الدولي، وحتى مع إعلان أمير دولة قطر عن استثمار ما قيمته 5 مليارات دولار أمريكي في العراق ،إلا انها لقطاعات الطاقة والفنادق، رغم الإشارة إلى توسيع آفاق التعاون الاستثماري والتجاري ولاسيما في مشروع طريق التنمية المزمع البدء بتنفيذه قريبًا ؛ والأمر كذلك بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة التي أبدت حرصاً شديدًا للاستثمار بالمشروع إلا أنه لم يحدث أي تفاهم بروتوكولي إلى الآن، ورغم وجود عرض للاستثمار في البنى التحتية لطريق التنمية من تركيا وبنسبة تقارب 50٪، إلا أن هذا المقترح رفض لأنه عد تفريطًا وتدخلًا في قطاعات سيادية يجب أن تحتكرها الدولة العراقية، فضلًا عن عدم وجود قوانين داعمة للاستثمار الخارجي مما يقلص فرص دخوله؛ ومع كل هذا يبدو من غير الواضح كيف سيمول العراق هذا المشروع الاستراتيجي وحتى الحكومة لم تعلن عن الخطط البديلة لتمويله، مما يضع هذا التحدي ضمن العقبات الاقتصادية لإتمام طريق التنمية.
القبول الإقليمي
إن تسليط الضوء على مواقف الدول الإقليمية من طريق التنمية، قبل الحديث عن منافسة الطرق الاستراتيجية الأخرى، يعد مهمًا لمعرفة طريقة تعاطيهم الإيجابي أو السلبي تجاه المشروع ولما له من تأثير هذه الدول على استكمال المشروع، فبالرغم من أن تركيا هي الشريك الأساس لهذا الممر التجاري إلى أوروبا إلا أن موقفها يبدو مشروطا، فدخولها السريع بمفاوضات مع العراق جاء كرد فعل لعدم مرور الممر التجاري بين الهند والشرق الأوسط والذي سينقل البضائع من شبه القارة الهندية عبر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل إلى الأسواق الأوروبية وتجاوزه تركيا بالكامل، لذلك قد تعمل أنقرة على فرض رؤية على العراق مقابل أن تكون شريكا للطريق تتعلق بالتهديد الأمني الذي يمثله حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبتعزيز الصادرات التركية بما يضر بالهدف العراقي الرامي إلى الاستفادة من الطريق لتعزيز البنية الصناعية الداخلية والإنتاج المحلي، فضلاً عن صعوبة أن تكيف تركيا لمطالب طموحها في المنطقة وفق المتطلبات العراقية مع وجود ملفات عالقة لم تحسم منذ عقود، مما قد يجعل تركيا شريكًا قلقًا على المدى البعيد.
إيران تمثل أيضًا تحديًا لطريق التنمية، فهي تضع في حساباتها نجاح مبادرة الحزام والطري( طريق الحرير ) أحد أهم الأهداف السياسية لتحالف أوثق مع الصين لتدعيم مواجهة اقتصادية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يجعلها تعتقد ( رغم حضورها مؤتمر طريق التنمية ) أن هذا المشروع قد يشكل تهديدًا للمصالح الإيرانية لأنه سيفقدها ميزة استخدامها لطريق الربط بين الشمال والجنوب عبر ميناء الخميني وحتى بحر قزوين، إلى جانب كونه يتقاطع مع الطريق البري الذي يربط إيران بالبحر الأبيض المتوسط ، لذا سارعت طهران بالضغط على بغداد لتوقيع الربط السككي بين الشلامجة والبصرة في محاولة منها لتوسيع تجارتها عبر العراق وصولًا لسوريا، وهو ما يعارض جدوى طريق التنمية، ورغم هذا التوجه إلا أنّ مجلس الوزراء العراقي وافق على التسريع بتفعيل الربط السككي بين البصرة والشلامجة، الأمر الذي يؤشر بأنه محاولة لتأمين عدم اعتراض إيران وحلفائها العراقيين على مشروع طريق التنمية.
وتبرز أمام مشروع طريق التنمية تحدي الضد والمتمثل بالطرق البديلة، التقليدية منها أو التي سيتم العمل بها مستقبلاً ، فوجود قناة السويس وما توفره من مرونة أكبر في نقل البضائع بطاقة استيعابية أكبر من طريق التنمية مما قد يجعله طريقًا مساعدًا لها، إلا أن ذلك يبدو غير مقنع للمصريين الذين بدأوا ينظرون للمشروع العراقي على أنه استهداف لشريان مصر الاستراتيجي السياسي والاقتصادي والأمني، وهذا ما يفسر غيابها عن مؤتمر طريق التنمية؛ كذلك فإن طريق الحرير الجديد الذي أعلن عنه الرئيس الصيني شي جين بينغ، عام 2013م، وسمي هذا المشروع رسميا مشروع “الحزام والطريق” ويضم 130 دولة، ويهدف إلى تطوير البنى التحتية البرية والبحرية من أجل تحقيق ربط أفضل بين الصين وأوروبا وإفريقيا، يجعله الطريق الأكثر قدرة على التنفيذ لجدواه الاقتصادية ولأهميته الجيوسياسية، الأمر الذي سيدفع إلى النظر لطريق التنمية على أنه طريقًا ثانويًا لا أكثر ؛ وهذا الأمر ينسحب أيضاً على الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا IMEC، الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي يعد مشروعًا لتكامل اقتصادي استراتيجي سيؤدي إلى تحولات اقتصادية كبرى مرتقبة، ولا سيما في مجال الهيدروجين والطاقة الجديدة ونقل البيانات، وهذا يؤشر إلى أننا أمام أنموذج جديد للطرق الدولية، مما يضعف قدرة طريق التنمية على المنافسة.
مع هذه التحديات الجمة يبدو من الصعوبة الرهان على تنفيذ طريق التنمية لمجرد كونه مشروعًا استراتيجيًا ممكن أن ينقل العراق لمستوى سياسي واقتصادي متقدم، ما لم يتم إعادة ترتيب الداخل العراقي بكل مستوياته وبما يقدم البيئة الحليفة والداعمة لهذا المشروع وأيضًا صياغة مقاربة خارجية يتم بناؤها على أساس المصالح المشتركة بدون أن تكون هناك تنازلات قد تلحق الضرر الكبير بالعراق وموقعه ودوره الجيوسياسي، وفقاً لما يراه الخبير بالشأن السياسي إحسان العوادي.