فيينا / الثلاثاء 23. 07 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
وردت كلمة زنا ومشتقاتها في القرآن الكريم: الزِّنَا، الزَّانِيَةُ، وَالزَّانِي، الزَّانِي، زَانِيَةً، وَالزَّانِيَةُ، زَانٍ، يَزْنُونَ، يَزْنِينَ. جاء في لسان العرب: (الزِّنا يمد ويقصر، زَنَى الرجلُ يَزْني زِنىً، مقصور، وزناءً ممدود، وكذلك المرأَة. قال اللحياني: الزِّنى،مقصور، لغة أَهل الحجاز)
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى عن كلمة الزنا ومشتقاتها “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا” ﴿الإسراء 32﴾ ولا تقربوا الزنى ودواعيه، كي لا تقعوا فيه، إنه كان فعلا بالغ القبح، وبئس الطريق طريقه. قوله جل جلاله “وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ” ﴿الممتحنة 12﴾ يَزْنِينَ: يَزْنِي فعل، نَ ضمير. يا أيها النبي إذا جاءك النساء المؤمنات بالله ورسوله يعاهدنك على ألا يجعلن مع الله شريكًا في عبادته، ولا يسرقن شيئًا، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن بعد الولادة أو قبلها، ولا يُلحقن بأزواجهن أولادًا ليسوا منهم، ولا يخالفنك في معروف تأمرهن به، فعاهدهن على ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله. إن الله غفور لذنوب عباده التائبين، رحيم بهم. قوله سبحانه “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا” ﴿الفرقان 68﴾ يَزْنُونَ: يَزْنُ فعل، ونَ ضمير. والذين يوحدون الله، ولا يدعون ولا يعبدون إلهًا غيره، ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحق قتلها به: من كفر بعد إيمان، أو زنى بعد زواج، أو قتل نفس عدوانًا، ولا يزنون، بل يحفظون فروجهم، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، ومن يفعل شيئًا من هذه الكبائر يَلْقَ في الآخرة عقابًا. يُضاعَفْ له العذاب يوم القيامة، ويَخْلُدْ فيه ذليلا حقيرًا. (والوعيد بالخلود لمن فعلها كلَّها، أو لمن أشرك بالله). لكن مَن تاب مِن هذه الذنوب توبة نصوحًا وآمن إيمانًا جازمًا مقرونًا بالعمل الصالح، فأولئك يمحو الله عنهم سيئاتهم ويجعل مكانها حسنات، بسبب توبتهم وندمهم. وكان الله غفورًا لمن تاب، رحيمًا بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بأكبر المعاصي. ومن تاب عمَّا ارتكب من الذنوب، وعمل عملا صالحا فإنه بذلك يرجع إلى الله رجوعًا صحيحًا، فيقبل الله توبته ويكفر ذنوبه.
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله جل جلاله “وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ” ﴿الممتحنة 12﴾ ذكر سبحانه بيعة النساء وكان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من بيعة الرجال وهو على الصفا جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية فشرط الله تعالى في مبايعتهن أن يأخذ عليهن هذه الشروط وهو قوله “يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على” هذه الشرائط وهي “أن لا يشركن بالله شيئا” من الأصنام والأوثان “ولا يسرقن” لا من أزواجهن ولا من غيرهم “ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن” على وجه من الوجوه لا بالواد ولا بالإسقاط “ولا يأتين ببهتان يفترينه” أي بكذب يكذبنه في مولود يوجد “بين أيديهن وأرجلهن” أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس وقال الفراء كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفتري بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المعنى على نهيهن من أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج لأن الشرط بنهي الزنا قد تقدم وقيل البهتان الذي نهين عنه قذف المحصنات والكذب على الناس وإضافة الأولاد إلى الأزواج على البطلان في الحاضر والمستقبل من الزمان.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)” (النور 2-3) “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة” الآية، الزنا المواقعة من غير عقد أو شبهة عقد أو ملك يمين، والجلد هو الضرب بالسوط والرأفة التحنن والتعطف وقيل: هي رحمة في توجع، والطائفة في الأصل هي الجماعة كانوا يطوفون بالارتحال من مكان إلى مكان قيل: وربما تطلق على الاثنين وعلى الواحد. وقوله: “الزانية والزاني” الخ، أي المرأة والرجل اللذان تحقق منهما الزنا فاضربوا كل واحد منهما مائة سوط، وهو حد الزنا بنص الآية غير أنها مخصصة بصور: منها أن يكونا محصنين ذوي زوج أو يكون أحدهما محصنا فالرجم ومنها أن يكونا غير حرين أو أحدهما رقا فنصف الحد. قيل: وقدمت الزانية في الذكر على الزاني لأن الزنا منهن أشنع ولكون الشهوة فيهن أقوى وأكثر والخطاب في الامر بالجلد متوجه إلى عامة المسلمين فيقوم بمن قام بأمرهم من ذوي الولاية من النبي والإمام ومن ينوب منا به. وقوله: “ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله “الخ، النهي عن الرأفة من قبيل النهي عن المسبب بالنهي عن سببه إذ الرأفة بمن يستحق نوعا من العذاب توجب التساهل في أذاقته ما يستحقه من العذاب بالتخفيف فيه وربما أدى إلى تركه، ولذا قيده بقوله: “في دين الله “أي حال كون الرأفة أي المساهلة من جهتها في دين الله وشريعته. وقيل: المراد بدين الله حكم الله كما في قوله تعالى: “ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك” (يوسف 76) أي في حكمه أي لا تأخذكم هما رأفة في إنفاذ حكم الله وإقامة حده. وقوله: “إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر” أي إن كنتم كذا وكذا فلا تأخذكم بهما رأفة ولا تساهلوا في أمرهما وفيه تأكيد للنهي. وقوله: “وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين” أي وليحضر ولينظر إلى ذلك جماعة منهم ليعتبروا بذلك فلا يقتربوا الفاحشة.
جاء في كتاب القضاء والشهادات للسيد ابو القاسم الخوئي: ما ورد في التفسير المنسوب إلى العسكري عليه السلام في تفسير قوله تعالى: “وَاسْتَشْهِدُوا شَهِدَيْنِ مِن رِجَالِكُمْ” (البقرة 282) وما ورد في الروايات من شهادة شاهدين، وكذا في الآيات لم يظهر منها حجية قول المخبر وإن لم يكن إخباره مستنداً إلى الحس، بل كان عن اجتهاد منه، والحجية لابدّ لها من دليل، والمتيقن منها إنما هو إذا كان عن حس من سماع أو رؤية أو نحو ذلك، كما ورد التصريح به في بعض الموارد كالزنا، يشهد بأنه رآه كالميل في المكحلة. وعليه لا دليل على حجية قول المخبر إذا كان إخباره عن حدس واجتهاد وإجراء قواعد نظرية، بل لابد في اعتباره من أن يكون مستنداً إلى الحس، ولعل هذا هو المشهور، ويؤيده بعض الروايات، كمرسلة المحقق عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (وقد سئل عن الشهادة، قال: هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع).
عن کتاب من هدى القرآن للسيد محمد تقي المدرسي: قوله تعالى “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ” (النور 4) وكما يفرض الإسلام عقوبة صارمة على مرتكب الفاحشة، كذلك يفرض على من يزني بلسانه، فيرمي الأبرياء والبريئات بتهمة الزنا. إذ يعتبر ذلك نوعا من الاعتداء على سلامة البيت الأسري، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بسمعته النظيفة، فالبيت الذي تلوكه الألسنة ليس محلا آمنا للحياة المستقيمة. وبقدر ما يؤكد القرآن الحكيم على حرمة الزنا، فهو يؤكد على حرمة الاتهام، إذ يطالب المتهم بإثباتات كافية، لأن الاتهام ذاته قد يكون وسيلة لإشاعة الفاحشة، والمجتمع الذي تسقط فيه قيمة الشرف العائلي يسهل عليه الهبوط إلى حضيض الفواحش.
وللقضاء على الفساد تبدأ بالقضاء على الفاحشة “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ” (النور 19). فالفاحشة من الاعمال المحرمة ولكنها اذا شاعت اصبح عقاب مروجيها شديد كما قال الله جل جلاله “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ” (النور 19) وهؤلاء الذين يحبون ان يشيع الزنا واللواط. و أقوام سابقة ابادهم الله بسبب إشاعة الفاحشة مثل قوم لوط حيث قال عز من قائل”فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ” (الحجر 74).