فيينا / الأربعاء 11 . 12 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. نضير الخزرجي
من دواعي سرور المرء أن يرى الجمال في كل زاوية من زوايا الحياة، يُنعم بخطوطه المتسربلة نظره ويدثر بوافر وبره بدنه، ويروي من معين مائه نفسه وروحه، يأنس به شارحا صدره، فكل شيء في هذه المعمورة هو جمال إن تعاطينا معه بعدسة الجمال، فالوردة جمال، والصحراء جمال، والجبال جمال، والنهر جمال، والبحر جمال، والسماء جمال، والمطر جمال، والوجه الحسن جمال، والمال جمال، والأولاد جمال، والأحفاد جمال، والأبيض جمال، والأسود جمال، والحيوان جمال، والشجر جمال، والحجر جمال، والليل والنهار جمال، والشمس والقمر جمال، والكلمة جمال، والنفس جمال، والروح جمال، وكل شيء يقع تحت اليد والنظر والحس الملموس والشعور المحسوس هو جمال، ولا يعرف الجمال حق الجمال إلا جميل النفس، ومن جمال النفس أن مرَّ عيسى عليه السلام مع حوارييه على جيفة كلب، فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا!، فقال عيسى عليه السلام: ما أشد بياض أسنانه! .
ومن الجمال الذي نشمُّ عطر حروفه منذ عهد التاريخ الأول، هو الكلام المنظوم، الذي أبدع فيه الشعراء، فكانت للقوافي على السمع وقع لحن زقزقة الحبيب، ولصدر البيت على الصدر صدر المجلس ولعجزه على العجز أريكة الديوان.
وزاد من جمال الشعر في العصور المتأخرة تأطيره بعدد من الجماليات والتنميقات والمحسنات والزركشات التي تعرف أدبيا بالمسمطات التي تعطي للبيت الشعري رونقاً وألقاً وإحساساً متجذراً ومتجدداً، قديمه جديد وجديده قديم، ومنها “التخميس” بأنواعه المختلفة وأظهرها إدخال ثلاثة أشطر على صدر البيت وعجزه ليصبح مخمساً كنجمة خماسة الأضلاع متلألئة في سماء الأدب النظمي.
ولأن الشاعر ينظر بعين الجمال، فإن جماله يسوقه إلى اختيار بيت أو قصيدة لشاعر آخر، فينظم عليه مخمَّسه أو تخميساته، والقليل ممن يخمِّس بيتاً من نظمه، ويتصف البيت المُخمَّس أن الأشطر الثلاثة تنتهي بنفس حرف وروي صدر البيت الأصل، وإذا كان البيت هو مطلع قصيدة أو أن الصدر في عروضه والعجز في ضربه ينتهيان بالحرف نفسه، فإن الأشطر الخمسة تكون بذات الحرف والروي.
في الواقع إنَّ التخميس فن جميل، والأشطر الثلاثة للبيت كالإطار الجميل للوحة الجميله يزيدها بهاءً فوق بهاء، بخاصة إذا كان الشاعر المخمِّس (بكسر الميم) يقف على ناصية الشعر بكعب عال، والصورة الجميلة بإطارها الجميل جاذبة بذاتها، وهذا ما أراه في “ديوان التخميس” في جزئه الخامس للمحقق الأديب آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي الصادر مؤخرا عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 438 صفحة من القطع الوزيري، وهو حلقة من سلسلة ديوان التخميس من دائرة المعارف الحسينية، اختصت فيه كل المخمَّسات بشخص الإمام الحسين عليه السلام ونهضته المباركة دون أن يكون البيت الأصل بالضرورة خاصاً به وبواقعة استشهاده في كربلاء عام 61 للهجرة.
مستدركات المخمَّسات
اختار الأديب الكرباسي في مؤلفه الجديد وضع قوافي التخميسات وفق الحروف الهجائية، وحيث ضمت الأجزاء الأربعة الماضية قوافي الألف والهمزة حتى نهاية الفاء فإن هذا الجزء بدأ من قافية القاف وانتهى بقافية اللام.
ولأن المؤلف محقق يتصيد المعلومة أينما كانت، فإن الجزء الخامس ضمّ قسمه الأول مستدركات على الأجزاء الأربعة وذلك من المخمَّس رقم (318) حتى المخمَّس رقم (409) في قافية الألف (الجزء الأول)، وقوافي الباء والتاء والحاء والدال (الجزء الثاني)، وقافية الراء (الجزء الثالث)، وقافية العين (الجزء الرابع)، فيما ضم القسم الثاني المخمَّسات من الرقم (410) حتى الرقم (467) شاملة قوافي الفاء والقاف والكاف واللام.
ضمَّ مستدركات الجزء الخامس (39) شاعراً مخمِّساً بين حيِّ وميتٍ، توزعوا على البلدان التالية: البحرين، السعودية، العراق، عُمان، ولبنان وهم: إبراهيم علي هارون، أحمد محمد الرمضان، احمد محمد الخميس، اركان حسين التميمي، أمل عبد الله الفرج، انتصار علي المحسن، حبيب أحمد آل يوسف، حسن الملا حسين الباقر، حسن محمد مصبح الحلي، حسين حسن المقيلي، حنين حسن الدعسكي، خضر علي القزويني، زكي ملا سعيد الخاطر، زهير عبد الله المهنا، سالم محمود الدر العاملي، سعيد عبد الله الدبوس، صالح محمد الحلي، ضياء عدنان الخباز، عباس صالح الهاجوج، عباس منصور البشراوي، عقيل درويش اللواتي، علي مهدي المادح، عيسى عبد المحسن البدن، كاظم حسن السبتي، محمد خليل العماري، محمد عبد الله المهنا، محمد جعفر (فضل) احمد الدرازي، محمود كاظم السبتي، منصور طاهر الجشي، منصور علي المرهون، منصور محمد علي الجشي، مهدي راضي الأعرجي البغدادي، مهدي هلال الطفيلي، ناظم حميد الفضلي، نزار محمد شوقي آل سنبل، نوف محمد البيات، هلال حسن الدرويش، هيثم شاكر سعُّودي، وياسر أحمد المطوع.
ويلاحظ في هذه الأسماء أن الشاعر العراقي مهدي الأعرجي البغدادي المتوفى سنة 1940م استأثر بإحدى عشرة تخميسة، وهو أكثرهم حيث خمَّس فيها لعشرة شعراء وشاعرات، ومن ذلك قوله في تخميس بيتين من قصيدة للشاعر البحريني الشيخ عبد الله أحمد الذهبة المتوفى سنة 1891م، يصفان حال النساء من الركب الحسيني وهن في الأسر من كربلاء إلى الكوفة حيث مجلس الوالي عبيد الله بن زياد بن أبيه ومن الكوفة الى الشام حيث مجلس يزيد بن معاوية الأموي:
نوائحٌ ليس لها مُسعِدُ *** في قلبها جمرُ الأسى موقَدُ
أضحتْ وسترُ الوجهِ منها يدُ
تودُّ لو أنَّ الدُّجى سرمَدُ *** لمَّا عن الرائي لها غَيَّبا
يا بأبي من آل طاها نِسا *** قد جرَّعوها للجوى أكؤساً
تفرحُ إن صارَ الضحى حِندِسا
وإن بدا الصبحُ دعتْ منْ أسى *** يا صبحُ لا أهلاً ولا مرحبا
والقصيدة طويلة، ومطلعها:
أين الإبا هاشمُ أينَ الإبا *** ما للعُلى لم تلفَ منكُم نَبا
وهؤلاء الشعراء خمّسوا للتالية أسمائهم، وقليل منهم خمَّس لشعر من نظمه، وقد توزعوا على البلدان التالية: ايران، البحرين، السعودية، سوريا، العراق، الكويت، لبنان، مصر، واليمن، وهم: أبو الأسود ظالم عمرو الدؤلي، أبو الحسن علي محمد التهامي، الإمام الحسين عليه السلام، بشر بن حذلم، جعفر محمد الحلي، حيدر سليمان الحلي، دعبل علي الخزاعي، راضي صالح القزويني، رضا محمد الهندي، زهير عبد الله المهنا، السيدة زينب عليها السلام، السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، صالح عبد الوهاب العرندس، ضياء عدنان الخباز، عبد الباقي سليمان العمري، عبد الحسن احمد شُكر الحياوي، عبد الحسين ابراهيم صادق العاملي، عبد الغفار عبد الواحد الأخرس، عبد الغني اسماعيل النابلسي، عبد الكريم مبارك آل زرع، عبد الله أحمد الذهبة، عبد المجيد محمد العطار البغدادي، علي عبد العزيز الخليعي، كاظم محمد الأزري، ماني محمد بن القاسم المصري البغدادي، محسن علي آل خميس، محمد جعفر الأدهمي، محمد طاهر السماوي، محمد بن علي الرضا الحرزي، محمد مال الله الفلفل، محمد صادق محمد الكرباسي، محمد صالح مهدي بحر العلوم، محمد علي بن أبي القاسم الأرودبادي، محمد علي محمد كمونة الاسدي، محمد مهدي عبد الحسين الجواهري، وهاشم الصياح الستري البحراني.
ويلاحظ أن القصيدة الرائية للشاعر البحريني السيد هاشم الصياح الستري المتوفى سنة 1779م التي تصور حال الركب الحسيني وعودتهم من الأسر من الشام نحو المدينة المنورة ووصولهم كربلاء المقدسة حيث مصارع شهداء الطف، قد استأثرت بسبع عشرة تخميسة لستة عشر شاعراً وشاعرة، ومن ذلك تخميسة الشاعرة العراقي ناظم حميد الفضلي المولود سنة 1984م، لمطلعها:
أجهز على الدهر أن يأتيكَ بالغِيَرِ *** واستنزلِ الدمعَ للمذبوحِ كالمطَرِ
على الذي قد بكاه مِحْجرُ الحَجرِ
قُم جدِّدِ الحُزْنَ في العشرين من صفرِ *** ففيه رُدَّت رؤوس الآل للحُفَرِ
مخمِّسون وأصلاء
ضم القسم الثاني من الديوان (46) شاعراً من المعاصرين والراحلين، توزعوا على البلدان التالية: الإمارات العربية، إيران، البحرين، السعودية، سوريا، العراق، عُمان، ولبنان، وهم: ابراهيم عبد الله الدبوس، إبراهيم ملا عبد الله الزين، أحمد حسن الدمستاني، أحمد صالح الستري، أحمد عبد الله اللويم، احمد محمد الخميس، أحمد محمود الدر العاملي، جواد كاظم الهر الحائري، حبيب أحمد آل يوسف، حسن عبد الله العيثان، حسن عبد الله ربيع الخطي، حسين حسن آل جامع، حسين حسن المقيلي، حسين علي العشاري البغدادي، حسين محمد علي العلوي، سعيد عبد الله الدبوس، سلطان علي حسين الصابري، سلمان أحمد آل نشرة البحراني، سلمان جواد العوى، صالح أحمد الستري البحراني، عادل عبد الله آل دهنيم، عبد الباقي سليمان العمري، عبد الحسين عمران الحويزي، عبد الحميد أحمد السماوي، عبد الرضا علي الصافي، عبد الله عبد الجليل الماء، عقيل درويش اللواتي، عقيل ناجي المسكين، علي منصور المرهون، عيسى عبد المحسن البدن، قاسم محمد التستري الحلي، كاظم جواد الحلفي الربيعي، محمد صادق الخليلي، محمد بن علي الرفاعي الربعي الشيباني، محمد حسن هادي سميسم، محمد حسني كامل صندوق الحسيني، محمد صادق محمد الكرباسي، محمود كاظم السبتي، مرتضى محسن السندي، منصور علي المرهون، منصور محمد علي الجشي، مهدي راضي الأعرجي، مهدي هلال الطفيلي، هادي صالح الخفاجي، هاشم حسين الموسوي، وياسر أحمد المطوع.
ويلاحظ في أسماء المخمِّسين أن الأديب الشيخ محمد صادق الكرباسي أكثرهم تخميساً وله أربع، منها في وصف المرقد الحسيني الشريف مخمساً مطلع قصيدة للشاعر المغربي أحمد بن عبد السلام الجراوي التادلي المتوفى سنة 1212م:
حقٌّ على بلدٍ سما بالإصطفا *** في مرقدِ السِّبطِ الذي فيه الوفا
فخراً له ولِمَنْ بمرقاهُ اختفى
صُنعٌ جميلٌ جلَّ عنْ أنْ يوصَفا *** نالَ الوجودُ به كمالاً واكتفى
وهؤلاء خمّسوا للتالية أسمائهم وجلهم من طبقة الشعراء، وقليل منهم خمَّس لشعر من نظمه، توزعوا على البلدان التالية: إيران، البحرين، السعودية، سوريا، العراق، مصر، والمغرب، وهم: ابراهيم عبد الله الطائي القيراطي، أحمد عبد السلام الجراوي التادلي، الإمام الحسين عليه السلام، امرؤ القيس بن حجر الكندي، جعفر محمد الحلي، حسن قفطان السعدي، حسن محمد الدمستاني، حسين علي الطغرائي، حيدر سليمان الحلي، خالد معدان الطائي، صالح حمزة الكواز، عبد الحسين أحمد شُكر الحياوي، عبد الحسين محمد علي الأعسم، عبد الحسين يوسف الأزري، عبد الصمد المغذَّل غيلان البحتري الأسدي، عبود جودي الحلي، علي الحسين الشفهيني، قاسم محمد علي الهر الحائري، كاظم حسن السبتي، محسن محمد أبو الحب الكبير، محمد بن حسين أمير الحاج الحائري، محمد عبد الله السوسي، محمد صادق محمد الكرباسي، مهدي علي الموسوي الغريفي البحراني، مهيار مرزويه الديلمي، هاشم حردان الكعبي، ويوسف بن لؤلؤ الذهبي الدمشقي.
ويلاحظ أنَّ القصيدة الكافية للشاعر العراقي جعفر بن محمد الحلي المتوفى سنة 1897م استأثرت بثلاث عشرة تخميسة من بين ثلاثة عشر شاعراً، من ذلك تخميسة الشاعر العُماني عقيل بن درويش اللواتي المولود سنة 1972م، فيها يصف المخمِّس والشاعر الأصل حوادث العاشر من محرم الحرام لعام 61هـت حيث استشهاد الإمام الحسين (ع) وأولاده وأهل بيته وأصحابه وما جرى على نسائه:
في كلِّ آن زكت روحٌ وناعيةٌ *** ونعمةٌ من صلاة الطفِّ ساعيةٌ
وصرخةٌ من صميم النبضِ داعيةٌ
في كلَّ عام لنا في العشر واعيةٌ *** تطبقُ الدورَ والأرجاءَ والسِّكَكا
والقصيدة الأصل طويلة ومطلعها:
اللهُ أيُّ دمٍ في كربلا سُفكا *** لم يجر في الأرض حتى أوقف الفَلَكا
لقد عودنا المحقق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية أن يتوج كل جزء بمقدمة ضافية لأحد الأعلام، وكان نصيب هذا الجزء مقدمة جميلة خطها بلسان الأدب الباحث التونسي الدكتور علي أحمد اللطيِّف، تناول في بدايتها موضوعة الشعر العربي بعامة والشعر الحسيني بخاصة، ليعرج بعدها على المسمطات الشعرية ومنها التخميس الذي هو مدار الديوان، مشيداً بالمؤلف حيث: (قدَّم لنا فضيلة الكاتب محمد صادق كرباسي بفضل هذا المدخل – المدخل الى الشعر الحسيني بجزأيه – صورة شاملة عن مركز اهتماماته وأمدنا بمفاتيح ذهبية لإدراك مدى أهمية وجوهرية هذه المدوَّنة الموسوعية الشاملة حول شخصية الحسين، وهو ما ساعدنا على الولوج إلى مدوَّنته المتعلقة بــ “ديوان التخميس”).
وجد الدكتور اللطيِّف من خلال تصفحه للكتاب أن التخميسات جاءت: (متفاوتة الطول ومتنوعة المواضيع ولكنها تتمحور عموماً حول المراقد ونوائب الدهر وعجائبه ودروس الواقعة وشوق الملاقاة والوفاء والعشق والشوق ومعاناة الذات من أجل ذلك والنعي والانتهاض ورفض الذلة والخضوع .. كلها مشاعر وأحاسيس نبيلة، ومواقف ملتزمة).
ولأنَّ ما جاء به الكرباسي في الموسوعة الحسينية كما يؤكد الدكتور علي اللطيِّف (أفادتني أيّما إفادة وأمتعتني إلى حد بعيد)، ولذا: (أنا متأكد من أنه وسَّع من زاوية نظري ومن زادي الفكري، وأزدادت قناعتي بأنَّ الفكر أرحب من أن يُختزل في وطن أو مذهب، ولا يمكن أن يكون إلا إنسانياً في شموله وامتداده).
وصدق الأستاذ المحاضر بالمعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر المولود في القلعة الصغرى عام 1957م، فالفكر الخلاق القيَمي يسع الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها.
الرأي الآخر للدراسات- لندن
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات