السيمر / الجمعة 23 . 12 . 2016
هاتف بشبوش
(قرّب كلّ منهما شفتيه من الآخر والتحما بقبلة حارة..شهوانيّة..فاحتضنها بينما كفّهُ تعبثُ بصدرها وتعصره وتهبط إلى ما بين فخذيها)…..من مشهدٍ حميميّ بين آدم الشبيبي وحواء الساري…
وأنا أقرأ المتاهة السابعة لبرهان شاوي ( متاهة العميان ) تيقّنت بأنّنا كُلّنا عميان معصوبي الأعين و ننقادُ إلى أبشع الممارسات دون أن ندرك مساوئها و شرورها و النّدم الذي سوف يلحق بنا بعد اقترافها، وعلى وجه الأخصّ ممارسات الرّغبة و الغوص في أعماقها وخدرها الذي يطير بنا إلى سماء المُتعة و أعلى ذرواها وأحيانا إلى أعلى مستوياتها في الانحطاط والعمى الرّهيب الذي يصلُ بنا إلى ارتكاب الجريمة، كما حصل في الفيلم الإيراني الذي يتناول حياة الشاعر اليساري الإيراني ساحل فرزان الذي سُجن ثلاثين عاماً هو و زوجته ( منّة) في زمن الإمام الخميني . فيلمٌ من تمثيل الجميلة ( مونيكا بيللوتشي) ،حيث يقومُ مدير السّجن ( أكبر رضاي) رجل الدّين الملتحي باغتصاب زوجة الشّاعر ( منة) بشكل مريع، فيضع كيسا فوق رأسها و وجهها وهو أيضا يضعُ كيساً فوق وجهه و رأسه،ثمّ يقوم باغتصابها بطريقة مُفبركة وشيطانيّة باعتباره زوجها في لحظة لقاء تجمعهما في غرفة السجن، وهذا النّوع من إخفاء الوجه جُسّدّ في اللوحة العمياء الرائعة للفنان العالمي البلجيكي (رينيه ماغريت) . لم أرَ مشهدا سينمائيا أثّر بي مثل هذا المشهد لأكبر رضاي خلال ذلك الاغتصاب الذي قام به أحدُ الرّهبان في كنيسة من كنائس أوربا مع امرأة مُتوفّاة للتوّ وجاءوا بها لغرض الدّفن،فراح الراهب الدنيء القميء ينكحها .
رواية ( متاهة العميان ) تتكلّم عن عماء الشعوب حين تُزوّجُ بناتها بطريقة الفصلية،وها هو آدم أبو التنك يكره أمّه لأنّها كانت تكره أولادها الذين أنجبتهم من زوجها الذي زوّجوها به رُغما عنها بينما هي كانت تُحبّ ابن عمها حبيبها الذي لم تستطع أن تتزوجه،و هناك بيت شعري عامّي بخصوص هذا الموضوع قيلَ على لسان إحداهنّ ( لو تبجي طول الليل لأبداً ما اهزّك…كون إنت إبنه وايجان إش معزّك ) والأخرى تقول ( ظل إبجي ما خليك ترضع حليبي …إنت وأبوك تروح فدوة لحبيبي). شعر بعبارة عنو شائج من الكره،ذاك يكره هذا وهذا يكره ذاك،وحين تبحث عن الحقائق تجدها أغلبها جنسيّة أو دينيّة،فالعالم هناك في بلداننا إذن يحتاج إلى سطوة فرويد وماركس .
ونتيجة لهذا الكره والبغضاء المُبطّن أو الجلّي أصبحت هذه الشّعوب مقنّعة على الدّوام لتُخفي شخصياتها الحقيقيّة، لأنّها لو كشّفت عن وجهها الحقيقي لوليتَ منها إدباراً . ولذلك الرّوائي بُرهان أعطانا صورة مُذهلة عن هذه الحقائق في أحد فصول الرواية من أنّ البشر لديهم القابلية على التشكّل في أكثر من صورة وقناع،فهناك القناع الزّجاجي الذي إذا ما كُسّر فسوف يجرح الوجه،فيفضح صاحبه لكثرة أكاذيبه وأفعاله،وأنا أقول صاحب المقال هذا من أنّ هناك الأقنعة المطاطية وهذه أخطر الأقنعة لسهولة استخدامها إذ أنّ صاحبها له القابلية على التبدّل بأسرع وقت ممكن، كما نراها لدى سيّاسيّونا الذين ارتكبوا أبشع الجرائم لقدرتهم على التلوّن في شتّى الشخصيات،وإذا ما أردنا أن نُحوّر القناع المطاطيّ إلى قناع حقيقيّ فنراه يُستخدم في عالم الجريمة والسّطو على البنوك لمجرد ارتداء جورب مطاطيّ شفاف يمحو كلّ أثر للوجه الحقيقي للشّخص،ولذلك نرى في عراق العمائم ارتكبت أكبرُ السّرقات على مرّ التأريخ لارتدائهم القناع الحقيقي والقناع المخفي المطاطي للدلالة على النفس البشرية المتلونة لهؤلاء المُعمّمين.
الروائي بُرهان رغم ما يعرضه لنا في شاشته البانوراميّة وإخراجه لأعظم مسلسل مترابط يغوصُ في أعماق الرغبة،إلاّ أنّه كعراقيّ مجبول من السياسة والقهر العظيمين نراه مُجبراً أن يتحدّث عن مسخرة الحكم اليوم وحُكّامها في العراق من خلال شخوص الرواية، حيث أنّ شلّة من الجهلة تروّض لفكرة المهدي المنتظر،وعن الغيبة الصغرى والكبرى . حيث أنّ هذه الفكرة تختلف من طائفة إلى طائفة ومن دين إلى دين،فهي لدى الطائفة السُنيّة من أنّ المنتظر غير مولود بل يظهر في آخر الزّمان،لكن الشيعة لديهم هو الإمام المولود والغائب الذي سوف يظهر لكي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن مُلئت ظلما و جورا . كذلك الحال للكثير من الأديان،فلدى المسيحيين يُسمّونه المخلّص ولدى الأديان الأخرى حتى الزرادشتية لهم مخلّصهم،فهي فكرة تعتمد على الخلاص من الظلم والجور ليس إلاّ أو هي صرخة المضطهد كما يقولها ماركس العظيم التي جاءت على لسان آدم الشبيبي مع حواء الساري الصارخة بالجنس وحواء الزياني الجزائرية الصارخة بالصوفية :
(إنّه زفرة الكائن المضطهد، إنّه القلب لعالم لا قلب له، هو الروح لأوضاع لا روح لها، إنّه أفيون الشعوب، طبعا هذا يعني بانّ الأفيون قد لا يكون حلاّ لآلام الإنسان، لكنّه قد يكون ضرورة لتخفيف الألم).
لذلك يقوم الروائي بُرهان شاوي بنسج حبكة جميلة و فنتازيا رائعة حول أساطير الدين تجعلُ قسما من المثقفين يسخرُ من فكرة المخلّص و المهدويّة جملة وتفصيلا،ومنهم المثقف الراسخ غير المتذبذب آدم أبو التنك،أمّا آدم الشبيبي وحواء الفارسي فيُصيبهما الذهول وعدم السيطرة على نفسيهما بين التصديق من عدمه،حيث أنّ أربعة من الملتحين جاءوا ليسرقوا الطفل هابيل الذي كان مع حواء الكرخي القتيلة في سوريا على أيدي حُكّام اليوم والذي تتبنّاه حواء الفارسي التي تسكن مع آدم أبو التنك وآدم الشبيبي التي تصبح فيما بعد زوجة لآدم أبو التنك. الأربعة الملتحين وكأنّهم سُفراء المهدي المنتظر، يسرقون الطّفل ويقولون هذه هي الغيبة الصغرى،ثم مرّة أخرى يُعيدونه ويسرقونه ويقولون هذه الغيبة الكبرى وهكذا من الألاعيب التي ينسجها رجال الدّين فتنطلي على الآخرين من الجهلة،وهذه فعلها قبلهم كثيرون ومنهم( الحسن الصباح) الذي أسّس لنفسه حُكما بجوار الدولة الفاطمية وراح يتحدّث عن قُرب ظهور المهدي المنتظر ثم اختفى في السراديب بعد أن جُنّ معتبرا نفسه سيعود بعد فترة أخرى كمهدي الزّمان.
الرواية تتطرّقُ إلى قتلة اليوم في السّلطة العراقية من السنة والشيعة الذين قتلوا على سبيل المثال ( هادي المهدي ) المناضل الشيوعي البطل،لأنّه وقف في طريق سرقاتهم وعهرهم الفاضح، فيتناول الروائي سلسلة جرائم القتل المنظّمة والمدبّرة من رجال دين على مستوى الحاج قابيل الذي يمثل أحد الأحزاب الشيعية المسيطرة على زمام الحكم اليوم،الذي يقوم بقتل الفنان آدم المحروم لأنّه على علاقة شريفة بزوجة أخيه (حواء الزاهد) . أو آدم الولهان زوجُ حواء الصائغ التي كانت ميّتة في متاهة آدم ثم ظهرت حيّة في هذه المتاهة،وهنا أقف متحيّراً لما يُريد أن يقوله الروائي بُرهان حول عودة حواء الصائغ زوجة المجرم آدم الولهان،إذ أنّ هناك مذيعة عراقية جميلة جدا تُسحر الناظر وقد ظهرت في بداية سقوط البعث محجبة وقد التقفها أحد رجالات الدين ولم تظهر حتى اليوم لقرابة العشرِ سنين،هل قتلت أم هل ستظهر كما حواء الصائغ أم دفنت في الحياة إجبارا لأغراض المتعة أم ماذا ؟
آدم الولهان هذا هو الآخر من الرجال المتملقين لمنفّذي السلطة فكان ثريّا من أعمال المقاولات والتجارة والسرقات بالاتفاق مع كبار رجال السلطة. آدم الولهان ظلّ يعفي القتل ابتدءا من قتله آدم التاجر صديقه وخطيب حواء الصائغ بحادث سيارة مُدبّر من قبله،ليقوم هو بالزواج منها . ثم يقوم بقتل آدم المطرود المهندس والكاتب نتيجة الغيرة لأنّه يشعر بميل زوجته حواء الصايغ اتجاهه،فقام بتدبير تُهمة مُلفّقة له وزجّه في السّجن وأُعدم على إثرها .كلّها جرائم جنسية أراد الروائي بُرهان البارع من خلالها أن يُوجّه رسالته الواضحة من أنّ الجنس هو السبب الرئيسي لهذه الجرائم الشنيعة التي يقوم بها المؤمنون المهووسون بالجنس. ثم يقوم آدم الولهان بنفي ابن زوجته إلى ألمانيا بحُجّة الدّراسة لأنّه يعرف أنّه ليس ابنه بل من خطيبها الأوّل،ثم يقوم في نهاية المطاف باختطافه أمام صديقه الطفل من أمريكا اللاتينية( آدم زباتو) ،عن طريق الرجال الأربعة الملتحين الذين يُمثّلون رجال المهدي،وكأنّنا نعيشُ في عصور الظّلام والجهل قبل ألف عام . مُجرمون على شكل عصابات بوليسيّة مُصرّون على الاستمرار في حرق البلد بنيّةً و بناءاً و بشراً. ونتيجة لذلك ظهرت الكثير من الثّقافات التي أرجعتنا إلى أيّام الصوفية والمعتزلة لدراسة هذا الواقع الأليم حتى قام البعض بالتّشكيك في كثير من المُقدّسات على غرار شيخ الإشراق السّهروردي المدفون في جامعٍ بحلب باسمه،حلب اليوم التي نشاهدها في التلفاز عبارة عن دمار في دمار في جميع نواحيها من قبل أوغاد الجهل،السهروردي هذا النيّر المستنير قتله ( صلاح الدين الأيوبي) المجرم الذي تحوّل إلى بطل بينما هو حارق الكُتب أيّام الدولة الفاطمية . ترى هل كانت حلب في ذلك الزمن تئنُّ أيضا تحت حوافر خيل المجرم صلاح الدين الأيوبي وأوغاده؟ عجيبٌ هذا الزمن والتأريخ الذي لا يكلُّ ولا يشبعُ من الفوضى و الألم والظّلام. وها هم نخبة من المثقّفين يستمعون إلى الصوفية حواء الزياني وهي تقصُّ لهم عن السهروردي الذي أتُّهم بالكفر حينما سئل :
(أيمكن لله بأن يرسل نبيا بعد النبي محمد..فأجاب: ليس هذا على الله بمستحيل فهو قادر على كلّ شيء قدير..فأتهموه بالكفر لأنه لا نبيّ بعد النبي محمد حسب قول النبي محمد نفسه أن لا نبيّ بعدي) .. فيردّ عليها آدم الشبيبي :
(يعني أنّهم يحجموّن قدرة الله لصالح كلام النبي..والنبي بشر..! )) …..
ورغم كلّ هذه الألفة بين الأصدقاء و روح الصداقة الجميلة،إلاّ أنّنا نجد الجنس مرّة أخرى يفرض أنيابه على العلاقات ويجعل الآخرين يتربّصون في حيلهم كي ينالوا من المرأة بشتّى الوسائل والطّرق، فهذا المثقف الغيور آدم الشبيبي كما بينا أعلاه ينتهز فرصته حين يختلي مع حواء الساري الثملة بالنبيذ بينما صديقتها حواء الزياني نائمة في غرفتها . فقام آدم الشبيبي بدوره المتحايل بأن يضع لها النبيذ في كأسها بينما هي تذهب إلى التواليت كي تسكر أكثر و أكثر و يبقى هو يقظاً بعيون ذئب كي يذوق عسيلة هذه الساحرة المُسمّاة حواء الساري . ولكن علينا أن نعترف ونقول ماذا يفعل الرجل على غرار آدم الشبيبي إزّاء هذا الجنس المحرّم والممنوع في شعوبنا والربّ أعطاه كلّ هذه الغريزة الفوّارة البركانيّة،هل سينكح الحائط مثلا؟إنّهُ أمر عسير على الشّرح هنا بسطرٍ أو بسطرين .
ولذلك ظلّ آدم الشبيبي يتحيّنُ الفرصة حتّى سكرت حواء الساري،فحصل المشهد الجنسي المثير للغاية بينهما كما نقرأ أدناه:
(قرّب كل منهما شفتيه من الآخر والتحما بقبلة حارة..شهوانية..فاحتضنها بينما كفه تعبث بصدرها وتعصره وتهبط إلى ما بين فخذيها..فأخذت تلهث..فمدّ يده تحت ثوبها الأسود..كانت هي تلهث شبقاً..اقتربت منه..و وشوشت في أذنه بكلمات مثيرة..أشعلت شبقه أكثر..فتنحى جانباً..فصارت مستلقية على الصّوفا..وصار هو من الجهة المقابلة لها..وبشكل غير متوقّع.. وبهيجان مدّ كلتا يديه إلى سروالها الداخلي..سحبه بحركة سريعة ساعدته هي برفع جذعها كي يسهل نزعه..و رفع ثوبها الأسود إلى الأعلى،بحيث صار يغطّي رقبتها و أعلى ترقوتها..وبسرعة فكّ حزام بنطاله..وسحب سرواله..دفعها إلى الخلف فاستلقت.. وفتحها..جلس بين فخذيها وأولجه فيها..كانت ضيقة..شهقت بشبق شهقة عالية أقرب للصراخ..فحاول أن يكتم صوتها..أطبق بكفه على فمها..وظل يدخل فيها بقوة..وللحظة تراخت يده عنها فانطلقت شهقتها الشبقية عالية).
وبين هذي وتلك أنا أعتقد من أنّ الجنس لدى الغرب ثقافة ونحن لدينا منهجية وجريمة ونصبِ شباك وتحايل وتصيّد بماءٍ عكر . مثلما يروي لي صديقٌ نادمٌ على فعلته في أيام زمان و كيف جاءت صديقته إلى بيته كالعادة ولكنها هذه المرة جاءت بصديقتها معها،هذه الصديقة كانت أجمل من صاحبته ممّا جعله يُفكّر بطريقة ماكرة هو وصديقه في أن يعطيا لهما أقراصا لغرض السّكر الشديد .. ليتمّ ممارسة الجنس معهما بالتبادل،هذه لك وهذه لي …. معتبرين ذلك من الشجاعة والبطولة،حتى استيقظوا صباحا وتكشّفت الأمور،فاتُّهما من قبلهما بالاغتصاب .
ترجع بنا الرواية إلى حواء الساري حيث كان لها جيكولا آخر في السويد تذهب إليه،بينما هو كان على موعد في نفس الوقت مع حواء أخرى ( حواء الجدي) هذه المسكينة هي الأخرى ضحيّة القرارات العمياء التي تتخذها النساء اتّجاه الرجال الخطأ . هذه الحواء تتركُ بلدها وتسافر إلى السويد للقاء حبيبها الذي كانت تحبّه أيام الجامعة والحبّ الرومانسي، و لا تعرف بأنّ الزمن كفيلا أن يُغيّر من أخلاق البشر والرجال. فتجده دنيئاً لا يعرف غير الجنس و احتقاره لها، لكنّه كان بارعا في اللّحس بشهادتها هي كما نقرأ أدناه:
(ألقاني على السرير وبلمسات الخبير نزع عنّي ثوبي وسروالي الداخلي الأسود كنت عارية تماما،ورأيته كيف يقبل جسدي دون أن ينظر لوجهي وعيني،وانتبهت إلى أنه يفتح فخذي ويلحسني من هناك،حاولت أن أمنعه،لم أكن أعرف ماذا أفعل،فلأول مرة أجد نفسي مع رجل يضع رأسه هناك ويلحسني، حتى زوجي كان لا ينظر إلى مابين فخذيّ،كان يفعل كل شيء في الظلمة) .
اللحس وما أدراك، هناك ابنُّ كويت يذهب إلى أبيه ( صديقنا) في تايلاند بعد أن تأخّر عن موعد مجيئه وقال له،أبي،أمي تسأل عنك لقد تأخّرت وكان من المفروض أن تبق في تايلاند عشرة أيام وها أنت مضى عليك شهر ولم تأتِ،قال لأبنه ( اذهب لأمّك وقل لها ..مضى على زواجي منها أكثر من ثلاثين عام ولم أكن أعرف أن القضيب بالإمكان مصُّه ولحسُه ….حتى عرفته هنا في تايلاند ) … بُنيّ امضي في سبيلكَ يا ابن الحمار .. وابلغ أمك سأعود لضخامِ وجهها بعد شهرٍ آخر .
يتطرّقُ الروائي إلى موضوع في غاية الأهمية وهي عما لا نعرفه وراء جدران بيوتنا وقصورنا تلك التي تختلف عن بيوت وقصور الغرب،إنها بيوت مغلقة أكثر ما فيها الرخام و الطابوق الأصفر والأسمنت الذي يغطّي على الزجاج . بيوت تـَجثم على النفس المُكدرة أساسا من جراء الطبيعة القاسية في بلداننا وعدم توفر المرج الأخضر كما في الغرب . بيوتٌ كلّها تصرخ بالانغلاق والظلمة عكس بيوت الغرب التي تصرخُ بالزجاج أكثر من الرخام،بيوت الغرب حتى في الليل تراها مفتوحة الشبابيك مزدانة بالشموع فترى الحياة فيها تتحرّك من خلال حركة من يسكنها بطرفة عين دون التحديق الشديد المكروه لديهم . أما في النّهارات المشمسة مفتوحة على العيون حتى ترى الشقراوات ينطرحنَ عاريات بلا خجل لغرض التشمس . أمّا ما يحصل في كواليس بيوتنا فهو العجب العجاب والذي يتناسبُ مع كثرة حواجزها الإسمنتية المنيعة،ولذلك نرى الطفلة (حواء الجدي) ذات الأربعة عشرة ربيعا تروي لنا بحرقة شديدة عمّا أصابها في تلك البيوت المغلقة بكواليسها ودهاليزها التي كما السّجون على يد جارتها الأرملة الضخمة المحبوبة من جميع نساء زقاقها لكنّها المجرمة الحقيقية في واقع الحال التي تُخطّط لتجعل ابنها الأعمى والأصمّ يغتصب ( حواء الجدي) ..لنقرأ أدناه المأساة الحقيقية لتلك التي يُلقّبونها حينما كبرت بالقديسة الشفيعة ( حواء الجدي) بينما هي الأخرى مقنّعة بأكثر من قناع لكثرة توجُّعها بالمُلمات القميئة :
يتبــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجـــــــــــــــــــــزء الثالــــــــــــــــــــــــــث