السيمر / الجمعة 10 . 02 . 2017
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
كانت سلطاتُ الاحتلال الإسرائيلي وجيش عدوانه حتى وقتٍ قريب تتفرد وحدها باستخدام الكلاب في تنفيذ مهامٍ عسكريةٍ، فضلاً عن المهام البوليسية التقليدية، حيث يوجد في جيش العدو وحدة خاصة بالكلاب العسكرية يطلق عليها اسم “عوكتس”، وهي كلابٌ خاصة ومن سلالاتٍ نادرةٍ، يستورد جيش الكيان أغلبها من هولندا، التي تشتهر بنوعية كلابٍ مطوعةٍ، وقادرة على التعامل مع الإنسان، وتلقي إشاراتٍ منه، فضلاً عن استجابتها العالية للتدريب والتأهيل والمحاكاةِ والتقليد، كما تتميز بالقوة الجسدية والسرعة الكبيرة والمهارة في الحركة في المناطق الوعرة والخطرة، والقدرة الدقيقة على تمييز الأعداء أو الأهداف المقصودة.
وقد لاحظت هيئاتٌ رقابية ومنظماتٌ إنسانية تعنى بالأوضاع العامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الكلاب العسكرية في أعمال الدوريات الاعتيادية، بصحبة الجنود والسيارات التي تجوب المناطق الفلسطينية، وأنهم يستخدمون الكلاب المدربة جيداً والمهيأة لأعمالٍ محددة، في إهانة الفلسطينيين والتحرش بهم، حيث يطلقها جنود الاحتلال على الفلسطينيين المارة، أو على الموقوفين منهم، بقصد تخويفهم وترويعهم وإيذائهم، إذ يتركونها تنهش أجساد الفلسطينيين وتمزق ثيابهم، وقد وثقت وسائل الإعلام ومنظماتٌ حقوقية قيام جنود الاحتلال بإطلاق الكلاب المدربة على نساءٍ فلسطينيات، اللاتي تعرضن للعض والنهش والسقوط على الأرض أحياناً، كما تم تسليط الكلاب الضارية على الفلسطينيين عند سماعها لنداء “الله أكبر”، بحجة أنها إيذانٌ بعمليةِ مقاومة، حيث اعتاد المقاومون جميعاً على التكبير قبل الإقدام على تنفيذ أي عمليةٍ على خلفيةٍ قومية.
لا تخفي كتائب المقاومة الفلسطينية هذا النوع من السلاح، فقد استعرضت كلاباً عسكرية في العروض العسكرية الأخيرة التي شهدها قطاع غزة، وربما أن هذه الكلاب لم تسترعِ انتباه العامة أو المواطنين الفلسطينيين، الذين اعتادوا على رؤية الكلاب العسكرية تصاحب عناصر الشرطة، وتقف على الحدود والبوابات، وتجوب ذهاباً وإياباً في المناطق الحدودية وبين الأسلاك الشائكة، ولكنها استوقفت المخابرات الإسرائيلية والمراقبين العسكريين الذين يعرفون جيداً هذا النوع من الكلاب، ويدركون مدى أهميتها والأدوار التي يمكن أن تلعبها، فقد تقوم بزرع معداتٍ وتجهيزاتٍ دقيقةٍ في أماكن يصعب وصول المقاتلين إليها، خاصةً في ظل التطور المهول في تقنية الاليكترونيات، وبراعة كتائب القسام في استخدام وتطويع التكنولوجيا الحديثة في معاركها مع جيش الاحتلال.
يبدو أن المقاومة الفلسطينية لا تدع للعدو مجالاً يبرع فيه ويتفرد، أو يتميز به وحده ويقوى، فهي تنافسه في كل الميادين، وتبزه في مختلف المجالات، فقد كشفت القناة العبرية الثانية عن استخدام رجال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة للكلاب في مهامهم العسكرية، وأنه بات لديهم وحدة كلابية خاصة، مدربة ومؤهلة، وتستطيع أن تقوم بمهامٍ معينةٍ، فيما يبدو أنها محاولة لتجريد الجيش من سلاحه، أو لمواجهته بذات السلاح الذي يعتقد أنه يتفوق فيه على خصومه، إذ ذكرت القناة نفسها أن كلاب المقاومة التي بدت في الصور التي حصلت عليها، أنها من النوع الهجومي الشرس، وهي لا تختلف عن الكلاب العسكرية الإسرائيلية المستوردة من دول أوروبا الغربية، التي تمتع بسمعة كبيرة، ولديها خبرة وتجربة ناجحة، ورأت القناة أنه قد يكون لكلاب المقاومة دور خطير في أي حربٍ قادمةٍ، أو خلال أي مواجهة متوقعة.
ولهذا فقد أصدرت قيادة أركان جيش العدو أوامرها إلى مختلف الوحدات العسكرية الإسرائيلية العاملة على الحدود مع قطاع غزة، بإطلاق النار على الكلاب التي تجتاح المناطق الحدودية الفاصلة، أياً كان نوع هذه الكلاب، وبغض النظر عن الاشتباه فيها، حيث يمكن لهذه الكلاب أن تكون مفخخات وقنابل شديدة الانفجار، أو تكون وحداتِ استطلاع واستكشاف مبكرة، تستخدمها المقاومة بعد تزويدها بالكاميرات والمجسات والسماعات الدقيقة، لتكون دليلها عند أي هجومٍ أو مباغتةٍ.
وحذر خبراءٌ عسكريون إسرائيليون متقاعدون من أن هذا السلاح الجديد سيكون خطراً جداً إذا تم استخدامه على نطاقٍ واسعٍ في مختلف المناطق الفلسطينية، وسيكون خطره أكبر إذا انتقل إلى الضفة الغربية التي تعج بالمستوطنات القريبة والثكنات العسكرية العديدة، التي لا تبعد كثيراً عن المناطق السكانية الفلسطينية، وعن شوارعهم العامة وأماكنهم المطروقة بصورة يومية واعتيادية، ولأن الكيان الصهيوني يعرف أهمية هذه الكلاب المدربة في أعمال التصوير والتجسس، حيث يمكنها حمل معدات إليكترونية غايةً في الدقة والحساسية، ويمكن أن تكون منصات مفخخة تتحرك في مختلف المواقع بسهولة، وتصل إلى أدق الأماكن وأصعبها، وفي ظل أشد الظروف خطورةً تحت القصف أو أثناء اندلاع الحرائق، كما يمكن أن تكون الخوذة التي تحملها جهازاً إليكترونياً متكاملاً ومتعدد الوظائف والمهام، وذكَّروا بالكلاب العسكرية السوفيتية التي واجهت في الحرب العالمية الثانية أرتال الدبابات الألمانية وفتكت بها، ودمرت المئات منها، وأعاقت حركة الكثير منها لعطبٍ أصابها، أو لخوفها من مصيرٍ يشابه غيرها.
وذكرت القناة العبرية الثانية أن الكلاب العسكرية تعتبر من سلاح النخبة دائماً، وذلك بالنظر إلى طبيعة المهام الصعبة التي يمكنها القيام بها، فهي أنواعٌ خاصة من الكلاب النادرة السلالة، وهي تحتاج إلى تدريبٍ وتأهيلٍ عالٍ، وتقوم بمهامٍ محكمةٍ ودقيقةٍ، الأمر الذي يرفع من تصنيفها إلى مصاف النخبة، وهو الأمر المتوقع لدى المقاومة الفلسطينية، التي تتطلع فيما يبدو إلى إدخال سلاح الكلاب العسكرية المدربة في المعركة، وإن كانت قد استخدمت بعض الأنواع من الكلاب في مهامٍ بوليسية تتعلق بالمخدرات والسرقات، وبأعمال الحماية والحراسة على الحدود، ولكن هذا التطور الجديد يعني أن المقاومة قد قررت ألا تدع مجالاً للجيش دون منافسة أو تقليدٍ، ولا يوجد ما يمنع نجاحها، أو يحول دون استخدامها لهذا السلاح.
إنها المقاومة الفلسطينية العنيدة الصلبة، القديرة البصيرة، الواعية المستنيرة، المؤمنة بحقها، والمتمسكة بخيارها، تدرك أن معركتها مع العدو هي معركة إرادة وتحدي، وصمودٍ وثباتٍ، وعلمٍ وتقانةٍ واقتدارٍ، وقد أثبتت برجالها أنها قادرة على صده ومواجهته، وقتاله ومناجزته، وها هي اليوم تدخل إلى المعركة سلاحاً جديداً تفرد به العدو وتفوق قديماً، فأبهرته وأذهلته، وأخافته وأربكته، فهل تحقق كلاب المقاومة على العدو نصراً، وتنال من حقاً، وتتفوق عليه رعباً وفعلاً.