السيمر / الأربعاء 26 . 04 . 2017
ا. د. عبد الرضا علي
(يانبعةِ الريحان) واحدةٌ من الأغاني الخالدةِ التي حَظيَتْ باهتمامِ أكثر من صوتٍ شجيٍّ، واستمعَ إليها الآلافُ من محبِّي التراثِ الطربيِّ، والغناءِ الرصينِ الرافضِ للابتذال.
وقد جاءَ إيقاعُها على نظمِ (القوما)، وهو نظمٌ غير مُعربٍ، لا تُراعى فيه قواعد اللغةِ العربيّةِ، استُخدِمَ قديماً في دُعاءِ السحورِ، وأنَّ تسميَتَهُ بـ (القوما) قد تمَّ اشتقاقُها من قولِ المسحر: (قوما نسحر قوما) ووزنهُ :
مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلانْ ….. مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلانْ
مع مراعاة ما قد يصيبُ حشوَهُ من زحافِ الخبن، وهو حذف الثاني الساكن من (مُسْتَفْعِلُنْ)، فتصير (مُتَفْعِلُنْ)، فتُنقلُ إلى (مُفاعِلُنْ) المساوية لها بالحركاتِ والسكنات.
يُجمِعُ دارسو الأدب – سواءٌ أكانوا قدامى أم محدثينَ – على سردِ قصّةٍ مفادُها أنَّ رجلاً يدعى (أبا نقطة) كانَ يجيدُ نظم القوما، وينشدُهُ في سحورِ رمضان، وأنَّ الخليفةَ الناصر (1158 – 1225م) كان يطربُ لإيقاعِهِ، فجعلَ لهذا المسحّرِ البغدادي مرتباً سنويَّاً، فلمّا مات أبو نقطة أرادَ ابنُهُ الذي كان يجيدُ نظمَ (القوما) كأبيهِ أنْ يُعرِّفَ الخليفة المنصور بموتِ أبيهِ، فوقفَ قربَ قصرِ الخلافةِ في رمضان، وأخذَ يُغنّي بصوتٍ شجيٍّ رخيمٍ ابتغاء إيقاظ الخليفة لتناولِ السحور:
يا سيِّدَ السادات ….. لك بالكرمْ عاداتْ
مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلانْ ….. مُسْتَفْعِلُنْ فَعْلانْ
أنا ابن ابو نقطة….. تعيش ابويا ماتْ
مفاعِلُن فعْلُنْ….. مفاعِلُنْ فَعْلانْ⁽¹⁾
وتجدونَ – أيها الأصدقاء – رابطَ أغنيةِ (يا نبعة الريحان) بصوتي: عليّ بدر، وغِزلان بعد أن تقفوا على إيقاعاتها، علماً أنَّ صوتَ المطربةِ غزلان كان مناسباً في مجاراتهِ لصوتِ المطرب عليّ بدر، على الرغمِ ممَّا في صوتِها من بُحّةٍ غجريّةٍ حزينة:
يا نبعةِ الريحانْ….. حِنِّــي على الولهانْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
جِسمِي نحلْ والروحْ….. ذابت وعظمي بانْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
*****
ما عنـدي كل اذنوبْ….. إلا هوى المحبوبْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
لاهُوْ ذَنِبْ واتوبْ….. واتصبّــرِ الرحمنْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
*****
من علّةِ الـ بحِشايْ….. ما ظَلِّ عِندي رآيْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
دائـي صعبْ ودوايْ….. ما يعرفه إنـسانْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
*****
يوم الذي حبّيـــتْ….. يا مُنيــتي جنّيتْ
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
حاير أنا ظليـتْ….. ما أدري ذنبـي شجانْ؟
مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ….. مُـسْتَفْعِلُـنْ فَعْلانْ
……………….
(1) يُنظر: أ ـ ابراهيم أنيس : موسيقى الشعر، ط6: 214 ـ 15، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة، 1988م.
ب ـ الشيخ جلال الحنفي: العروض تهذيبه وإعادة تدوينه، ط2: 709، مطبعة الرشاد، بغداد، 1985
المثقف