الرئيسية / مقالات / هل العراق محمية أمريكية أم دولة مستقلة ذات سيادة؟..

هل العراق محمية أمريكية أم دولة مستقلة ذات سيادة؟..

أحمد الشرقاوي / تونس

بعد دخول روسيا الحرب على الإرهاب في سورية، تسربت أنباء نسبت لرئيس الوزراء العراقي السيد ‘حيدر عبادي’ بشأن ترحيبه بغارات روسية محتملة في أراضي العراق، وهو الترحيب الذي جاء منسجما مع موافقة العراق القبلية على إنشاء غرفة للتعاون والتنسيق الاستخباري في بغداد مع روسيا وإيران وسورية، والتي فاجأت الأمريكي وأثارت قلقه وامتعاضه..
وبعد وصول وفد عسكري روسي إلى بغداد واجتماعه بالقيادة العراقية، وسفر وفد عراقي رفيع المستوى إلى موسكو مؤخرا للتباحث بشأن التعاون العسكري في مواجهة الإرهاب، بموازاة تصريحات إيجابية صدرت عن المرجعية الدينية العراقية والحشد الشعبي بمختلف مكوناته ترحب بالتعاون مع الروسي لسحق “داعش” وتطهير البلاد من رجسها، وصلنا إلى قناعة مؤداها، أن التعاون العسكري العراقي الروسي أصبح تحصيل حاصل، وأن الطلب الشكلي الرسمي العراقي للحكومة الروسية لتفعيل هذا التعاون أصبح مسألة وقت ليس إلا..
وأمام هذا الحراك المبارك الذي يؤسس لمشهد مختلف تماما، ويفتح على عصر جديد ستدخله المنطقة بفضل هذا التحالف الإستراتيجي الفريد بين روسيا وإيران وسورية والعراق، والذي من المحتمل أن تلتحق به مصر أيضا ولو بعد حين وفق الرؤية الروسية، ليتشكل شرق أوسط جديد بطموحات واعدة تنطلق من التعاون الأمني والعسكري لتنتهي بالتنمية الشاملة.. فاجأنا الأمريكي بدخوله على الخط لتخريب هذا البناء الجميل من خلال تعطيل أحد أساساته التي من دونها يستحيل الحديث عن السيادة والتحرر والنهضة المنشودة..
وفي هذا الصدد، كشف رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال ‘جوزيف دانفورد’ الثلاثاء، أن “رئيس الوزراء حيدر العبادي أكد لواشنطن انه لم يطلب دعماً جوياً من روسيا لضرب ‘داعش’ في العراق”، وقال في تصريح نقلته قناة “روسيا اليوم”، أن “السيد العبادي أكد له أنه لم يطلب من موسكو أية مساعدة من هذا القبيل”.
صحيح أن السيد العبادي لم يقل أنه “لـن” يطلب من موسكو، بل قال “لم” يطلب منها بعد، وهذا لا يعني أن السيد العبادي قرر التموضع في الجانب الأمريكي، خصوصا وأنه سبق وأن صرح في الفاتح من تشرين الأول من الجاري في مقابلة مع قناة “فرانس 24″، أن بلاده “لم تناقش مع روسيا توجيه ضربات جوية لـ’داعش’ في العراق حتى الآن”، لكنه أكد بالمناسبة أن هذا الأمر جد محتمل، “وبغداد ستدرس مثل هذا العرض وسترحب به” وفق تصريحه، ونوه بالتعاون القائم على مستوى تبادل المعلومات القيمة بين العراق وروسيا وسورية في محاربة الإرهاب، مؤكدا أن “الغارات الروسية عامل سريع للقضاء على تنظيم ‘داعش’ في العراق”.
وصحيح أيضا، أن موقف السيد العبادي المتريث ولا نقول المتردد في هذا الشأن، مرده إلى الضغوط الأميركية الهائلة التي تمارس عليه كي لا يطلب المساعدة الروسية، خصوصا وأن وصوله إلى رئاسة الوزراء جاءت نتيجة عزل السيد المالكي بسبب رفضه التعاون الأمني مع واشنطن وقراره التوجه للتحالف الإستراتيجي مع طهران..
وبقبول العراق التعاون مع واشنطن في محاربة الإرهاب، برغم ما تسببت به إمبراطورية الشر والإرهاب من مآسي وكوارث إبان الإحتلال، خلفت أزيد من مليون وخمس مئة شهيد، وأعادت العراق إلى عصر ما قبل الحضارة، ها هو العراق يعاني من الإرهاب الذي تسلحه أمريكا اليوم بهمة ونشاط، وتمده بالتموين برا وجوا بدل محاربته، وها هو العراق يتحضر لواقع التقسيم الذي تريد أن تفرضه أمريكا بسيف “داعش” ضدا في إرادة العراقيين الشرفاء..
ومع ذلك، وبرغم خطورة الوضع وحساسية المرحلة، نرى السيد العبادي يعطي الأولوية لمطاردة الساحرات من خلال خطته لمحاربة الفساد بشكل انتقائي لا يشمل شيخ الفاسدين ‘مسعود البرزاني’ على سبيل المثال لا الحصر، بدل التركيز على أنجع السبل لتطهير بلاده من رجس التكفيريين والقطع مع من يوظفهم ويدعمهم من الأدوات الإقليمية، بدل الترحيب بفتح سفارات لها في بغداد، ونقصد بذلك “السعودية” وقطر..
إن أولى أولويات الحكومة العراقية إن كانت تحترم نفسها، ليس المراوغة واللعب على الحبلين بحجة عدم رغبة العراق بالدخول في سياسة المحاور كما يحلو للسيد الجعفري أن يردد في كل تصريح، لأن مستقبل العراق ومصير العراقيين المرتبط أساسا بأولوية محاربة الإرهاب هو اليوم مع القوى الجادة التي تحاربه، وقد أثبتت روسيا جديتها ونزاعتها في هذا الباب، بل وساعدت العراق بالسلاح والطائرات “سو 30″ ومروحيات “مي 28 ” وغيرها من المعدات والأسلحة الثقيلة والخفيفة، هذا في الوقت الذي تقاعست الإدارة الأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها التسليحية بالرغم من أنها توصلت بمستحقاتها مسبقا، وأصبح الهدف من هذا التقاعس واضحا للجميع لا يحتاج لشرح وتفصيل..
بل حتى حين قررت القوات الشريفة في “الحشد الشعبي” محاربة الإرهاب بالإمكانات المحدودة التي بحوزتها، مورست ولا تزال تمارس ضغوط قوية على السيد العبادي كي يتم تأخير تحرير المناطق “السنية” المحتلة من قبل “داعش”، واستبعاد “الحشد الشعبي” من دخولها، بدعوى أن واشنطن هي من ستقوم بتدريب العشائر “السنية” لتحريرها، وكانت واشنطن تتوقع أن يصوت البرلمان العراقي على قانون “الحرس الوطني” الذي كان سيمكنها من حل “الحشد الشعبي” وتمزيق البلاد وفق الأجندة المعلومة التي أعدتها للعراق، لكن قانون “الحرس الوطني” الذي قال عنه السفير الأمريكي أنه يخدم وحدة العراق ولد ميتا ولم يجد له طريقا للتنفيذ..
ويذكر أن الإدارة الأمريكية كانت قد حشدت الآلاف من جنودها في قاعدة “البغدادي” بمحافظة “الأنبار″ لتنفيذ مشروع التقسيم الذي وقف في وجهه الشرفاء سواء من الساسة في البرلمان أو “الحشد الشعبي” في الميدان، وهددت بعض القيادات بإعلان الجهاد ضد الأمريكي والوضوء بدمه في حال أصر على تنفيذ مشروعه، ورفضت أي وجه من أوجه التعاون مع واشنطن في محاربة الإرهاب، متحدية بذلك السيد ‘العبادي’، مهددة بما لا تحمد عقباه إن هو قبل بخيار غير الخيار الذي يخدم مصلحة الشعب ووحدة الوطن، معتبرة التواجد الأميركي أكبر خطر يهدد العراق بما يتجاوز خطر “داعش”.
اليوم ها هم “الدواعش” يفرون بالآلاف نحو الأردن، ثم نحو الموصل في العراق، هربا من القصف المرعب الروسي والسوري، والأمريكي قلق بشكل كبير من موافقة الحكومة العراقية على التعاون العسكري مع روسيا، والذي من شأنه مطاردة “الدواعش” في كل مكان حتى لا يبقى لهم وجود في سورية والعراق، لأن عدم محاربتهم في العراق سيعطي الأمريكي فرصة تحويل محافظة الأنبار إلى منصة لتجميع وتسليح وإعادة إرسال الإرهابيين إلى سورية لإفشال روسيا بعد أن حسم الأمر على الحدود التركية والأردنية، ولا نعتقد أن السيد العبادي غير مدرك لخطورة الأمر وأبعاده الكارثية على بلاده وجيرانه.
السيد العبادي يعلم علم اليقين أن آخر هم أمريكا هو مصلحة العراق، والمستغرب هو ما تردد من أنباء عن موافقته على مبادرة أمريكية سرية للحوار مع “الصداميين” للقبول بعودتهم إلى حضن الوطن وإدماجهم في مؤسسات الدولة، وخصوصا منها الأمنية والعسكرية، وهذا يعني إعادة تعويم جيش “داعش” و”النقشبندية” ليشكلوا القوة العسكرية للإقليم السني المجمع إقامته في العراق بتمويل من دول إقليمية معروفة، وبذلك تنجح أمريكا بقدرة ساحر في القضاء على “داعش” وتقسيم العراق في نفس الوقت..
وقد سبق للبرلماني العراقي السابق السيد مشعان الحبوري أن كشف على موقع صفحته الرمسية على “الفيسبوك” مطلع الشهر الماضي، عن مضمون مشروع الإقليم السني تحت مسمى “مشروع دولة العراق الجديد”، وكشف أسماء القائمين عليه والتي قال أنه سيتم الترويج له في إطار مؤتمر لإنقاذ العراق، ووفق ذات المصدر، فإن العميل ‘مسعود البرزاني’ هو الذي تكفل بالتسويق للمشروع وعقد اجتماعات تحضيرية قبلية في أربيل، غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي أوهام أمريكا و”إسرائيل” و’مسعود البرزاني’ الذي وبرغم محاولة واشنطن التمديد له بقرار قضائي مخالف للدستور، انفجر إقليم كردستان وبدأ يتهدده التقسيم، ولا نريد الخوض في هذا الموضوع بالتفصيل لحساسيته المرحلة التي تمر منها المنطقة.
نقول هذا، لأن العراق اليوم على مفترق طرق، فإما التوجه شرقا، الأمر الذي سيتيح للعراقيين فرصة استعادة وطنهم وحريتهم استقلالهم وقرارهم السيادي، ويفتح أمامهم آفاقا واعدة من التعاون مع الحلف الروسي الإيراني لما يحضره للمنطقة من مشاريع تنموية ضخمة ستنقل العراق وسورية ولبنان ومصر إلى مصاف الدول المحترمة في بضع سنين.. أو البقاء في الحضن الصهيو – أمريكي – الوهابي، حيث تعشش طيور الظلام ومصاصي الدماء فيغرق في الفوضى والتقاتل إلى أن ينتهي كدولة وشعب وتاريخ وحضارة ودور..
وهو ما لا نتمناه لعراقنا الحبيب.. وبالتالي، لا خيار أمام الشعب العراقي المجاهد سوى الضغط على حكومته لتعديل البوصلة والخروج من حالة التردد والإرباك، والاستعداد لطرد المحتل الأمريكي الذي لا خير في بقائه، فحيث حل يحل الموت والخراب، ومن يجرب المجرب عقله مخرب.

بانوراما الشرق الاوسط