السيمر / السبت 10 . 06 . 2017
هاتف بشبوش
ثم تستطرد قائلة :
)سال الدم من أسفلي طوال الليل.. وفي الصباح رأت أمي آثار تلك الدماء على فراشي.. فغسلتني ووضعت لي خرقة معتقدة أنّها الدورة الشهرية.. وبقيت طول اليوم ابكي من الألم وأنا أشعر بنصل سكين كبيرة مغروز في لحمي.. وتكرر الأمر ثانية وثالثة.. حتى صار يأتيني كل ليلة تقريباً.. ولم يعد يقترب من أمي المسكينة التي كانت تنام مثل الميتة من تعب النهار.)
ما هذه الشعوب التي تتأنق بقول الرحمن والرب والإسلام لكنها في الأفعال اسوأ بكثير من اية ملةٍ بلا دين، لو أن بوذيُ فعلها لقالوا عنه هذا دينهم وديدنهم لأنهم كفرة مارقين، لكن أمور الحياة كما نراها عكس ذلك حيث انني عرفت اكثر من بلدٍ بوذي ووجدتهم في احسن خلق بل هم متمدنون وأكثر منا إنسانية ورحمة في هذا المجال علاوة على مجالات الحياة الأخرى لو تطلب الأمر المقارنة.
والد ضوية المجرم فعلها وهو بكامل وعيه وذهبت جريمته ادراج الريح وسط مجتمع لا يعرف الحق، ولو أنّ هذه الجريمة حصلت في الغرب لتراهم ينشرونها في كافة وسائل الإعلام للتنكيل بها وفضحها وإعتبارها من الجرائم التي لا تغتفر. بل هي من جرائم الإغتصاب التي يحاسب عليها القانون أيما حساب. في السجون الأوربية هناك عادة مستشرية لو أن سجين جديد دخل السجن، فإن السجناء تلتف حوله وتسأله عن جريمته ونوعها، لو قال لهم أنني قاتل محترف، أو أنني لص بنوك، أو أنني تاجر مخدرات، لقاموا له واحتضنوه وعانقوه ورحبوا به أيما ترحيب بإعتباره شجاعا مقداما، لكنه لو قال لهم أنا مغتصب فتاة خصوصا إذا كانت طفلة.. فالويل له ثم الويل… فتراه يشبع ضربا وتنكيلا ثم آخرها يقومون بإغتصابه كعقوبة لما اقترفه من فعلٍ شنيع، أي يحاكموه بفريضة العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم. وهذا ما رأيناه في العديد من روائع الفن السابع التي نقلت لنا أجمل القصص في هذا المجال التي يندى لها جبين الرجال.
في مدينتي أودنسا في الدنمارك وقبل شهرين قام شخص عراقي غارقُّ في الدين والإيمان كان يسخر من جميع الذين يتعاطون الكحول بإعتباره حراما ممنوعا من قبل الرب، قام هذا الشخص بإغتصاب إبنة زوجته بنت الرابعة عشر ربيعا، يعني إبنته في الأعراف والتقاليد والتربية ولا زال هذا الشخص المجرم في السجن ينال جزاء ما فعله من فعل شنيع وشاذ بحق الإنسانية والسماء التي كان يدافع عن تعاليمها.
نعود الى والديّ ضوية حيث قاموا بنقلها الى بغداد وسلموها لعائلة قربية لهم زوج وزوجته، حيث هؤلاء أجهضوها في بغداد بعد ان حملت من والدها (ياللهول). ثم صار هذا الزوج يراودها اربع مرات في اليوم وكان يؤلمها لأنه كان شبقا، ومن بعدها أصيبت زوجته بالغيرة فقامت بنقلها الى بيت للدعارة، ظلت تعمل في الدعارة دون الحصول على المال خوفا من طردها من المنزل. وأخيرا تعرفت على رجل أقل وحشية من أولئك فنقلها الى مكان آخر في الدعارة ولكن هذه المرة مقابل المال وهو بيت (أم صبيح…القوادة) الكائن في خان الشابندر، لكي تدخر مبلغا من المال يساعدها على الهروب خارج البللاد، هذا ماتعرّضت له ضوية من ويلات وظلم أجبرتها على أن تكون عاهرة من الدرجة الأولى بعد ان كانت بنت الرابعة عشر العفيفة الشريفة النائمة في فراشها البسيط والبريئة التي غدر بها ابوها فهل هناك ابشع من هذا يامسلمين.
في بيت الدعارةِ هذا، ضوية بعد ان أنهت شوط الحب مع علي الذي لم يكن راغبا بذلك لكن الغواية وما ادراك ماغواية النساء، الإغراء بكل صوره هو ينتمي الى عالم المرأة فبيدها المفتاح الذي يجعلها بالإمكان أن تدخل قلوب الرجال أو لا تدخل، أما الرجل فيحتاج الى إغراء المرأة الكثير من المعرفة بحواس المرأة ومتطلّباتها المادية والعاطفية وغيرها (رجل يود إغراء إمرأة عليه إجتياز الجبال… شابة تود إغراء رجل ليس أمامها غير إجتياز حاجز ورقي… مثل صيني).
ضوية تقوم بتقديمه الى صديقتها (هند) في الغرفة التي فوقها وهند هذه مثقفة وقارئة روايات فقالت له بأنها تنفعه في الحصول على المعلومات. فتناديها ضوية وتعلمها بقدوم ضيف لها، لكنّ هند لسان حالها يقول (هل هؤلاء ضيوف، كلهم حمير اتركيني أقرأ) فقالت لها ضويه.. لا لا لا.. هذا مثقف لا يريد أن يضاجع بل يريد التعارف. فيتعرف إلى هند وهي مدرّسة وكانت تعمل لدى الأمريكان كمترجمة في الناصرية.
لو نتوقف عند هذه العبارات الهابطة التي لا تليق بالإنسانية، ما لذي يجعل فتاة في بيت دعارة تتكلم بهذا الإسلوب الاحتقاري الكاره والمبغض للرجال فتسميهم حميراً؟. أنه بسبب التخلف وقلة الوعي لدى رجالنا الذين لا يفهمون من المرأة غير بوابتها، لا يعيرون الاهتمام لها كونها تعمل بعرق جبينها أو انها أجبرتها الظروف القاهرة كما بينا أعلاه بصدد ضوية.
العاهرة في الغرب تدفع الضرائب، وتعتبر مهنتها مهنة كحال بقية المهن، وتتعرض للفحص الطبي الدوري كل شهر خوفا من الأمراض، كما لديها من الثقافة العالية التي تحترم الرجل حتى في أثناء أداء العملية الجنسية تعطي الرجل كامل حريته والرجل بدوره يحترمها احتراما عاليا، يعني كلُّ يؤدي دوره الأخلاقي الذي يخلو من التجريح واحتقار الآخر. في بيت الدعارة يكون الجنس بين أثنين، الرجل لحاجته للجنس والمرأة للمال. ولذلك قال ماركيز في روايته (ذاكرة غانياتي الحزينات) يتوجب عليك أن تعطي العاهرة حقها، حتى لورفضت أن تأخذ المال، عليك أن ترميه عليها، لأنه هذا حقها وانك قد أخذت حقك منها وأكثر).
محمود درويش يقول نحن نلجأ الى الجنس حين نفتقد الى الحب، هذا يعني أن الجنس هو خداع للحب. أما إذا كانت المرأة جنسية ولجأت الى الجنس فيطلق عليها بالزانية كما قالها كويللو في روايته (الزانية)، وكيف كانت تلك الصحفية المتزوجة تستلذ حين يدخل فيها عشيقها من الخلف حيث تحني جذعها له فيبرز كفلها الجميل الأبيض ثم يقوم عشيقها بوضع زيت الفازلين حول فتحة الدبر لأنها ضيقة فتتحمل الألم الشديد من جراء الإيلاج حبا وهياما بعشيقها، لكنها مع زوجها هي العفيفية الطاهرة التي تخجل حتى أن تمص له أيره.
يخرج بطل الرواية (علي) من الماخور بأتجاه الكرادة حيث منزله، وفي الطريق يتعرف إلى (سالم محمد حسين) الذي هو اليوم جوّال في الطرقات ذاهبا وآيبا ولسان حاله يقول (لك أنا سالم.. سالم محمد حسين.. هاي شبيك؟. فتذكر علي أنّ سالم كان في سجن ابي غريب وانهم اطلقوا عليه الرصاص ومات، فكيف يحصل وهو بلحمه ودمه ماثلاً أمامه الآن؟، نعم هو صديقه سالم بعينه الذي غادره قبل ثلاثين عاماً، سالم محمد حسين وحبيبته (غدير) التي كانت تدرس الآدب الإنكليزي وكتاب عناقيد الغضب لجون شتاينبك الذي اهدته غدير اليه أيام الجامعة وها هو اليوم لا زال في درج خزانة سالم محمد حسين الذي لاح لعلي أن يراه بينما هو جالس في الغرفة البسيطة التي يسكنها. ثم تساءل سالم اين هي الآن (غدير) ياترى فيجيبه علي:
( لا أدري.. أغلب النساء من جيلنا يبدين كذلك الآن.. حزينات بوجوه شاحبة ويلففن الفوّط السود حول رؤوسهن بعد أن نسين شبابهن وأيام الجامعة الملتهبة بالأحلام.. أنّهن الآن أمهات يندبن أبناءهن الذين يموتون باستمرار في انفجارات الشوارع..)…
(لا.. حتى لو صادفتها لما عرفتها.. النساء يتغيرن بسرعة أكثر منا في أوقات المصائب لأنهن أكثر هشاشة كما تعرف.. مرّة شاهدت أحداهن على شاشة التلفزيون.. كانت تطوّح بذراعيها في الهواء وتلطم رأسها وتستغيث فوق جثة ولدها المقطعة في بركة رهيبة من الدماء بعد انفجار عابر.. كانت ثمة بقايا ملامح حسنٍ قديم بادية على وجهها.. فخيل لي أنني لو أرجعتها ثلاثين سنة إلى الوراء لبدت مثل لمياء.. ـ لمياء سلمان.. تلك الفتاة المرحة التي اختيرت ملكة جمال الجامعة).
هذا هو العراق يعيش حالة (للحب وقت وللموت وقت) لكنها بشكل آخر (للحب وقت قصير وللموت شوط عظيم). العراق إستنفد كل ما كتبه الكتّاب والروائيين عن قصص البشر والتراجيديا الحزينة التي ألمّت بهم، العراق هو فوق الخيال. العراق هو اكثر مأساوية من تلك الكتب التي تحدثت عن الكوليرا والطاعون وموت البشر المجاني في الحروب يرافقهُ كثرة الغواني، كما في في الفيلم البديع من تمثيل (نعومي واتس) حيث تدور احداث الفلم في الصين القديمة مع وباء الكوليرا في زمن الحرب وكيف يتعامل الدكتور طيب الأخلاق مع المرضى دون الإكتراث لحاله، حيث ينتقل هذا الطبيب من بلدته في ايرلندا نتيجة تصرفات زوجته الطائشة (الغانية) التي كانت تعاشر الرجال وهو الذي يحبها حبا جمّاً، فراحت تمرح مع أحد المنتفعين التجار الذي كان وضيعا ساقطا من المستغلين لأوضاع الحرب وانشغال الناس في معالجة الجرحى، يخدعها ويوهمها بأنّه يحبها حبا زائفا حاله حال الكثيرين اليوم ممن إستغلوا العراق وأصبحوا من طبقات الكومبرادور والسمسرة للرأسمال الأجنبي، بينما الآخرون من الوطنيين الشرفاء ينشغلون ببناء الوطن وحب الوظيفة كما هو حال زوج (نعومي واتس) في هذا الفلم. ويعلم زوجها بعلاقتها مع هذا الوضيع فيعطيها الخيار بين أن تذهب معه الى الصين لمعالجة مرضى الكوليرا أو تظل هنا مع وضيعها السافل الذي يريد استغلال جسدها لا أكثر. لكنها تقبل أخيرا بعد أن رأت أنّ الوضيع رفضها رفضا قاطعا حين عرضت عليه الزواج فترجع خائبة ذليلة الى زوجها الطيب الذي قبلها على علاتها وانحطاطها، غريب هو الحب نرى فيه من الأشياء العجيبة التي لا تصدقها الألباب. وهناك في الصين ينشغل الطبيب مع المرضى ولا يعير إهتماما لزوجته، التي تغيرت وأصبحت تحبه حبا جما وأرادت ان تكفر عن ذنوبها ولكن كما يقولون (جاءت وحياض الموت مترعة… وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصلُ)، لأن زوجها يصاب بالعدوى من أحد المرضى ويموت هناك وترجع هي الى أهلها ووطنها وفي مشهد أخير ترى حبيبها الساقط الذي ما زال منحطا منغمسا في السلب والنهب كما سياسيينا اليوم، حيث الناس تموت في الحشد الشعبي وهم منشغلون بزيجاتهم الأربع وما ملكت أيمانهم. فتراه (نعومي واتس) في الشارع بعينيه الزائغتين، ينظر اليها كي يستميلها من جديد لكنها تأبى وترمقه بالإحتقار لأنها تعلّمت الدرس من زوجها الوفي المخلص المحب المتفاني حتى في عمله وقلبه وحبه لها، فهل يتعلّم سياسيونا اللصوص من هذه العاهرة التائبة؟.
يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــع في الجزء الثالــــــــــــــــــــــــــــــــــث