السيمر / السبت 05 . 08 . 2017
هند بشير يونس
لشهاب الدين السهروردي أشعار رائعة، تفيض رقة وعذوبة، في إطار فلسفي، وروحاني، ومنها هذه القصيدة التي قيلت في الحنين الى عالم الأرواح ونور الأنوار:
اليك اشاراتي وأنت الذي أهوى .. وأنت حديثي بين أهل الهوى يروى
وأنت مراد العاشقين بأسرهم .. فطوبى لقلب ذاب فيك من البلوى
محبّوك تاهوا في الهوى وتولّهوا .. وكل امرئ يصبو نحو الذي يهوى
ولمّا وردنا ماء مدين نستقي .. على ظمأ منا الى منهل النّجوى
نزلنا على قوم كرام بيوتهم .. مقدّسة لا هند فيها ولا علوى
و لاحت لنا نار على البعد أضرمت .. وجدنا عليها من نحبّ ومن نهوى
سقانا فحيّانا فأحيا نفوسنا .. وأسكرنا من خمر اجلاله عفوا
شربنا فبحنا فاستبيحت دماؤنا .. أيقتل بوّاح بسرّ الذي يهوى
وما السرّ في الأحرار الّا وديعة .. ولكن اذا رقّ المدام فمن يقوى
فهمنا وهمنا في مدامة وجدنا .. وسرنا نجرّ الذيل من سكرنا زهوا
نراه في هذه القصيدة يشير الى (ماء مدين), والابيات في ظاهرها تشير الى قصة موسى (ع) ووروده ماء مدين ولقائه بالنبي شعيب, ثم مسيره بأهله عائدا الى مصر ومروره بجبل الطور.. والقصة معروفة. ولكنه كان يقصد من خلالها رحلة روحية يغوص فيها في عالم التجريد ويبتعد عن عالم الناسوت. رحلة ينتقل فيها من ظلمات العالم المادي الى العالم الروحي ليصل الى المحبوب الذي يكرمهم بشراب المحبة الالهية وهو شراب التقوى. وعندما يسكرون بذلك الشراب ويغيبون عن ذواتهم تتجلى لهم الاسرار فيتكلمون بما شهدوا, فيستحل الغرباء دماءهم.
وهذه نبذة مختصرة عن حياة ابو الفتوح شهاب الدين السهروردي (المقتول) :
ولد السهروردي في منتصف القرن الثاني عشر وتحديدا عام 549هـ /1155م في بلدة سهرورد بالقرب من مدينة زنجان . وقد كان من كبار المتصوفة في زمانه ومن أفقه علماء عصره بأمور الدين والفلسفة والمنطق والحكمة ويسمي مذهبه الذي عرف به “حكمة الإشراق” وله كتاب بهذا الاسم. ومن كتبه أيضا رسائل في اعتقادات الحكماء وهياكل النور. قيل إنه شافعي المذهب، وقيل انه كان إسماعيلي العقيدة والفكر خاصة في مرحلة شبابه حينما انتدب داعيا للمدرسة الإسماعيلية النزارية.
يلقب شهاب الدين السهروردي عادة بـ”الصوفي القتيل” نسبة إلى مقتله بأمر من صلاح الدين الأيوبي بعد أن اتهمه عدد من خصومه من علماء حلب بالكفر والخروج على السنة. وقد حاول البعض ومنهم ابن صلاح الدين الملك الغازي انقاذه، نظراً لما يجمعهم به من صداقة، دون جدوى، حيث أصر خصوم السهروردي على تنفيذ أمر القتل، وهكذا لقي حتفه.
ويرى البعض أن خطأ السهروردي الوحيد كان هو محاولته الخوض في فلسفة الدين في عصر ليس لدى علمائه استعداد لذلك، كما كان تصوفه يختلف كثيراً عن أقرانه، مما قلبهم عليه، فعجلوا بالتخلص منه، وهو لم يتجاوز الثامنة والثلاثين من عمره.