السيمر / الأحد 06 . 08 . 2017
هند شير يونس
كانت لشهاب الدين السهروردي مناظرات ومساجلات مع علماء حلب وفقهائها (كانت له من قبل مباحثات ونقاشات مع فخر الدين الرازي), وقد قربه الملك الظاهر لعلمه الواسع ومعرفته بالفكر الفلسفي مما اثار حسد الكثيرين. وقد حذر الفقهاء الملك الظاهر من افكار السهروردي. فقد كانوا يرون ان افكاره باطنية فاسدة, وهي التهمة نفسها التي قتل من اجلها ابو منصور الحلاج. وقد دعا الملك الظاهر فقهاء حلب الى مناظرة يطرحون من خلالها اسئلتهم على السهروردي. يقال ان السهروردي افحمهم في تلك المناظرة وانتصر عليهم. فأقاموا له مناظرة علنية في مسجد حلب, وكان مما جاء في المناظرة قلهم: انك قلت في تصانيفك ان الله قادر على ان يخلق نبيا. وهذا مستحيل. فقال: ما حدا لقدرته؟ أليس القادر اذا أراد شيئا لا يمتنع عليه؟ فالله قادر على كل شئ. فقالوا: الا على خلق نبي فانه مستحيل (ويقصدون نبيا بعد خاتم الانبياء). فأجابهم بقوله: فهل يستحيل مطلقا أم لا؟ فقالوا له: كفرت. ومن الواضح ان السهروردي فرّق في تلك المناظرة بين العقل والنقل, بين ما هو ممكن عقلا وما هو ممكن على ارض الواقع. والتاريخ ينقل لنا مخالفة الفقهاء للفلسفة وللتصوف, ومخالفتهم لاي فكر يقدم العقل على النقل كالفكر المعتزلي مثلا. وقد بدأت فلسفة الاشراق بأفلاطون الذي كان يعتقد بأن العالم ماهو الا فيض من العقل الاول (العقل الفعال). ويعتقد الاشراقيون بان المعرفة لا تقوم على تجريد الصور (كما يعتقد المشاؤون أصحاب أرسطو), بل تقوم على الحدس الذي يربط الذات العارفة بالجواهر النورانية صعودا او نزولا. يقول السهروردي (صاحب حكمة الاشراق) ان النور الابداعي فاض عن (الأول) الذي هو الله (نور الأنوار). وتصدر عنه أنوار طولية, اي عقول طولية (وهي العقول المتسلسلة والمترابطة فيما بينها بنظام العلة والمعلول). وتصدر عن الانوار الطولية أنوار عرضية سماها (أرباب الانواع). وهذه لا ترتبط ببعضها بنظام العلة والمعلول. ووظيفتها تدبير الأنواع وحفظها, وهي تدير شؤون العالم الحسي.. وهي التي تفسر الكثرة في عالم الطبيعة, والتي عجزت عن تفسيرها نظرية العقل الفعال لدى المشائيين.. السهروردي يضيف عالما جديدا بين العالمين العقلي والحسي المادي وهو العالم النفسي او الخيالي (عالم المثل). فعالم المثل لديه يجمع العقل والحس. يقول الاستاذ (يحيى محمد- فهم الدين) : (ان العوالم لدى السهروردي خمسة يجمعها رابط السنخية. وهذه العوالم هي: نور الانوار, العقول الطولية, العقول العرضية, عالم المثل (عالم البرزخ للمثل المعلقة), وعالم الأنواع والأجسام المادية).