السيمر / الاثنين 04 . 09 . 2017
عبد الباري عطوان
الخِلاف الذي “انفجر علانيّةً” بين السيد حيدر العبادي، رئيس وزراء العراق، والسيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله على أرضيّة اتفاق القلمون الشمالي الذي سَمح بترحيل 310 مُقاتلين من “الدولة الإسلامية” وعائلاتهم إلى البوكمال السورية على الحدود العراقية شرقًا، هو الأول من نوعه بين الجانبين، وتَقف خَلفه الولايات المتحدة الأمريكية، بطريقةٍ أو بأُخرى.
العقيد ريان ديلون، المُتحدّث باسم التحالف الدولي لمُحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” أو “داعش”، عبّر عن هذا الدّعم الأمريكي صراحةً عندما أكّد إقدام طائرات التّحالف “أمريكيّة” على قَصف الطريق وجسرًا صغيرًا لمَنع القافلة المُكوّنة من 17 حافلة و11 عربة إسعاف من مُواصلة سَيرها باتجاه هَدفها، وأكّد أن قصفًا آخرًا قد يَستهدفها في أي لحظةٍ، لأن أمريكا لن تَسمح بإيجاد ملاذاتٍ آمنةٍ للإرهابيين، ونَقلهم من مكانٍ إلى آخر ليس حلاًّ”.
المُشكلة تَكمن بالنّسبة إلى الأمريكيين في كَون من توصّل إلى هذا الاتفاق علنًا هو “حزب الله” وبمُباركةٍ سوريّةٍ، وليس في نَقل مُقاتلي تنظيم الدولة من مكانٍ إلى آخر، فأعدادٌ كبيرةٌ من هذا التنظيم لجأت إلى إقليم كردستان بعد معركة الموصل، وسلّمت نفسها إلى حُكومتها، والشيء نفسه أقدمت عليه قوّات سورية الديمقراطيّة المَدعومة أمريكيًّا، في منطقة منبج في شمال غرب سورية، عندما سَمحت لمُقاتلي الدّولة بالخُروج منها إلى مدينة الباب وريف حلب، ولم تَعترض أمريكا مُطلقًا على هذه الخُطوة، ولم تُطالب بقِتالهم حتى المَوت.
وما يُؤكّد هذه النظريّة، حالة الانقسام التي طَفت على السّطح في العِراق على أرضيّة هذه الاتفاقية، فالسيد نوري المالكي، رئيس ائتلاف كُتلة القانون، ونائب رئيس الجمهورية، تصدّى بالرّد على السيد العبادي الذي عارض الاتفاق بشدّةٍ، ووصفه، أي العبادي، بأنه إساءةٌ إلى الشعب العراقي بقوله، والكلام هنا للمالكي، “أن الاتفاق كان شأنًا سوريًّا لا علاقة للعراق فيه، وأن الحَملة المُمنهجة التي تستهدف حزب الله، والسيد حسن نصر الله وقراراه الصّائب مُغرضة وكل من يَقف خلفها مُختل عقليًّا”، في انتصار واضحٍ لأمين عام حزب الله، وسورية، والوقوف في الخندق المُقابل للرئيس العبادي وحُلفائه الأمريكان وبعض العراقيين.
***
أخطر ما قاله السيد المالكي في بيانه هو “لماذا سُمح للمئات من داعش بالانسحاب من تلعفر بعد أن سلّموا أسلحتهم لقوّات البيشمرغة”، وتأكيده “أن المدينة (تلعفر) لم تُحرّر بالقتال، وإنّما باتفاقٍ، وتساءل: فهل الاتفاق في العراق جائز وفي سورية مُحرّم؟”.
هذه الخِلافات تَعكس في رأينا السيناريوهات والخِلافات المُتوقّعة في المَرحلة التي ستتلو “هزيمة” تنظيم “الدولة الإسلامية” في سورية والعراق، وأبرزها تَقَاتُل حُلفاء الأمس الذين وحّدهم مَشروع الحَرب على هذهِ “الدّول”، وجَعلهم يَضعون خِلافاتهم جانبًا.
فالسيد العبادي اختار الوقوف في صَف الحليف الأمريكي، أمّا خَصمه اللّدود السيد المالكي فيَقف بقوّةٍ في المُعسكر الإيراني، ويَدعم “حزب الله” وسورية، وزيارة السيد العبادي للسعودية مُؤشّرٌ مُهمٌّ في هذا الإطار، وسيَنعكس هذا الخِصام في الانتخابات العراقيّة البرلمانيّة المُقبلة.
الولايات المتحدة الأمريكية لم تَضرب مُطلقًا قوافل “الدولة الإسلامية” التي كانت تتوجّه وَسط صحراءٍ قاحلةٍ من الرقّة باتجاه الموصل قبل أربعة أعوام تقريبًا، وهي التي تَزدحم الأجواء السورية والعراقية بطائرات استطلاعاتها وأقمارها الصناعيّة التي تَرصد تحرّكات النّمل على الأرض، لأنها كانت، وبكل بساطةٍ، تُريد إسقاط حكومة المالكي المُوالية كُليًّا لإيران، والمُتّهمة بالطائفيّة والفَساد.
ما تَخشاه أمريكا أن تَشهد الأيام المُقبلة “تحالفًا” غير مكتوبٍ، وغير مُتوقّع، بين بعض أجنحة “الدولة” وربّما “حزب الله”، يَخوض حربًا ضد أمريكا وحُلفائها في العراق، وربّما يُفيد التذكير بأن مُحافظة دير الزور كانت منطقةَ تَجمّعٍ وحمايةٍ للمُقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، والقافلة كانت تتّجه إلى “البوكمال” المَعبر الذي تُسيطر عليه قوّاتٌ تابعةٌ لـ”الدولة الإسلامية”.
ربّما يبدو هذا السيناريو مُفاجئًا وغير منطقيٍّ في نَظر البعض، وهذا صحيح، ولكن هل جميع التحالفات على الأرض العراقية والسورية مَنطقية، ألم تتغيّر عدّة مرّات سياسيًّا وميدانيًّا؟ ألم توفّر الإدارة الأمريكية الحاضنة الدافئة لـ”الدولة الإسلامية” في العراق، ويُقدّم حُلفاؤها الدّعم المالي والعَسكري لها في سورية في بداية الأزمة على أمل التّعجيل بسُقوط النظام في سورية قبل أن تنقلب عليها؟ ألم تدعم السلطات السورية المُقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي، وتُقدّم لها الدّعم وتُسّهل حَركتها عبر الحُدود، ومُعظم عناصرها مُتطرّفة؟
هناك مَدرستان في كيفيّة التعامل ميدانيًّا مع “الدولة الإسلامية” وقوّاتها والفصائل الأخرى المَوضوعة على قوائم الإرهاب في حالةِ صراعٍ علنيٍّ حاليًّا:
•الأولى تضم سورية وحزب الله وإيران، ومَدعومةٌ من روسيا، تقول بالتفاوض مع هذه المُنظّمات، وتوفير ممرّات آمنة لها إلى مناطق تحت سيطرتها، بعد هزيمتها في ميادين القتال، بهدف تجميعها في منطقةٍ واحدةٍ، ثم القضاء عليها إذا رفضت الاستسلام، وإلقاء السلاح وحل نفسها، والوضع في إدلب أفضل مِثال في هذا الخصوص.
•المدرسة الثانية، عراقيّة وتقول بضرورة قِتال هذه المُنظّمات، وتنظيم “الدولة الإسلامية” خاصّةً، حتى الموت أو الاستسلام، ومَنع أي مُفاوضات “علنيّةً” معها، وتصريحات السيد العبادي وقوّات الحشد الشعبي واضحةٌ في هذا المِضمار.
***
نحن الآن أمام مرحلة استقطابٍ جديدةٍ داخل التحالف السوري العراقي الإيراني، مِحورها جناحان، الأول يضم السيد العبادي، والتيار الصّدري، وبعض القِوى السنيّة، ويَحظى بدعم الولايات المتحدة وحُلفائها في الخليج، والثاني يَضم حزب الله في لبنان، والسيد المالكي والحشد الشعبي في العراق، ويَحظى بدعم إيران وسورية وروسيا.
لا نَستبعد أن تنضم تركيا إلى المِحور الثاني، أي السوري الإيراني الروسي، بسبب تدهور علاقاتها مع الولايات المتحدة، ودعم الأخيرة لمشروع قيام كيانٍ كُرديٍّ على طُول حُدودها الجنوبيّة مع سورية والعراق، وشمال غرب إيران، وربّما يكون هذا عُنوان الحرب الإقليميّة المُقبلة.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيقوم بعد عطلة عيد الأضحى بزيارة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهمية، استراتيجيًّا وعَسكريًّا، للعاصمة الإيرانية، ونَتوقّع أن تُسفر عن خَريطة سياسيّةٍ جديدةٍ، تُبلور تحالفًا جديدًا، تَلعب فيه البُلدان المَذكورة دورًا مِحوريًّا، في مُواجهة التّحالف الأمريكي الكُردي الخليجي، ويَجد كل الدّعم والمُباركة من الرئيس فلاديمير بوتين.. والله أعلم.
رأي اليوم