ما زلت أعيش تلك العصور التي تحتفي بالقيم الإنسانية النبيلة
أطالب الوسط الثقافي بأن ينقي نفسه بنفسه وأن تقود دور النشر ثورة التصحيح للحد من عمليات التسويق الاحتيالية لكتب لا تستحق ما يثار حولها من ضجيح
القاهرة – اختارت الرومانسية طريقاً لقلمها لأنها تؤمن بأن الحب يصنع المعجزات مهما طرأ على الزمان من اختلافات، وما شابه من تشوهات بسبب التقدم العلمي وفوضى المعلومات تراهن على الإنسان، وتوقن أن معدنه هو الثابت وفطرته هي الأساس والمتحكم الرئيس في الحياة وليست مغريات التقدم العلمي.
إنها صاحبة «سندريلا الحافية» الكاتبة وفاء شهاب الدين، التي التقينا بها في حوار عن أعمالها التي تنوعت بين الرواية والمجموعة القصصية، ورأيها في الحب، ولماذا اختفت الرومانسية في هذا العصر.
* ما جديدك؟
– أكتب رواية لم أختر لها اسماً، أما آخر ما كتبت فرواية «الأمطار لا تغرق الآلهة»، لكنني لن أنشرها الآن، أعتقد أنها جوهرة أفضل الاحتفاظ بها إلى أن تتاح الظروف فأضعها في علبتها القطيفة وأعرضها على الناس، كما سأعيد طبعات جديدة لأعمالي السابقة، فستصدر قريبا طبعة ثالثة من «مهرة بلا فارس»، وطبعة ثانية من «تاج الجنيات».
* ما الصعوبات التي واجهتك ؟
– أنا من جيل محظوظ نوعاً ما، فقد بدأت الكتابة وهناك عدد من دور النشر تقبل النشر للشباب، صادفتني بعض الأمور، لكن فضل الله كان علي كبيراً حينما عملت في بداياتي مع إحدى دور النشر الشابة، ثم حين تركتها عملت بإحدى دور النشر العريقة. لا أعتقد أنني عانيت كثيرا سوى في بداياتي الأولى، لكن هناك صعوبات أخرى حين أكتب المشروع الروائي، أعاني كثيراً من مزاجيتي، لا أكتب إلا في ظروف معينة قد أمسك بالقلم كثيراً من دون أن اكتب كلمة، وذلك يزعجني.
* لماذا تميل كتاباتك إلى الرومانسية؟
– لا أدري، أكتب كثيراً لكنني لا أجد نفسي ككاتبة إلا بين ذراعي اللون الرومانسي، قد تكون العلاقات الإنسانية هي أفضل الطرق التي تجذبني للتعبير، وربما لأنني ما زلت أعيش تلك العصور التي تحتفي بالقيم الإنسانية النبيلة. الرومانسية أراها هي المبالغة في كل شيء، وما أجملها من مبالغة في تعظيم قيمة جميلة مثل الحب.
سحر الحب
* هل مازال للحب وجود؟
– الحب موجود ولن ينتهي أبدا ً، حتى لو تعلل الناس بضغوط الحياة لتبرير جفاف قلوبهم، فهو الدواء الوحيد لتلك الضغوط، وهو السعادة التي تمد الإنسان بالصبر والتحمل.
* إلى أي مدى فقد الحب بريقه في ظل ثورة المعلومات؟
– لقد سددت ثورة المعلومات للحب طعنة قوية ففقد رقته، صعوبته، وكيانه، هذه هي الحقيقة ، وشتان بين حاله الآن وحاله في الماضي ، فالحب في الماضي كان شيئا غاليا وصعباً جعل الجميع يتغنون به وفي النهاية لا يفيقون إلا على الوهم، لكنه الآن أصبح مبتذلا ، في الماضي كان الحب ثنائياً راقياً، ثالثه الإخلاص، الآن أصبح شبكة من العلاقات تفتقد الإخلاص والاحترام، وتضاعف عدد المخبولين الذين سهلت لهم وسائل الاتصال السريعة كل الطرق للخداع ثم التخفي بعد ذلك بلا مسؤولية.
* ما الحب المستحيل؟
– ليس هناك ما يسمى بالحب المستحيل، فنحن من نضع القواعد والقوانين المنظمة له، ونحن أيضا من نطوع العالم لاستمراره، ونضع الأسباب والمبررات، وفي نفس الوقت نضع العراقيل والمبررات السخيفة لإنهائه، لذلك أرى أن الحب لم يكن يوما مستحيلا، لقد وضعه الله سبحانه وتعالى بداخلنا كي يكتمل، لكن الطبيعة البشرية المراوغة تتحكم بمصيره.
*هل ما زال هناك من تستحق أن تسمى «سندريلا» ؟
-طبعا، ما زالت السندريلا تعيش بعالمنا، إنها تلك الفتاة المقهورة التي تعيش حياتها بحثاً عن الأمير الذي سينقذها من الظلم. كلنا في حقيقة الأمر سندريللا، منا من تعترف ومنا من ترفض.
* هل توافقين على تصنيف الأدب إلى جريء ومحافظ؟
– لا أميل إلى تصنيف الأدب عموما، فالعمل الروائي حالة قائمة بذاتها لا يمكن أن ننقدها من أجل مشهد أو أكثر.
* كيف ينجو الكاتب من فخ الإسقاط الشخصي الذي يتعرض له مع كل عمل؟
– مهما حاولنا فلن ننجو، العمل الأدبي جزء عزيز من روح الكاتب، قد لا نكتب أنفسنا لكننا نعيش نفس التجربة مع شخصياتنا ونحن لا نتجزأ عنها خصوصا ًمع العمل الأول. أحاول كثيراً أن أشرح لمن يقرأ لي أنني لست «مهرة «مثلا في قصة «مهرة بلا فارس» أو «سندس في طوفان اللوتس»، مهما شرحت فلن يصدقني أحد، لذا ابتسم بصمت وأعتبرها حالة من النجاح أقنعت القارئ بما كتبت.
الوضع الثقافي
* كيف ترين الوضع الثقافي المصري؟
– هناك حراك كبير في الوضع الثقافي، التبس فيه الأفضل بالأسوأ، لكنها ظاهرة طيبة، فبعد مدة سينقشع الغبار ويذهب الزبد وسيبقى الأفضل.
* ما رأيك في ظاهرة الأكثر مبيعاً؟
– كـــأي ظاهرة ستختفي حـــين يقرر القارئ ألا ينخدع بالبروبوغاندا وحيل التسويق التي تتحكم في المبيعات فترفع أعمالا لا تستحق وتأخذ فرصاً أقوى من أعمال قد تكون الأفضل والأرقى.
*هل اختلف قارئ الأمس عن اليوم؟ ولماذا؟
– طبعا، اختلف كل شيء، في الماضي كان القارئ يقرأ ليستمتع، ولديه عادات للقراءة، موسيقى هادئة، وكوب من القهوة، ومكان منعزل، الآن الشباب يقرأ على الآيباد، التابلت، والموبايل، يريدون شيئاً سريعاً لا يهتمون بالتفاصيل الداخلية الدقيقة التي يتعب الكاتب في تصويرها، لابد أن نعترف بذلك.
* ما القضية التي تتمنين تناولها في عمل أدبي؟
– قضية الدين، هاجسي الحالي، أحاول الآن كتابة رواية لشخص يبحث عن الحقيقة بعدما شوه الناس الدين بتصرفاتهم واعتقاداتهم وتفاسيرهم التي تتواءم فقط مع مصالحهم حتى وإن أضرت بالدين والأخلاق.
* هل تؤيدين ثورة التصحيح الأدبي؟
– ثورة التصحيح لا ينبغي أن تأتي فقط من مجموعة من الكتاب والقراء الناقمين على دور النشر وأساليبهم الرخيصة، الثورة يجب أن تأتي من دور النشر ذاتها، من القراء، من المكتبات، والمسؤولية الكبرى تقع على دور النشر التي تنشر لأي شخص كان طمعاً في المال، هناك العديد من دور النشر المحترمة لكنها منخفضة الصوت، تعاني في صمت، كذلك المكتبات التي لا تهتم سوى بالاكثر مبيعا ويجب على الوسط الثقافي أن ينقي نفسه بنفسه، وأن ينضم له فقط دور النشر الملتزمة والمكتبات التي تهتم فعلا بالمحتوى وليس المال