متابعة السيمر / الأربعاء 04 . 10 . 2017 — قالت صحيفة الشرق الاوسط ان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيسعى خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي صباح غدٍ، إلى عرض وساطة بلاده في الأزمة بين بغداد وأربيل. غير أن مراقبين يقللون من قدرة باريس على لعب هذا الدور، خصوصاً في ظل افتقارها إلى أوراق تأثير.
وتقول الصحيفة ان وفداً وزارياً كبيراً سيرافق العبادي في الزيارة المرتقبة ولا يضم وزيري الخارجية والدفاع، في زيارة تستمر 24 ساعة فقط.
وتؤكد الشرق الاوسط انه اضافة إلى اللقاء مع ماكرون، سيعقد رئيس الوزراء العراقي لقاءات مع مسؤولين فرنسيين آخرين، أبرزهم وزير الخارجية جان إيف لودريان، ووزيرة الدفاع فلورنس بارلي، فضلا عن لقاء رجال أعمال.
وحرصت مصادر قصر الإليزيه، أمس، على تأكيد أن الزيارة «لا علاقة لها بالاستفتاء» الذي أجري في كردستان العراق الأسبوع الماضي، بل إنها «مقررة سلفا»، وتم نقل الدعوة إلى العبادي خلال زيارة وزيري الخارجية والدفاع لبغداد وأربيل في 26 أغسطس (آب) الماضي.
وكان لافتاً بحسب الصحيفة امس =حرص مصادر الإليزيه على التقليل من أهمية المساحة التي سيحتلها ملف الاستفتاء الكردي في محادثات العبادي في باريس؛ إذ اكتفت بالقول: إن ماكرون «سيبحث بطبيعة الحال مواضيع الساعة» مع ضيفه الذي يلتقي به أولاً في «اجتماع ضيق» يليه اجتماع موسع بحضور الوفدين.
وتؤكد الشرق الاوسط انه في حقيقة الأمر، أن الحذر الفرنسي مرده إلى رغبة باريس في تلافي تكرار ردة الفعل العراقية السلبية التي تلت بيان قصر الإليزيه عقب الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ماكرون والعبادي يوم الجمعة الماضي.
وجاء في البيان المذكور، أن ماكرون «أعاد التأكيد على الأهمية التي توليها فرنسا للمحافظة على وحدة الأراضي العراقية وسلامتها، مع الاعتراف بحقوق الشعب الكردي»، منبهاً إلى ضرورة «تلافي أي نوع من أنواع التصعيد».
وبحسب الإليزيه، فإن الرئاسة اقترحت «مساعدة العراق لمنع زيادة التوتر مع كردستان بالنظر إلى علاقات الصداقة» التي تربط باريس بالطرفين. ويبدو أن هذه الفقرة أثارت حفيظة الجانب العراقي الذي رد سريعاً بأن دعوة العبادي إلى باريس «لا علاقة لها بالأزمة الناتجة عن الاستفتاء الكردي غير الدستوري»، وأن الاتصال الهاتفي بين المسؤولين «لم يأت على ضرورة الاعتراف بالحقوق الكردية، ولا على الحاجة إلى وقف التصعيد من جانب بغداد».
وتواصل الصحيفة .. لذا؛ فإن مصادر الإليزيه سعت أمس إلى طمس الملف الكردي والتركيز على أهمية الزيارة ثنائياً، وأنها «تتم في وقت يشهد فيه العراق والمنطقة أحداثاً مهمة»، أبرزها النجاحات في الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا، و«استعداد فرنسا للعمل» مع العراق ليس فقط في المرحلة العسكرية ضد «داعش»، لكن أيضاً في المراحل اللاحقة، أي مرحلة تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي وبناء مجتمعات تتيح لكل المكونات العيش بسلام ووئام.
ولخصت المصادر الرئاسية توقعات باريس من الزيارة بـ«تطوير علاقات ثنائية على الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية كافة»، مع التركيز على أهمية الاستمرار في محاربة الإرهاب.
بيد أن هذه التوضيحات لا تعني، وفق مصادر أخرى في باريس، أن الرئيس الفرنسي طوى رغبته في أن يلعب دور «الوسيط» بين بغداد وأربيل، وهي تؤكد أن ملف الاستفتاء وتبعاته سيكون على رأس لائحة المواضيع التي سيتناولها الطرفان.
كذلك وبحسب الشرق الاوسط فإن باريس «جاهزة وراغبة» في مساعدة الحكومة المركزية وسلطات كردستان على خفض التوتر المتصاعد، ومنع تأجيج النزاع بينهما من جهة والبحث عن «مخارج» من جهة أخرى.
وقالت أوساط الإليزيه أمس: إن باريس «مستمرة بالتشاور» مع الأطراف المعنية بالأزمة الكردية، لكنها قبل ذلك كله «تريد الاستماع إلى ما يقوله العبادي والعراقيون»، وتنتظر لتعرف مصير الدعوات إلى الحوار الصادرة عن العراقيين أنفسهم، في إشارة إلى المبادرات الداخلية لحل الأزمة وفي أي حال، ترى باريس أن «كل ما يشجع على العودة إلى الحوار أمر إيجابي».
وتركز المصادر الفرنسية في سعيها إلى مد يد المساعدة على «الصداقة» التي تربط باريس ببغداد من جهة وبأربيل من جهة ثانية، وعلى المساعدات التي تقدمها للجانبين عسكرياً واقتصاديا، وعلى قدرتها على اتخاذ موقف «مقبول» تشدد فيه من ناحية على تمسكها بـ«وحدة العراق وسلامته»، ومن ناحية أخرى على «اعترافها بحقوق الشعب الكردي»، لكن مع تمسكها ببقاء العراق بلداً موحداً.
وتدعو باريس إلى الابتعاد عن «التصعيد» بين الجانبين وعلى بقاء العراقيين «موحدين» لمنع إدخال عامل توتر جديد. وتؤكد المصادر الفرنسية، أن «المخارج» تكمن في الالتزام بما ينص عليه الدستور العراقي الذي يتعين العمل ببنوده كافة وتفعيلها من غير استثناء. كذلك تطالب باريس بالعودة إلى الحوار بين بغداد وأربيل، وتستعيد الحجة الأميركية القائلة إن الأولوية اليوم هي لاستكمال الحرب على «داعش»، وأن الاستفتاء يمكن أن يفتح الباب لحروب جديدة وفقاً للشرق الاوسط.
بيد أن السؤال الذي تطرحه أوساط سياسية وبحثية فرنسية يدور حول قدرة باريس على لعب دور الوسيط، وعلى الأوراق التي في متناول يديها من أجل النجاح في هذا الدور.
وفي هذا السياق تنقل الشرق الاوسط عن نائب مدير «معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية» الأكاديمي ديديه بيون قوله إن باريس «تمتلك شبكات اتصال، وربما تأثير لدى أكراد العراق، وبدرجة أقل لدى الحكومة المركزية. لكن الاعتقاد أن الرئيس ماكرون يمكن أن يكون عاملاً حاسما في التأثير على الأزمة العراقية ــ الكردية، وهم».
وإذ ينوه بيون بإرادة ورغبة ماكرون في أن تكون له دبلوماسية «نشطة» في منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى رغبته في لعب دور في سوريا عبر «مجموعة الاتصال»، وفي ليبيا من خلال الجمع بين قائد «الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج، ناهيك عن الملف النووي الإيراني، إلا أنه يستدرك بالقول: إن فرنسا «لا يمكن أن تكون وسيطاً في نزاعات العالم كافة»، إأنها «حتى لو رغبت في ذلك، فإنها لا تتمتع بالتأثير الكافي»، و«الأوراق» التي في حوزتها في الملف العراقي ــ الكردي «لا تكفي».
وسبق لباريس أن حاولت تنسيق الجهود مع تركيا، بقيام سفيرها والسفير التركي بمحاولة مشتركة لدى الحكومة المركزية ولدى سلطات الإقليم. لكن هذه المحاولة جاءت يتيمة ومن غير تأثير. وقبل حدوث الأزمة، قام وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان أواخر أغسطس بمحاولة استباقية لثني الأكراد عن التسبب بوضع متفجر. وكانت الجهود الفرنسية من ضمن التحرك الدولي. لكنها فشلت في تلافي الوصول إلى طريق مسدود.
غير أن المصادر الفرنسية تلفت إلى أن «القوة الرئيسية» التي يمكن أن تلعب دور «الوسيط»، وهي الولايات المتحدة «غائبة حتى الآن عن المسرح»، ما يترك الباب مفتوحاً لمساعي باريس من أجل «ملء الفراغ».
ويرى الباحث ديديه بيون، أن واشنطن «لا تستطيع اليوم لعب دور الوسيط بعد المواقف الحادة التي عبرت عنها إزاء الأكراد»، مشيراً إلى أن ردة الفعل الكردية «تبين مدى اتساع الهوة» بين الجانبين وحاجة واشنطن لبعض الوقت من أجل إعادة وصل خيوط الحوار مع أربيل التي «لم توفر مظلة دولية لما كانت عازمة على القيام به، الأمر الذي يبين صعوباتها وعزلتها اليوم».
وبالمقابل، فإن نسبة تأثير واشنطن على الحكومة العراقية تبقى «محدودة» بسبب ما يسميه الباحث «القدرة التعطيلية» المتمثلة بإيران ودروها «المؤثر» على بغداد وعلى قراراتها.
ووفق بيون، فإن العبادي وبارزاني «ملزمان بالتعبير عن مواقف متشددة لأسباب سياسية داخلية: الأول يخضع لضغوط سياسية من البرلمان ومن القوى التي حملته إلى السلطة، ولا يستطيع المقامرة بانفصال كردستان ولا قبول الأمر الواقع الذي فرضه الاستفتاء. أما الثاني، فإنه أصبح رهينة وعوده ومبادراته، وإذا تراجع فإنه يفقد مصداقيته، خصوصاً أنه أدخل الإقليم في متاهات يصعب الخروج منها، وتراجعه عن الاستفتاء سيكون بمثابة انتحار سياسي له».
وخلص بيون في حديثه للصحيفة إلى أن «هناك حاجة أساسية إلى وساطة قادرة على دفع الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وطرح المسائل الخاصة بعلاقات المركز مع الإقليم كافة، واقتراح أفكار جديدة منتجة». ومن هذه الزاوية، يمكن اعتبار «مبادرة» ماكرون «مفيدة، كونها تسعى إلى سد بعض الفراغ، لكن من غير وجود ضمانات بالتوصل إلى نتائج ملموسة».